بدأت تونس أولى الدول التي مهدت للربيع العربي خلال الأيام القليلة الماضية السباق الرئاسي بعد أن نجحت في إتمام الانتخابات التشريعية خلال المرحلة الانتقالية، والتي أحرز فيها حزب "نداء تونس" تقدما ملحوظا على باقي الأحزاب المنافسة له، هذه الانتخابات الرئاسية تُعد أول انتخابات لها بعد ثورة 17 ديسمبر عام 2010، كما أنها المرة الأولى التي يخوض فيها التونسيون انتخابات ديمقراطية لاختيار رئيسهم، فمنذ الاستقلال في 1956 وحتى الثورة، لم تعرف تونس سوى رئيسين هما "الحبيب بورقيبة" الذي انقلب عليه رئيس وزرائه "بن علي" في 7 نوفمبر 1987. مؤخرا بدأت فعليا الحملات الانتخابية الخاصة بالمرشحين البالغ عددهم 27 مرشحا، من بينهم بعض الشخصيات المحسوبة على نظام الرئيس التونسي السابق "زين العابدين بن على"، مما أثار الجدل حول هؤلاء المرشحين داخل الشارع التونسي بين مؤيد ومعارض لترشح هذه الشخصيات بعد ثورة الياسمين، حيث يأتي في مقدمة المرشحين رئيس حركة نداء تونس "الباجي قائد السبسي"، بجانب "سليم الرياحي" و"المنصف المرزوقي" و"مصطفى بن جعفر"، "حمة الهمامي"، و"كلثوم كنو". السبسي..الأقرب لقصر قرطاج رغم كبر سنه 87 عاماً، يتقدم "الباجي قائد السبسي" في استطلاعات الرأي على منافسيه، بعد أن وعد الرجل المعروف بقوة حجته، بإعادة هيبة الدولة، وهو ما يتطلع إليه التونسيون، كان "قائد السبسي" وزيرا للداخلية والدفاع والخارجية في عهد الرئيس الراحل "بورقيبة"، ثم أصبح رئيسا للبرلمان منذ 1990 وحتى 1991 في عهد الرئيس السابق "زين العابدين بن علي"، ويعتبر "السبسي" مؤسس ورئيس حزب "نداء تونس" العلماني الفائز في الانتخابات التشريعية الأخيرة ب 83 مقعدا، والخصم الأول في تونس لحزب "النهضة"، وبعد الثورة تم تكليفه برئاسة الحكومة التي قادت البلاد حتى إجراء انتخابات المجلس الوطني التأسيسي، وينظر أنصار "السبسي" إليه على أنه الوحيد القادر على التصدي لجماعة الإخوان المسلمين المتمثلة في حركة النهضة، بينما يتهمه البعض الأخر بأنه يسعى لإعادة رموز الحكم السابق وبأنه لا يمثل تطلعات الشباب الذين قاموا بالثورة. المرزوقي..ذو الحظ الضئيل يعتبر الرئيس الحالي "محمد المنصف المرزوقي" من أبرز المرشحين للرئاسة، وهو حقوقي ومعارض سابق في المنفى ل"بن علي"، ومؤسس حزب "المؤتمر من أجل الجمهورية"، انتخبه المجلس الوطني التأسيسي المنبثق عن انتخابات 23 أكتوبر 2011 رئيسا للجمهورية بصلاحيات محدودة مقابل صلاحيات واسعة لرئيس الحكومة، لم يأت ترتيب الحزب الذي ينتمي إليه "المرزوقي" بين الأحزاب الخمسة الأولى في نتائج الانتخابات التشريعية، إنما أتى في ذيل القائمة، ولم يتجاوز نصيبه خمسة مقاعد من بين 217 مقعداً. الرياحي..الطامح إلى الحكم "سليم الرياحي" يبلغ من العمر 42 عاما، وهو رجل أعمال ثري، ورئيس "النادي الإفريقي" لكرة القدم في تونس، حصل حزبه "الاتحاد الوطني الحر" الذي أسسه بعد الثورة على المركز الثالث في الانتخابات التشريعية الأخيرة، خلف "نداء تونس" و"حركة النهضة"، ليحصد 17 مقعدا في البرلمان، وتربطه علاقات مع عائلة العقيد الليبي الراحل "معمر القذافي". بن جعفر..الحالم بالمفاجآت المرشح "مصطفى بن جعفر" هو مؤسس "حزب التكتل" عام 1994، ورئيس المجلس الوطني التأسيسي، كان معارضا شرسا لنظام "بن علي"، مؤخرا وجه نداء إلى كل "الأحزاب الديمقراطية" للاتفاق على مرشح مشترك حتى لا يذهب المنصب إلى "نداء تونس"، وقال إن حزبه قادر على كسر الاستقطاب الثنائي بين الإسلاميين والعلمانيين. الهمامي..المعارض دائما هو من رموز اليسار الراديكالي ومن أبرز الوجوة السياسية على الساحة التونسية، وكان من أبرز وأشد المعارضين لنظام "الحبيب بورقيبة" ولنظام "بن علي" الذي زج به في السجن، يعتبر "الهمامي" قيادي في الجبهة الشعبية التي تضم أكثر من 10 أحزاب يسارية وقومية، والتي حصلت على المركز الرابع في الانتخابات التشريعية الأخيرة ب15 مقعدا، يعرف "الهمامي" بتاريخه النضالي الطويل، إذ أنه عارض حكومة "الغنوشي" الأولى والثانية التي كانت تضم وجوه من نظام "بن علي"، كما عارض حكومة "السبسي" أيضا. كلثوم كنو..الوحيدة وسط الرجال هي المرأة الوحيدة التي تخوض السباق الرئاسي كمرشحة مستقلة، تعمل قاضية وهي من أبرز المدافعين عن استقلال القضاء في عهد "زين العابدين بن علي"، الذي مارس عليها نظامه تضييقات لإخماد صوتها، ترأست "جمعية القضاة التونسيين" بعد الثورة، وقدمت أكثر من 15000 تزكية من المواطنين لهيئة الانتخابات من أجل الترشح للانتخابات الرئاسية كشخصية مستقلة لا تنتمي لأي حزب سياسي، وتعتبر السيدة الوحيدة التي تم قبولها في الانتخابات الرئاسية في تونس، وذلك بعد رفض ترشح "آمنة منصور القروي" رئيسة "حزب الحركة الديمقراطية"، وانسحاب "ليلى الهمامي" قبل إعلان النتائج. النهضة..خارج المنافسة فضلت حركة النهضة عدم الزج بأي مرشح لها في السباق الرئاسي، مبررة ذلك بأنها تعارض من حيث المبدأ انتخاب الرئيس عبر الاقتراع العام، كما لم تعلن الحركة تأييدها لأحد المرشحين حتى الآن رغم أنها تعتبر القوة الثانية في البلاد بعد حصولها في الانتخابات التشريعية الأخيرة على 69 مقعدا من أصل 217 في مجلس النواب، لتخسر بذلك 20 مقعدا مما كان لها في المجلس التأسيسي المنتخب قبل ثلاثة سنوات، الأمر الذي يشير إلى تراجع قاعدة الحركة داخل البلاد، فضلا عن عدم رغبة التونسيون في دعم الأحزاب الإسلامية ومن أبرزها "حركة النهضة"، خوفاً من تكرار السيناريو المصري مرة أخرى، لذلك يلتف الكثيرين حول "السبسي" باعتباره الوحيد القادر على التصدي للأحزاب الدينية. التشريعية مدخل للرئاسة لا شك أن نتائج الانتخابات البرلمانية التي تقدم فيها "نداء تونس" تؤثر على مرشحي الرئاسة طبقا لقاعدة الحزب التي ينتمي إليها المنافس، خاصة أولئك الذين أفقدتهم نتائج الانتخابات الأخيرة بريقهم، ليسارع بعض المرشحين مثل "الهاشمي الحامدي" المرشح عن حزب "تيار المحبة" و"عبد الرحيم الزواري" المرشح عن حزب الحركة الدستورية التي يتزعمها "حامد القروي" رئيس الوزراء في عهد "بن علي"، إلى إعلان الانسحاب من السباق الرئاسي، لكن عضو الهيئة العليا للانتخابات أكد عدم قبول الهيئة أي طلب انسحاب، وذلك وفق مقتضيات القانون الانتخابي التونسي الذي ينص على أن طلب الانسحاب يجب أن يتم تقديمه قبل إعلان الهيئة عن اللائحة النهائية للمرشحين. تونس نحو مستقبل أفضل يتطلع الشعب التونسي إلى الاستقرار وانجاز الانتخابات الرئاسية مثلما تم تخطي الانتخابات التشريعية، خاصة في ظل هذه التحديات الكبيرة التي تواجهها البلاد وفي مقدمتها بروز مجموعات متطرفة مسلحة اتهمتها السلطات بقتل عشرات الشرطيين والعسكريين، فضلا عن الاقتصاد الهش الذي تعاني منه البلاد.