لا يستبعد المرء وقوع عمليات إرهابية جديدة ضد الجيش والشرطة، كتلك المجزرة التي شهدتها سيناء مؤخرا، طالما لم تعيد الإدارة السياسية والعسكرية تقييم الحرب الدائرة على الإرهاب، ولم تقدم كشف حساب واضح وصريح لأكثر من عام ونصف على إعلان تلك الحرب، ولم تبدع القيادة السياسية معادلة غير تقليدية لوقف نزيف الدم الحاصل، سواء على صعيد الجبهة الداخلية، أو على صعيد العمل الميداني، أو فيما يخص التفاعلات الدولية والإقليمية. ولعل شيئا من الانصاف يقتضي الاعتراف، بأن المجلس الأعلي للقوات المسلحة قد بدأ يتلمس بعضا من المسالك السليمة لهذا الطريق الوعر، حين قرر عقب الحادث الإرهابي الأخير تكليف لجنة من كبار قادة القوات المسلحة لدراسة ملابسات الأحداث الإرهابية الأخيرة بسيناء وإستخلاص الدروس المستفادة والتى من شأنها تعزيز جهود مكافحة الإرهاب بكافة صوره فى سائر أنحاء الجمهورية، وهي خطوة رغم تأخرها كثيرًا، إلا أنها تعطي اشارات دالة على تغيير جزئي حادث في قراءة المشهد. لكن، يبقى القول إن الجهد العسكري تقييما وحسابا وإعادة لرسم المشهد لا يكفي للانتصار في معركة أو جولة، وليس الانتصار في حرب بأكملها، طالما ظل هذا الجهد يعاني عزلة عن مسارات أخرى لا تقل أهمية، ولا تتضافر مع قضية أمن قومي تضع وبشكل مباشر قضية وجود وبقاء هذا الوطن على المحك، وتقدم قطعة غالية من أرضه وترابه فريسة سائغة لمخططات سوداء تسعى الى استكمال جريمة فصل سيناء واقعيا عن رحم مصر، وإعلانها بؤرة إرهابية تضر الأمن والسلام الدوليين. والظن، أن سيناء ستبقى نقطة انطلاق رئيسية لحلم التقسيم، طالما ظل الجيش دون ظهير شعبي حقيقي متماسك، ووحدة وطنية وسياسية تتمترس خلف مقتضيات الأمن القومي ومخاطره المحدقة، ويكفي القول أن نفرا غير قليل من شباب ثورة 25 يناير ما يزالون خلف قضبان السجون المادية (قضائيا) والمعنوية (تشويها واغتيالا معنويا)، أي تغييب السياسة في مساندة جهود الحرب بالاحتواء بدلا من الاستبعاد، بما يزرع قنبلة موقوتة وقذرة في خاصرة مصر، تنتظر اي مؤامرة اخوانية جديدة لتفجيرها. وإلحاقا على ذلك، فلا أمل في نصر في تلك الحرب، في وقت يستمر فيه الغضب من سياسات حكومية خاطئة، أصبح معها حلب المواطن واستنزاف جيبه هو سياسة حكومية عامة، تستكثر عليه رمق الحياة بعد ان جففت عنه كل منابع الدعم، ثم تعاود التلاعب بنغمة مستهلكة عن التضحية والفداء، وكأن عقودا من الصبر والتضحية لم تكن كافية، فيما تبقى المكتسبات الاجتماعية والاقتصادية غائبة في صحبة سياسات نيوليبرالية اكثر تطرفا من الأنظمة السابقة، وكأن ثورات لم تقم .. وكأن غضبات شعبية لم تندلع. في الوقت نفسه، وإذا كان المرء يرفض استخدام الجيش في الحرب على الإرهاب، على اعتبار أن محاربة جيوش نظامية يختلف عن جماعات مسلحة متمردة، بما يحتاج ربما الى جيش جديد مدرب تدريبا متكاملا على تلك المهام، وعدم الزج بالجيش الوطني في هذه المهام، والاحتفاظ به كحائط صد استراتيجي اخير يحمي وجود الدولة وبقاءها، ورغم تلك الرؤية، فإن تلك النقطة بالذات متروكة لتقدير القيادة السياسية والعسكرية وخبراءها الاستراتيجيين لتتحمل مسؤوليتها كاملة في هذا السياق، فأهل مكة أدرى بشعابها. رغم ذلك تبقى علامة الاستفهام الكبرى في المشهد هي الموقف من (الصديق!) الأمريكي، فقد أراقت الإدارة السياسية ماء الوجه على مدار الأشهر الماضية في المطالبة بالدعم العسكري، في مقابل أذن صماء من ذلك الصديق المزعوم، ولا بأس من إعادة التذكير بأن الخروج بالبديل لم يعد من باب الرفاهية والمناورة، ولا طائلا أو بارقة امل ترجى من صديق بدرجة عدو، صنع الإرهاب وابتدع تكتيكاته وسانده في ميدانه، وبناه كحائط صد ميليشياوي في المنطقة لحماية الكيان الصهيوني، بحيث يصبح وجوده وبقاءه قضية امن قومي امريكي وان تعالت الشعارات المضللة، واذا كانت الفرضية المختلة (المخرفة) تفترض ان مصر طلت صواريخ دفاع جوي من امريكا للتصدي لطائرات الاحتلال الاسرائيلي خلال حرب الاستنزاف ، فكيف لنا اليوم أن نطلب طائرات الأباتشي لابادة صنائع وألاعيب أمريكا التي تحمي ذلك الكيان الغاصب، ولم تستهدفه بطلقة واحدة. إن الحرب على الإرهاب، وما يتكبده الجيش والشرطة من خسائر فادحة فيها، تحتاج لإعادة تعريف مصطلحات 3 وهي الأمن القومي والالتزام القومي والمصلحة القومية، وفي ضوء اعادة تعريف تلك المصطلحات يمكن معرفة الى أين ستتجه بنا تلك الحرب، وإلى أين ستقودنا نتائجها؟!!