احترفت جماعة الاخوان المناورات منذ تأسيسها وبرعت فى ارتداء الأقنعة وفى إخفاء حقيقة توجهاتها، ولقدم هذا النهج فى فكر الجماعة وأصالته لم يختلف خطابها كثيرا عندما صعدت إلى سدة الحكم، فى ظرف استثنائى من تاريخ البلاد، وقد يظن المرء أن ذلك نابع من البراجماتية السياسية، لكن القارئ الحصيف لأدبيات الإخوان سيتوقف كثيرا عند محطات مهمة فى تاريخها كان الكذب والالتفاف وتغير المواقف هو سمتها العام والمميز، فنجد حسن البنا يسعى للارتماء فى أحضان تيار سياسى ما ثم يستبدله بتيار آخر مختلف معه تماما فى التوجه والمعتقد، دون أن يدفع هذا التحول أعضاء التنظيم إلى التوقف وتأمل منهج مرشدهم؟! ولذلك يؤسس فكرالجماعة لطمس العقلية الاستقلالية لأعضائها وبناء شخصية منسحقة تابعة، ولهذا نشاهد كيف يرددون جميعا ذات الخطاب بل وبنفس المفردات، لقد استسلم أعضاء الجماعة للخطاب الفوقى للتنظيم وأصبحوا يعبدون الجماعة من دون الله، ولذلك لم أدهش عندما ردد أحد كوادر الجماعة الكبار مقولة "اللهم أمتنى على الإخوان" وأصبح الأمر وكأنما أوجدوا دينا موازيا للدين الإسلامى اسمه الإخوان المسلمون!! وأصبحت الجنة من وجهة نظرهم تتمحور حول الجماعة وما عداها رجس من عمل الشيطان. وعلى الرغم من الاختلاف الكبير- الذى يصل إلى حد الخلاف – بين الجماعة وبين غيرها من فصائل تيار اليمين المتطرف – خاصة الفصيل السلفى – إلا أن النزعة الانتهازية جعلت الإخوان يجتذبون إليهم أصحاب هذا التيار بعدما أسالوا لعابهم بالوعود وأعموا أعينهم بالمكتسبات التى سيحصلون عليها، ولذلك كان السواد الأعظم من قوة الإخوان على الأرض تتمثل فى كوادر تنتمى لمختلف فصائل التيار اليمينى المتطرف، وعادة ما كان يتم التضحية ببعض هؤلاء فى أداء تليفزيونى كى يتم التسويق لمظلومية مزعومة ولاضطهاد يتعرضون له، والأمر الباعث على الدهشة هو أن هذه الفصائل كانت صيدا سهلا للجماعة وكانت مسرحا خصبا للترويج لأكاذيبها ولبث قبحها وكراهيتها خاصة بعد 30 يونية 2013 حيث أسقط المصريون دولة المرشد وتمكنوا من القضاء على فاشيتهم، ولم تكن فصائل تيار اليمين المتطرف وحدها هى التى سقطت فى قبضة الجماعة لكن ثمة تجمعات سياسية مدنية تم التغرير بها وانطلى عليهم كذب الإخوان فانساقوا معهم فى غيهم وأصبحوا أبواقا لهم وللترويج لأكاذيبهم، والحق أن الأداء الحكومى الذى أعقب إسقاط دولة المرشد قد ساعد هؤلاء على الإساءة لمصر ولشعبها، فلقد أديرت البلاد بهشاشة وارتعاش، ومكن ضعف الإدارة هذه الفصائل من العبث بأمن المصريين وتهديد سلامتهم وإيهام العالم بأن الجماعة تمتلك قوة ما على الأرض السياسية المصرية، ولأن الجماعة لن تتوقف عن المناورات فالخطر الحقيقى يتمثل فى التكتلات الانتخابية التى يعد لها الآن، بقيادة حزب النور السلفى وغيره من أحزاب تيار اليمين المتطرف، سعيا للسيطرة على البرلمان القادم، وكأنما قدر علينا أن نحاط بلوبى فلولى يسعى للثأر من الثورة التى أسقطت دولة مبارك، ولوبى متطرف يسعى للثأر ممن أسقطوا دولة التطرف والإرهاب، ولهذا فالرهان على الشعب وعلى إرادته وتصميمه.