منذ تصدرت تيارات اليمين المتطرف المشهد السياسى المصرى عقب ثورة يناير 2011 وثمة صناعة رائجة على الساحة السياسية، ألا وهى صناعة الكذب، فبداية من السعى لخصخصة الثورة وصبغها بالصبغة الإيديولوجية الخاصة بهذا التيار أو ذلك، ومرورا بالتحالفات والصفقات ووصولا للجرائم التى ارتكبت فى حق المصريين، ونحن أمام ماكينة ضخمة لصناعة الوهم وتزييف الواقع ولى عنق الأحداث بما يتناسب مع أهداف ومصالح كل تيار، يتساوى فى ذلك الجميع ما بين ثورى وتقليدى وفلولى. وربما كان من حسن الطالع أن تمر ثورة يناير العظيمة بهذه الوهاد حتى يتبين الغث من الثمين على ساحة السياسة المصرية، لكننا – كعادتنا – لم نكمل الطريق حتى نهايته ولم نكن على مستوى الحالة الثورية والفوران الشعبى الهائل الذى اكتسح مصر عقب إسقاط مبارك، ومن هنا تسللت جماعات الشر بقيادة الاخوان الإرهابيون، وعق بعدة صفقات ومؤامرات استطاعوا الوصول لسدة الحكم، ولأنهم يمتلكون غباءغير محدود وبعدما أسكرتهم خمر السلطة ظنوا ألا فصيل سواهم فى مصر، فنصبوا المحاكمات ووزعوا اتهاماتهم على الجميع ولم يسلم منهم أحد، وفى المقابل كان فلول مبارك ومن ساءهم نجاح ثورة يناير يتربصون فى انتظار الفرصة السانحة للثأر ممن زلزلوا عرشهم وأذلوا دهاقنة نظامهم الفاسد المفسد المستبد. وتواتر مع ذلك أن الجيل الذى أشعل الثورة وكان وقودها قد أصبح مشتتا، وأغلقت كل مجموعة منهم على نفسها غير مدركة للتوازنات السياسية التى يفرضها العمل على الأرض، مما أسهم فى سهولة اختراقها والفت فى عضدها،وهذا أمر بديهى لجيل نشأ فى ظل نظام مجرم جفف منابع العمل السياسى وأقام كيانات كرتونية أسماها أحزاب سياسة تديرها شخصيات من صناعة النظام نفسه والكل يشارك فى هذا العمل التمثيلى لإيهامنا أن ثمة حياة سياسية فى مصر، ولهذا كان نظام مبارك واهيا كخيوط العنكبوت فلم يستطع المقاومة، وبعد مجموعة من الحيل الرخيصة تم خنق روح يناير وعزل التيارات الثورية الحقيقية وطفت على السطح تيارات رجعية عقيمة تتبنى خطابا ماضويا جامدا توقف عند قرون بعيدة مضت، وكأنما قد كرهوا الحياة وأرادوا أن نحيا فى سجن من العنف والكراهية وأن نظل أسرى لماض كان مغايرا تماما من حيث طرائق التفكير ومقومات الحياة ،وأمام افتضاح مسلك الجماعة الإرهابية التى قفزت على حكم مصر هب المصريون فى موجة ثورية ثانية كانت تتمة رائعة لثورة يناير ، وتمكنت مصر من إسقاط دولة المرشد والتخلص جزئيا من ماكينة الكذب العملاقة التى كانت تدار من المقطم. وكأنما هو قدر على المصريين ألا يسلموا من الكذب ومن يروجه، فعلى الرغم من النجاح الشعبى الساحق فى عزل اليمين المتطرف وتلقينه درسا بليغا فى المواطنة إلا أن ماكينات الكذب ازدادت نهما وشراسة، وأصبحنا الآن فى موقف شديد العبثية فأبواق الأخوان ومن لف لفهم لا تكف عن تصدير أكاذيبهافى سعى لتثبيت صورة ذهنية عامة مدلولها أنهم ضحايا أبرياء، فى الوقت الذى نتخاذل نحن عن إبراز جرائمهم المتعددة، وأيضا أبواق الفلول التى وجدتها فرصة سانحة للثأر من الثورة ولم تتوان فى توزيع الاتهامات بالخيانة والعمالة على الجميع ،ووسط ذلك كله يعيش المصريون ظرفا اقتصاديا شديد الصعوبة لأننا ببساطة لا نمتلك رؤية حقيقية واضحة للمستقبل كما لا نمتلك الرغبة الصادقة فى التغيير، والمقدمات الآن تنبئ بعواقب وخيمة ستتضح ملامحها عند بداية سباق الانتخابات البرلمانية القادمة، فالجميع يتربصون فى انتظار التهام قطعة من كعكة الوطن، ووحدهم من فجروا الثورة وآمنوا بها هم من سيدفعون الثمن ألما وغصة ومرارة إذا لم ينتبهوا، وأظنهم لن يفعلوا.