«جزيرة فاضل».. بقعة آلام فلسطينية على أرض مصرية، يقطنها الآلاف منذ هجرتهم عام 1948 من مدينة "بئر سبع" بفلسطين، لاجئين إلي أحضانها، ليقابلهم الرئيس جمال عبد الناصر والسادات بقرار معاملتهم ك"مصريين". يعيش بالجزيرة أكثر من 4000 آلاف لاجئ فلسطيني ولا يقطنها غيرهم، ويغلب عليهم الآمية والعمل الزراعي وبعض أعمال التجارة، فضلا عن عدم الاهتمام بالحالة الصحية والمعيشية وتعليم الأطفال. تعوم الجزيرة فوق بحيرة من الصرف الصحى، وترى الأطفال يلعبون وسط مياها الملوثة غير عابئين بالأمراض التي من الممكن أن تلحق بهم، وآخرون يلعبون بأكوام القمامة المنتشرة وتنقيتها لعلهم يأتون بشيء نافع لبيعه وكسب بعض الرزق. استغاثات الأهالي لا تنتهي منذ أعوام؛ بسبب عدم امتلاكهم أراضي وحقهم في التعليم والعلاج، ووثيقة السفر إلى فلسطين التي ارتفع سعر تجديدها من عشرين جنيها إلى ما يقارب المائتان، وبين كل هذا لا يحلمون سوى بالجنسية المصرية؛ أملا في علاج أطفالهم الذين يولدون بالأمراض التي لا يملكون جنيها واحدا لعلاجها. تحكي "رابحة" 45 عاما، أن لديها سبعة أبناء أصغرهم يعاني من السرطان؛ ونظرا لضعف الإمكانيات أو إنعدامها، فهي لا تستطيع أن تذهب به بانتظام إلى معهد الأورام أو حتى مستشفى 57357، فربما اكتفت بتشخيص المرض منذ عام بأكمله ثم بدأت تتخذ مع إجراءات صحية، مثل تغذيته على أنواع طعام بعينها وعزله عن إخوته، وتعتقد أنه بذلك سيُشفى بعد حين ولا تحتاج إلى إعطائه جرعات العلاج الكيماوي. وتضيف: "إحنا مستنين يعملوا مستشفى أو حتى مستوصف في القرية بدلا من السفر إلى القاهرة"، فأقصى ما تتفهمه أن السرطان يُعالج في المستوصفات أو المستشفيات العادية، وبعد محاولات إقناعها بضرورة التوجه إلى معهد الأورام حفاظا على حياة ابنها، أكدت أن نقص الأوراق الرسمية يعوق تعليم أطفال "جزيرة فاضل" كلهم، ولا يتمتعون بأي حقوق أخرى، فضلا عن عمل معظم أهالي القرية بجمع القمامة وهذا يسبب لهم الكثير من الأمراض الوبائية، كما يمنحهم مصدر دخل بسيط يكفي متطلباتهم من الأكل بالكاد. وأوضحت أنها فقدت إحدى بناتها بعد إصابتها بمرض صدري، ولكن الحياة تسير عندهم بمبدأ أن من يموت يأتي غيره، فلا وقت للعلاج ولا وقت للعويل على إهمال الدولة وتجاهلها لأكثر من 350 أسرة، مشيرة إلى أنهم ولدوا في مصر وتربوا على أرضها، ولكن يظل حُلم العودة إلى فلسطين هو الأمل الوحيد الذي يعيشون عليه، معتبرة أن "فلسطين جنة الله على الأرض". واستكمالا للمآسى والأوجاع، يظل الطفل "حمزة" تجسيدا لمآساة أخرى، حيث يحكي "حسين النامولي" والده، بأنه لا يفارق ابنه بسبب تعرضه لنوبات أو إغماءات في أي وقت، كما يخشى عليه من اللعب مع الأطفال؛ نظرا لمناعته الضعيفة بعد إصابته بمرض في الكبد وسرطان في العظم، وهو سنه لا يتجاوز السبع، ولكنه يحمل أوجاعا تأبى أن تُشفى بسبب ضيق الحال وقلة التوعية. واستطرد أن زواج الأقارب وتقاليد القرية، تسببت في وفاة أعداد كبيرة من الأطفال، فضلا عن إصابتهم بأمراض الدم والتشوهات، حيث تعتمد هذه القرية على الزواج من بعضها، فلا يجوز للشاب أو الفتاة أن يتزوجوا "غريبا" من أي قرية مجاورة، لافتا إلى أن هذه الموروثات كانت مع جدودهم الأولين الذين جاءوا من فلسطين على مصر، وقرروا أن ينغلقوا على أنفسهم وألا يتزوجوا إلا أبناء بعض؛ اعتقادا بأنه سيأتي يوما ويعودون إلى فلسطين، وبالتالي سيكون وجود شخص غريب بينهم سببا في مشكلة. أما "ياسر" الذي لم يكمل عامه الثاني، فمازال يخضع للكشف الطبي في بعض المستشفيات القريبة من القرية، ويؤكد التشخيص الأول أنه يعاني من أحد أمراض الدم، ونصح البعض "هنية" والدته بأن تزور طبيب متخصص في الأمراض الوراثية وأمراض الدم وعمل الفحوصات اللازمة، ولكنها لم تهتم – قهرا- وليس إهمالا؛ فهي لا تملك قوت يومها بعدما أنجبت طفلها عقب وفاة والده بشهرين، وهي التي تتولى الإنفاق على بيتها وتعمل وبناتها في جمع القمامة على أطراف مركز أبو كبير.