أسوار عالية وجدر من طين تحيط ب"جزيرة فاضل" الفلسطينية، التي تقع على بعد أمتار من مدينة أبو كبير بمحافظة الشرقية، مكان معزول تمامًا عن العالم، يعيش على أرضها فلسطينيون، دخلوا مصر عام 1948، بعد أن اغتصبت الأرض وهُجر ملايين الفلسطينيين من قراهم وأراضيهم عقب هزيمة الجيوش العربية في فلسطين. في ذلك الوقت لم تك هناك حدود بين مصر وفلسطين، قصدوا مصر لأنهم يعتبرونها "عامود خيمة الدول العربية"، والأم الحنون الحاضنة لجميع العرب، كما وصفها عمدة الفلسطينين. انتقل مصراوي ل"جزيرة فاضل"، القرية الفلسطينية على الأرض المصرية، رصدنا كيف يعيشون لكي نرصد كيف يعيشون وكيف يتعاملون مع من حولهم، الطريق إلى القرية ضيق ترابي بين أسوار تحيط بها تمنع توسعها وكذلك الطرقات داخلها بين بيوت طينية ونادرًا ما تجد بيت خرساني بني حديثا. يقول سليمان النامولي البالغ من العمر 95 عاما، وهو أحد اللاجئين الفلسطينيين الذين طردوا من بلادهم عام 1948، "وصلنا إلى الشرقية 40 فلسطيني قادمين من مدينة بئر سبع الفلسطينية بعد احتلالها وطرد أهلها، وقمنا بإقامة عدد صغير من العشش بالجزيرة، فنحن بدو نحب الانطلاق والأماكن الواسعة لتربية الإبل والأغنام والإتجار بها، ولما نزلنا الشرقية وجدنا طلبنا، مكان واسع بعيد عن المساكن، فسكناه وأسميناه "جزيرة فاضل"، فكان يتسع لنا قبل الزيادة السكانية، ولم نريد تملك مساحات أوسع أملا في العودة إلى بلادنا، وكان مطلبي الوحيد سرير للراحة بعد تعب تلك السنين". "نافلة حسين حسونة"، معمرة فلسطينية تبلغ من العمر 102 عام، كفيفة البصر، لكنها تتمتع ببصيرة تنير لها الطريق وتجعلها تطوف الجزيرة بالكامل دون الحاجة لمرافق. وعن ذكريات ما قبل هزيمة العرب سنة 1948، تقول الحاجة نافلة، "كانت الطيارات والنار فوق رؤوسنا، خرجنا من البيت خايفين ومن شدة الخوف والقلق أخدت ولدي الرضيع بين يدي وفررت". وأضافت "كان بيجيلنا معاش شهري من وزارة التضامن الاجتماعي، تم وقفه، وعايزة اقول للسيسي يرجعلي المعاش". الجزيرة تكاد تنطق بما فيها، بيوت طينية بسيطه جدًا، وأخرى بالطوب الأبيض، وأسر أبسط فقيرة لا تمتلك أبسط أساسيات المنزل، أطفال بدون تعليم، رغم صغر سنهم يعملون بمهن مختلفة، إلا أن عمدة الفلسطينيين، "فاضل عيد النامولي"، يحاول ألا يركز حديثه على تلك المظاهر، حاملًا على عاتقه عبء تطوير ذلك المكان بجهود ذاتية من القرية، دون تدخل أي من الأجهزة التنفيذية، خوفا من اجترار مشاعر الناس من أجل رفع المعاناة، فبرغم معاناة أهل القرية إلا أنه يقول "حال أهل القرية لا يختلف عن أية أسرة مصرية". ويضيف العمدة وهو يتأمل القرية من حوله، "بمساعدة الأهالي تم بناء مركز طبي لخدمة أهالي القرية، وإنشاء فصل محو أمية بدواره تطوع أحد أبناء القرية للتدريس للأطفال بالمجان، ولكنه وحده لا يكفي لإعادة تطوير ذلك المكان المفتقر للخدمات". متباهيًا بارتفاع ساكني القرية إلى 3500 شخص حتى الآن، يقول النامولي، "أصبحنا عزوة، الزوجات ينجبن كثيرًا، وجميع شباب القرية يمتهنون المهن الموسمية، كالعمل بالأراضي الزراعية، وجمع المحاصيل كالموالح، ومنهم من يعمل بالحرف المهنية، والجزء الآخر في جمع القمامة، ونعمل على حل مشكلاتنا اليومية والحياتية بالطرق العرفية والودية بالديوان، حيث يوجد مجلس عرفي مكون من 7 أفراد منصهرين تماما مع المجتمع المصري، على المستوي الشعبي والرسمي مع الاحتفاظ بالعادات والتقاليد". وطالب العمدة، أجهزة الدولة، بتسهيل إجراءات دخول أبناء القرية المدارس المصرية، بشهادة الميلاد أسوة بالمصريين، "وذلك لأنهم ولدوا داخل البلاد وحصلوا على شهادة ميلاد رسمية، فلماذا يتم معاملتهم كوافدين؟". وتابع "مش عارفين نسافر نشتغل في أي مكان بره مصر، ومش مسموح لنا نسافر غير للحج والعمرة، أطالب السلطات المصرية بتصحيح أوضاعنا القانونية حتى نتمكن من السفر للعمل بالخارج، لأن الوثيقة المصرية للاجئين لا تمنحنا هذا الحق". "الأهالي شايفين إن الخمسين جنيه اللي الطفل بيجيبها أحسن من التعليم"، يقول جابر سالم، أحد أبناء القرية وهو متزوج ولديه من الأبناء 16 ولدًا وبنت، "نسبة التعليم لا تتجاوز 10 % والأطفال تتسرب من التعليم، تلبية لرغبة أهاليهم للعمل والمساهمة في مصاريف البيت، والأهالي شايفين لما الطفل يجيب 50 جنيه في اليوم أفيد من التعليم، كما أن السلطات المصرية تعاملنا على إننا أجانب ولا تيسر لهم إجراءات الالتحاق بالمدارس، وأقرب مدرسة للقرية في مدينة أبو كبير التي تبعد عن الجزيرة أكثر من 3 كيلومترات، ففي أفضل الأحوال ينهي الطفل تعليمه الابتدائي ويخرج من التعليم لعدم قدرة ذويه على تحمل تكاليف التعليم". الأمر الملفت للنظر، خلال جولة مصراوي داخل القرية، وجود عدد كبير من الأطفال الصم والبكم وذوي الاحتياجات الخاصة، الأمر الذي أرجعه أحد الأهالي إلى أن انتشار الجهل بالقرية أدى إلى زيادة نسبة زواج الأقارب، ونتج عنه ولادة أطفال مرضى وأصحاب إعاقة ذهنية وحركية، مضيفًا أن الأوضاع الصحية في غاية السوء خاصة بين الاطفال نظرًا لطبيعة عملهم في جمع القمامة وحرقها وإعادة تدويرها" أطفال القرية وجوههم جميلة بريئة، وابتساماتهم أجمل، إلا أن شقاء مظهرهم والإعياء الظاهر على وجوههم وأجسادهم النحيلة يبدو كشروخ في مبنى ظاهره جميل وباطنه مشوه، يسيرون في طرقات القرية يلهون بين تلال النفايات، يأكل أجسادهم المرض كنخر السوس في العظم، أطفال "جزيرة فحاضل" الفلسطينيين لا يعيشوا وحدهم نفس الظروف، فهناك عدد من القرى المشابهة للجزيرة، لكن لا يوجد إحصاء رسمي مصري أو فلسطيني أو لأي من المؤسسات المعنية بحقوق اللاجئين، لأعدادهم في مصر أو أماكن تجمعاتهم.