بين الاتفاق والمماطلة يترنح الوضع في جنوب السودان من سئ لأسوأ ، خاصة مع هذا المشهد الضبابي والغير شفاف من جانب الحكومة بقيادة الرئيس "سلفاكير ميارديت" والمعارضة بزعامة "رياك مشار"، حيث ما زال الوضع الأمني والإنساني في جنوب السودان ينبئ باستمرار حالة الفوضى والتدهور في البلاد الغنية بالنفط، بسبب تلك الأزمة الآخذة في التفاقم منذ نشوب الحرب الأهلية بين الرئيس "سلفاكير" ونائبه السابق "رياك مشار". وتعتبر تلك التشابكات في جنوب السودان التي ظهرت من خلالها "الأطماع الشخصية" المدفوعة بقوى قبلية، فهذا "سلفاكير" كان يحارب مع زعيم "الحركة الشعبية لتحرير السودان" جون قرنق، ثم ما لبثت أن دارت حرب داخلية عنيفة سال فيها دم جنوبي غزير، بينما رياك مشار ذهب إلى التصالح مع حكومة البشير نتيجة نزاعه مع قرنق، ثم تراجع عن ذلك. كما أن الفئات المتعلمة في جنوب السودان تنظر إلى أن سلفاكير بوصفه الذراع اليمنى لقرنق- ليس الوجه الأمثل لكي يمثل بلادهم. وبشأن إنذار المجتمع الدولي للفريقين المتصارعين بقيادة سلفاكير ورياك مشار للوصول إلى حل سياسي، فإن الفريقين وعدا بأنهما سيشكلان حكومة انتقالية، وكان هناك جدول زمني لذلك، لكنهما لم يفيا بالوعد، بينما تتحدث التقارير مؤخرا عن ضلوع دول أفريقية في تدفق أسلحة بعشرات ملايين الدولارات إلى جنوب السودان. ومنذ 23 يناير الماضي و ترعى دول إيقاد (الهيئة الحكومية لتنمية شرق إفريقيا)، برئاسة وزير الخارجية الإثيوبي السابق، وسفيرها الحالي في الصين سيوم مسفن، مفاوضات في العاصمة الإثيوبية بين حكومة جنوب السودان والمعارضة لحل تلك الأزمة. وفي التاسع من مايوالماضي، وقّع سلفاكير، ومشار، برعاية رئيس الوزراء الإثيوبي هيلي مريام ديسالين، اتفاق سلام شامل لإنهاء الحرب في جنوب السودان، قضي بوقف إطلاق النار خلال 24 ساعة، ونشر قوات دولية للتحقق من وقف العدائيات، وإفساح المجال للمساعدات الإنسانية للمتضررين، والتعاون بدون شروط مع الأممالمتحدة والوكالات الإنسانية، إلا أن الاتفاق لم يدم طويلا حيث بدأ الطرفان تبادل الاتهامات بخرقه. وفي العاشر من يونيو الماضي عقدت دول إيقاد، قمة في أديس أبابا اتفقت خلالها على خارطة طريق لإنهاء الأزمة، من أبرز بنودها تشكيل حكومة انتقالية في فترة لا تتجاوز 60 يوما، وهو ما لم يتحقق حتى الآن، وبرغم ذلك لم تيأس إيقاد من الوصول لحل لتلك الأزمة التي أودت بحياة الآلاف وشردت آخرين ما بين جوعى وجرحى ومرضى ولاجئين، ونجحت بالفعل في استئناف المفاوضات أواخر يوليو الماضي، في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وذلك بعد توقف دام لأكثر من شهر، وانطلقت يم الجمعة 8/8/2014 المفاوضات المباشرة بين أصحاب المصلحة في جنوب السودان، وللمرة الأولى وجها لوجه يتقابل سلفاكير ومشار، منذ استئناف المفاوضات. وتظل المخاوف تلك المرة أيضا من خرق الاتفاق، ولكن زعيم المتمردين رياك مشار، أكد التمسك باتفاق السلام الذي وقعه في أغسطس 2014مع الرئيس سلفاكير ميارديت، موضحا أن هذا الاتفاق يحتاج إلى ضمانات، وربما تكون كلمة ضمانات تلك هي الذريعة فيما بعد لنقض الاتفاق مرة أخرى، وهذا ما حدث بالفعل حيث أن المفاوضات تم تأجيلها إلى 13 سبتمبر الجاري، واعتبر أن قرار تأجيل المفاوضات لا يخل بما قررته قمة إيقاد الأخيرة بضرورة تنفيذ اتفاق وقف العدائيات الموقع في 23 يناير الماضي بين الجانبين خلال 45 يوما. ويأتي هذا التأجيل بعد قمة "إيقاد" الأخيرة التي انعقدت يومي الأحد والاثنين من الأسبوع الماضي لبحث أزمة جنوب السودان، وكان من أبرز ما خرجت به القمة توقيع طرفي الصراع (الحكومة والمعارضة) على اتفاق "المصفوفة الأمنية"، وهو بمثابة خارطة طريق لحل الأزمة بوقف العداء وإطلاق النار بين الجانببن.