هل يمكن أن يعيش مجتمع متكامل بانفصال كامل عن مجتمعه الأكبر في عاداته وتقاليده وموروثه وقيمه ؟ يبدو أنه يحدث .. أكثر من شاهد مسلسل " سجن النسا " للمخرجة المبدعة كاملة أبوذكري ،عن نص الكاتبة الراحلة فتحية العسال ، فاجأه مسمى " الهنجرانية " وأذهله هذا المجتمع الغريب الذي ألقي العمل عليه الضوء وعلى أسلوب حياته وسماته الاجتماعية ، من خلال عرض أسرة هنجرانية ومتابعتنا لنمط حياتهم وأفكارهم عند الزواج والولادة وحتى دخول نساء هذه الأسرة السجن وحوارهم في مواساة رجالهم والوعد بتعويضهم هذه الخسارة بعد الخروج من السجن، و أدت الممثلات عى وجه الخصوص خاصة " سمر النجيلي وشيماء سيف" دور الهنجريات بشكل مقنع واقعي لتكتمل الصدمة التي أحدثها المسلسل لوجود مجتمع يذوب في زحامنا لكنه منسلخ عنا تماما ،مجتمع تنقلب فيه الأدوار بين الرجل والمرأة ، مجتمع يكفهر بولادة الذكور ويبتهج بالإناث ،مجتمع يحترف السرقة بشكل أبدي متوارث مهما أوتي من مال ، فمن هم الهنجرانية ؟ هم في الحقيقة قبائل لها عالمها السري الغامض تنتشر في عدة بلاد وترجع أصولهم إلى الهند ،ووراء توزعهم في الكثير من البلاد ومجيئهم إلى مصر قصة تبدأ من القرن الخامس الميلادي حين تولى السلطان " بهرام شاه " عرش إيران في ذلك الوقت فأراد إسعاد فقراء شعبه والترفيه عنهم بعد عملهم ، فطلب من والد زوجته في الهند إرسال اثني عشر ألف موسيقي للترفيه عن الفقراء، فجاءوا وأقسموا أن يسعدوا الفقراء فوزع على كل منهم أرضا زراعية وثورا وحمارا وحبوب زراعة فأكلوا كل ذلك عدا الحمار فلم يبق غيره وآلاتهم الموسيقية ، فغضب السلطان ونفاهم عن بلاده فتوزعوا في عدة البلاد كل ذهب إلى مكان حتى وصل جزء منهم لمصر منذ حوالي قرنين ، و لديهم اعتقاد بأنهم نسل قابيل ابن آدم الذين حكم عليهم بالترحال استجابة لدعوة آدم . هذه القبائل احترفت التجارة في البداية حتى اكتسبت خبرة في تمييز الغني والفقير ثم اختاروا السرقة كحل أسهل وأكثر راحة وظلوا كذلك يحترفونها ويتوارثونها حتى اليوم ، وفي مجتمع الهنجرانية تعتبر السرقة العمل الرئيسي، وتقوم به الإناث فقط ببعض مساعدة من الرجال أحيانا ،وبالتالي فهي عائل الأسرة وزعيمة القبيلة لذا يفرحون بإنجاب الأنثى و يقومون بإعدادها لمهمتها منذ صغرها بينما يقوم الرجال برعاية الأبناء، فعمل الرجال يعتبر عيبا وعارا في مجتمعهم، أما السرقة فشرف يقدر مهر المرأة عى أساس مهارتها فيه ، هم كذلك جماعة منغلقة لا يتزوجون إلا منهم ، لهم قانونهم الخاص والذي قد يعرض من ترفض السرقة للقتل، و يلزمهم بالسرية وعدم الاعتداء على منطقة الآخر في السرقة ، أما أماكن معيشتهم فعادة ما يعيشون في أطراف البلاد مثل مناطق البساتين والمطرية والإمام الشافعي ودار السلام لكنهم ينتشرون في أماكن الزحام لتسهل السرقة فيها كما أنهم يتكلمون لغة غريبة خاصة بهم لا يفهما غيرهم ولهم طقوسهم الخاصة في مناسباتهم ، ولا يزال عالم الهنجرانية يتسع لمزيد من الاستكشاف والمعرفة وأيضا الدراسة .