هى امرأة مختلفة شكلا ومضمونا، بمجرد أن تلمح عينيها الزائغتين تشعر أن وراءها قصة طويلة، هى امرأة تغطى وجهها.. ليس تدينا ولكن وفقا لتقاليد القبيلة التى تنتمى إليها. اسمها «عنابة بنت غزالة»، ولدت لأسرة هنجرانية تحترف النشل. يوم ولدت عنابة أقامت الأسرة فرحا كبيرا، فما أسعد قبائل الهنجرانية عندما تنجب إناثا، فالإناث هن مصدر الرزق، أما الذكور فيقتصر دورهم على المراقبة. الفرحة نفسها تكررت مع «عنابة» عندما أنجبت بنتا، وقتها أقام زوجها الأفراح والليالى الملاح. مأساة عنابة لم تبدأ عندما وعت على الدنيا لتجد نفسها «نشالة»، فعبارات الإشادة التى كانت تقابَل بها وهى عائدة من «سرقة كبيرة» كانت تغنيها عن الإحساس بتأنيب الضمير، لكن المأساة بدأت منذ عرفت أن السرقة حرام، وليست حلالا مثلما ربوها وهى صغيرة. ذات يوم ذهبت «عنابة» إلى السعودية، لا لتؤدى عمرة بل لتسرق المعتمرين. وقفت بينهم ترتدى نفس ملابسهم، تسرق وتخفى ما سرقته فى جلبابها الأبيض، وفى نفسها شعور بتأنيب ضمير لم تشعر به من قبل، قذفها الزحام بعيدا، اقتربت أكثر من الكعبة، دفعة أخرى جعلتها تلمس كسوتها فشعرت بهزة فى نفسها، ومن هنا بدأ مسار حياتها يتغير: «الزحمة لما حدفتنى جنب الكعبة ولمست ستائرها حسيت ان دى رسالة من ربنا.. ومن يومها ماعرفتش أسرق تانى». عادت عنابة إلى زوجها، صارحته برغبتها فى التوبة، كتم أنفاسها حتى كادت تختنق: «حسيت انى هموت وشعرت بالخوف لما قالى الأسد مش هيسيبك.. ده ممكن يقتلك». والأسد، كما توضح، هو زعيم قبيلتها الذى يسكن فى أحد أحياء المطرية. خافت «عنابة» لكنها لم تتراجع، والنتيجة «هجت» بابنتها وتتنقل حاليا من مكان إلى آخر حتى لا يعرف أحد طريقها: «كنت بحلم ان بنتى متبقاش زيى، أنا من صغرى اتربيت على إن السرقة حلال والدعارة وتجارة المخدارت هما اللى حرام». «عنابة» كان مهرها 150 ألف جنيه لأنها كانت ماهرة فى النشل «تسرق الكحل م العين»، تعلمت النشل منذ كان عمرها 10 سنوات، بدأت بسرقة الغسيل ثم تدرجت حتى أصبحت تسرق كل شىء. حكاية تمرد «عنابة» وهروبها صارت حديث القبيلة كلها، هذا التمرد بدأته بزيارة مسجد «السيدة نفيسة» أثناء المولد، دخلت المسجد وتحدثت مع الإمام فنصحها بالتوبة.. ومن وقتها لم تسرق لكنها تعيش فى ضياع.