كشفت المواجهة الضارية التي تدور بين فصائل المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال الصهيوني ثبات توازن الردع الذي أحكمت بناءه منظومة المقاومة في المنطقة وهي أكدت ثبات سوريا في موقعها المحوري داخل هذه المنظومة الاستراتيجية على الرغم من تصديها المتواصل لحرب عالمية شاملة تستهدفها منذ أكثر من ثلاث سنوات. أولاً: أصيبت الدوائر القيادية الصهيونية بذهول مع تأكيدها ان الصواريخ التي أطلقها المقاومون على العمق الصهيوني سورية وإيرانية الصنع وبينها صواريخ سورية منتجة ومطورة حديثا تمتاز بمداها الأبعد وبدقة إصاباتها قياسا لأجيال الصواريخ التي استخدمها المقاومون في مواجهات سابقة وهذا ما يعني ان خطوط التصنيع السورية لسلاح الصواريخ مستمرة في العمل وأن شبكات نقل السلاح إلى غزة التي أقامتها منظومة المقاومة مستمرة وسليمة على الرغم من نشاط الحلف الأميركي الصهيوني الخليجي المكثف لمنع تسرب السلاح إلى القطاع عبر طرق التهريب البرية والبحرية وعلى الرغم من تداعيات تورط قيادة حماس السياسية في الحرب على سوريا وفي استنزاف مصر إلى جانب تنظيم الإخوان المسلمين في البلدين حيث يتضح وبالوقائع أن منظومة المقاومة استطاعت الفصل بين دعمها لكتائب المقاومة والجناح العسكري لحماس من ضمنها وبين الاختلاف مع قيادة حماس وتورطها السياسي والعملي في مؤامرة الحلف الأميركي السعودي التركي القطري على الدولة الوطنية السورية وهي لم تكرس خروجها النهائي منه بإعلان سياسي واضح رغم بعض التصريحات والبيانات المتلعثمة عن تقدير دور الرئيس بشار الأسد في احتضان المقاومة كما لم تمارس النقد الذاتي الصريح على تورطها في أعمال استهدفت منظومة المقاومة ونواتها الصلبة المتمثلة بقيادتي سورية وحزب الله وقد باتت قيادة حماس السياسية اليوم محكومة بتوازن داخلي لصالح جناح الحركة العسكري الذي يتعزز دوره ونفوذه في ظروف التصدي للعدوان الصهيوني. ثانياًَ: أثبتت المعارك الدائرة بين المقاومة وكيان العدو ان منظومة المقاومة حصنت معادلة الردع ضد الكيان الصهيوني بدعمها لسائر فصائل المقاومة الفلسطينية التي عظمت قدراتها وخبراتها وخصوصا حركة الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ولجان المقاومة الشعبية التي حضرت في الميدان إلى جانب كتائب القسام ودورها النشط في التصدي للعدو الذي خسر رهانه على تعديل التوازنات الاستراتيجية في المنطقة وعلى تقويض الصمود الفلسطيني انطلاقا من الاستنزاف الذي يخوضه الحلف المعادي ضد سورية ودورها المحوري بواسطة عصابات التكفير الإرهابي. إن تجدد الانتفاضة وحيوية المقاومة الرادعة يؤكدان مجددا ان إسرائيل والولاياتالمتحدة فشلتا استراتيجيا في ضمان حماية إسرائيل عبر استنزاف سورية والمقاومة اللبنانية وهذا الرهان شكل محور ما روج له خبراء وباحثون اميركيون هللوا لنتائج ما سمي بالربيع العربي وتأثيراته على توازن القوى في الصراع العربي الصهيوني وحيث يمثل الصمود السوري القاعدة الصلبة لثبات التوازن الاستراتيجي الجديد الذي صنعته ملاحم المقاومة والصمود التي أفشلت حروب إسرائيل الثلاث ضد لبنانوغزة خلال السنوات الماضية فالدرس الكبير لما يجري في غزة هو ان المعادلة القاهرة لم تتزحزح وأن صمود سورية اطبق على خناق إسرائيل بفشلها الاستراتيجي وعجزها امام توازن الردع المقاوم ومحوره القوة المكونة من سورية وحزب الله. ثالثاَ: التلويح الصهيوني باجتياح بري للقطاع لن يقود سوى لتوسيع المأزق الناتج عن تأكيد ميزان القوى فهو سيضع جيش الاحتلال أمام اختبار المعارك الالتحامية بالمقاومة التي تعززت قدراتها الصاروخية المضادة للدبابات كما برهنت اختبارات القوة السابقة ولدى فصائل المقاومة مفاجآت جديدة كما تفيد التقارير الواردة من غزة كما ان من شان معارك الالتحام ان تؤجج انتفاضة الضفة والداخل الفلسطيني ضد الاحتلال وإذا كان الرهان الأميركي القطري التركي ينصب على استخدام البحث في صيغ التهدئة والاحتواء لدفع قيادة حماس السياسية في طريق التفاوض مع إسرائيل فإن هذه القيادة ستكون إذا تجاوبت في مجابهة مع حقائق الأرض في الضفة والقطاع حيث رسخ الجناح المقاوم من هيبته ونفوذه وحيث تتجذر الفصائل المقاومة الوطنية التي تتصدر المجابهة مع العدو بينما مسار التفاوض الذي تخوضه السلطة الفلسطينية لن يقدم شيئا للشعب الفلسطيني وستبدو قيادة حماس السياسية في هذه الحالة وقد باتت ملحقا بقيادة منظمة التحرير التي أقاما نفوذها على معارضة نهجها منذ اوسلو وبالتالي ستغدو فاقدة للمشروعية في نظر جمهورها وقواعدها ومقاومي الحركة الذين يقدمون الشهداء في مجابهة العدوان ويسألون زعماءهم عن مواقف شركائهم في الحرب على سورية أي حكومتي تركيا وقطر وقيادة تنظيم الأخوان الذين أصابهم الخرس جميعا واكتفوا ببيانات تافهه لا تغني ولا تسمن ويقينا يميز المقاتلون بين من يقدم لهم الصواريخ في أسوأ الظروف متعاليا على الجراح وبين من يهديهم الكلام المعسول المنافق ويعرف المقاومون ان صمود سورية وحزب الله في السنوات الأخيرة هو الذي يعزز معادلات الردع التي تصوغها سواعدهم في الميدان. المأزق الإسرائيلي الاستراتيجي الذي أورثته حرب تموز عام 2006 وجددته حربا غزة التاليتين يتجدد اليوم في المواجهة الراهنة ويتضح لمن يفهم ان منظومة المقاومة استطاعت تكريس قواعد حركيتها رغم الإعصار الذي قادته الولاياتالمتحدة وحلفاؤها واستهدفت به سورية ودورها المحوري الذي يتأكد اليوم أمام العالم بأسره بوصفها طليعة التصدي لخطر الإرهاب التكفيري وكما هي قلب منظومة المقاومة التي فرضت قواعد الردع في الصراع مع الكيان الصهيوني.