"اصحي يا نايم وحد الدايم.. وقول نويت بكرة إن حييت.. الشهر صايم والفجر قايم ورمضان كريم" بهذه الكلمات يشدو "المسحراتي" في كل ليلة من ليالي شهر رمضان؛ لكي يوقظ النيام من سباتهم ويذكرهم بمواعيد السحور وصلاة القيام، وشخصية "المسحراتي" أقرب إلى الفنان الذي يؤدي دور البطولة على خشبة المسرح، مدة ظهوره هي 30 يومًا فقط في ليل رمضان، أما باقي الأبطال فهم" الطبلة والعصا وصوت جهوري ينادي ويتغنى". فشهر رمضان مليء بالكثير من العادات والتقاليد والمناسبات، ولكن المسحراتي يبقى أهم شخصيات هذا الشهر الفضيل، فهو الشخص الذي يطوف الأحياء قبيل أذان الفجر وهو يردد عبارات مثل "اصحى يا نايم.. وحّد الدائم"، أو "السحور يا عباد الله"، و"يا نايم اذكر الله.. يا نايم وحّد الله"، كما يردد أحياناً المدائح النبوية. ولطبلته صوت مميز يدركه الإنسان عن بعد؛ لأن العصا المستخدمة هي خاصة بها أيضًا، وعادة ما يتوارث أولاده مهنته عنه، تلك المهنة التي تقتصر على شهر رمضان فقط. تعددت الطرق والأساليب لإيقاظ النائمين على السحور، وفي عهد الرسول كان الناس يعرفون وقت السحور بأذان بلال، ويعرفون المنع بأذان ابن أم مكتوم، وعلى مر العصور ومع اتساع رقعة الدولة الإسلامية بدأ المسلمون يتفننون في أساليب التسحير، وظهرت وظيفة المسحراتي في الدولة الإسلامية في العصر العباسي. ويعتبر والي مصر إسحاق بن عقبة أول من طاف شوارع القاهرة ليلاً في رمضان لإيقاظ أهلها لتناول طعام السحور عام (238ه)، وفى العصر الفاطمي أمر الحاكم بأمر الله الفاطمي الناس أن يناموا مبكرين بعد صلاة التراويح، وكان الجنود يمرون على المنازل، ويدقون أبوابها؛ ليوقظوا الشعب للسحور، وبعد ذلك عين أولو الأمر رجلاً للقيام بمهمة المسحراتي، والذي كانت مهمته المنادة "يا أهل الله قوموا تسحروا"، وكان يدق أبواب المنازل بعصا يحملها. وفي عصر المماليك ظهر "ابن نقطة" شيخ طائفة المسحراتية والمسحراتي الخاص بالسلطان الناصر محمد، وهو مخترع فن القومة، وهي من أشكال التسابيح، ثم انتشرت بعد ذلك مهنة المسحراتي بالطبلة التي كان يُدق عليها دقات منتظمة بدلاً من استخدام العصا. هذه الطبلة كانت تسمى "بازة" وهي صغيرة الحجم يدق عليها المسحراتي دقات منتظمة، ثم تطورت مظاهر المهنة، فاستعان المسحراتي بالطبلة الكبيرة التي يدق عليها أثناء تجواله بالأحياء وهو يشدو بأشعار شعبية وزجل خاص بهذه المناسبة. يسير المسحراتي في الأحياء الراقية وهو يحمل ميكروفونًا صغيرًا يكتفي فيه بترديد أسماء الأطفال. أما فى مجتمع القرية فنجد أن المسحراتى كان يحمل على عاتقه التنبيه بالإفطار والسحور، فنجده كان يعتمد على ساعة الجيب ودفتر صغير لتقويم الوقت فلكيًّا يسمى "تقويم البازيدي"، والذي يحتفظ به العديد من أهل القرى، ففيه مواعيد الزراعة ومقاومة الدودة والآفات وبه نصائح زراعية وطبية ووصفات بلدية عديدة للشفاء من أمراض كثيرة، وفوق ذلك تقويم الشهور بأنواعها: القبطية والفرعونية والعربية والإفرنجية، ومواقيت الصلاة، ومواعيد السحور وهكذا. واختلقت كذلك أجرة المسحراتى على مر العقود، ففى منتصف القرن 19 كانت الأجرة مرتبطة بالطبقة التى ينتمى إليها المتسحر، فمثلاً كان الشخص متوسط الطبقة عادة ما يعطى المسحر قرشين أو ثلاثة قروش أو أربعة فى العيد الصغير، ويعطيه البعض الآخر مبلغاً زهيدًا كل ليلة. وكثيراً ما يعمد نساء الطبقة المتوسطة إلى وضع نقد صغير (خمسة فضة، أو من خمسة فضة إلى قرش، أو أكثر) فى ورقة، ويقذفن بها من النافذة إلى المسحراتي، بعد أن يشعلن الورقة ليرى المسحراتى مكان سقوطها، فيقرأ الفاتحة بناء على طلبهن أحياناً، أو من تلقاء نفسه، ويدعو ببعض الأدعية، ويروى لهن قصة قصيرة للتسلية، مثل قصة "الضرتين"، وهى مشاجرة امرأتين متزوجتين رجلاً واحداً. كان المسحراتى لا يتوقف عادة عند منازل الأسر الفقيرة وفى الريف المصرى إبان القرن الماضى، ولم يكن للمسحراتى أجر معلوم أو ثابت، غير ما يأخذه صباح يوم العيد، وعادة ما يكون حبوبًا ، فيأخذ قدحاً أو نصف كيلة من الحبوب، سواء ذرة أو قمح، ومع معرفة الكهرباء واستخدامها، اختفى المسحراتى من حياتنا، حيث يسهر الناس فى ليالى رمضان على المقاهى أو أمام التلفاز حتى وقت متأخر من الليل او حتى الفجر. وشغف الرحالة والمستشرقون بهذه المهنة، وكتبوا عنها فى كتبهم، مثل: الرحالة المغربي "ابن الحاج" الذي جاء إلى مصر في العصر المملوكي في عهد الناصر محمد بن قلاوون، وتحدث عن عادات المصريين وجمعها في كتاب، والمستشرق الإنجليزي "إدوارد لين" الذي حكى لنا عن المسحراتى فى كتابه" المصريون المحدثون.. شمائلهم وعاداتهم"، فيقول: "يبدأ المسحراتي جولاته عادة بعد منتصف الليل، ممسكًا بشماله بطبلة صغيرة وبيمينه عصا صغيرة أو قطعة من جلد غليظ، وبصحبته غلام صغير يحمل مصباحًا أو قنديلاً يضيء له الطريق، ويأخذ المسحراتي في الضرب على الطبلة ثلاثًا، ثم ينشد، يسمى فيه صاحب البيت وأفراد أسرته فردًا فردًا – ما عدا النساء – إذا كانت بالمنزل فتاة صغيرة لم تتزوج، فيقول: أسعد الله لياليك يا ست العرايس، ويردد أيضًا أثناء تجواله على إيقاع الطبلة كثيرًا من القصص والمعجزات والبطولات عن الرسول وأبو زيد الهلالي وغيره".