لجنة بالشيوخ تفتح اليوم ملف مشكلات الإسكان الاجتماعي والمتوسط    بعد تهديد بريطاني، أنجولا وناميبيا توافقان على عودة المهاجرين    قرار جديد من النيابة ضد شخص استولى على أموال المواطنين ببطاقات الدفع الإلكتروني    عمر فاروق الفيشاوي عن أنفعال شقيقه أثناء العزاء: تطفل بسبب التريندات والكل عاوز اللقطة    أسبوع حافل بالإنجازات| السياحة والآثار تواصل تعزيز الحضور المصري عالميًا    انتخابات النواب| محافظ أسيوط: انتهاء اليوم الأول من جولة الإعادة بالدائرة الثالثة    فيديو جراف| تسعة أفلام صنعت «فيلسوف السينما».. وداعًا «داود عبد السيد»    محمد معيط: الدعم في الموازنة 16 %.. ووصول خدمة الدين 49% يقلقني ويقلق المواطن أكثر من العجز    «الداخلية» تكشف مفاجأة مدوية بشأن الادعاء باختطاف «أفريقي»    عضو بالأرصاد: توقعات بأمطار متوسطة على السواحل الشمالية الشرقية اليوم    أمم إفريقيا - لوكمان: تونس لا تستحق ركلة الجزاء.. ومساهماتي بفضل الفريق    يوفنتوس يقترب خطوة من قمة الدوري الإيطالي بثنائية ضد بيزا    ما بين طموح الفرعون ورغبة العميد، موقف محمد صلاح من مباراة منتخب مصر أمام أنجولا    واتكينز بعدما سجل ثنائية في تشيلسي: لم ألعب بأفضل شكل    هل فرط جمال عبد الناصر في السودان؟.. عبد الحليم قنديل يُجيب    لافروف: أوروبا تستعد بشكل علني للحرب مع روسيا    نوفوستي تفيد بتأخير أكثر من 270 رحلة جوية في مطاري فنوكوفو وشيريميتيفو بموسكو    ناقد رياضي: الروح القتالية سر فوز مصر على جنوب أفريقيا    أحمد سامى: كان هيجيلى القلب لو استمريت فى تدريب الاتحاد    لافروف: نظام زيلينسكي لا يبدي أي استعداد لمفاوضات بناءة    الدفاع العراقية: 6 طائرات جديدة فرنسية الصنع ستصل قريبا لتعزيز القوة الجوية    تفاصيل إصابة محمد على بن رمضان فى مباراة تونس ونيجيريا    حادثان متتاليان بالجيزة والصحراوي.. مصرع شخص وإصابة 7 آخرين وتعطّل مؤقت للحركة المرورية    2025 عام السقوط الكبير.. كيف تفككت "إمبراطورية الظل" للإخوان المسلمين؟    داليا عبد الرحيم تهنيء الزميل روبير الفارس لحصوله علي جائزة التفوق الصحفي فرع الصحافة الثقافية    نيلي كريم تكشف لأول مرة عن دورها في «جنازة ولا جوازة»    مها الصغير تتصدر التريند بعد حكم حبسها شهرًا وتغريمها 10 آلاف جنيهًا    آسر ياسين ودينا الشربيني على موعد مع مفاجآت رمضان في "اتنين غيرنا"    «زاهي حواس» يحسم الجدل حول وجود «وادي الملوك الثاني»    بعد القلب، اكتشاف مذهل لتأثير القهوة والشاي على الجهاز التنفسي    إيداع أسباب طعن هدير عبدالرازق في قضية التعدي على القيم الأسرية    محمد معيط: المواطن سيشعر بفروق حقيقية في دخله عندما يصل التضخم ل 5% وتزيد الأجور 13%    خبير اقتصادي يكشف توقعاته لأسعار الدولار والذهب والفائدة في 2026    عمرو أديب يتحدث عن حياته الشخصية بعد انفصاله عن لميس ويسأل خبيرة تاروت: أنا معمولي سحر ولا لأ (فيديو)    حمو بيكا خارج محبسه.. أول صور بعد الإفراج عنه ونهاية أزمة السلاح الأبيض    كيف يؤثر التمر على الهضم والسكر ؟    وزير الصحة يكرم مسئولة الملف الصحي ب"فيتو" خلال احتفالية يوم الوفاء بأبطال الصحة    محافظ قنا يوقف تنفيذ قرار إزالة ويُحيل المتورطين للنيابة الإدارية    رابطة تجار السيارات عن إغلاق معارض بمدينة نصر: رئيس الحي خد دور البطولة وشمّع المرخص وغير المرخص    سيف زاهر: هناك عقوبات مالية كبيرة على لاعبى الأهلى عقب توديع كأس مصر    طه إسماعيل: هناك لاعبون انتهت صلاحيتهم فى الأهلى وعفا عليهم الزمن    اليوم.. أولى جلسات محاكمة المتهم في واقعة أطفال اللبيني    نجوم الفن ينعون المخرج داوود عبد السيد بكلمات مؤثرة    الإفتاء توضح حكم التعويض عند الخطأ الطبي    أخبار × 24 ساعة.. التموين: تخفيض زمن أداء الخدمة بالمكاتب بعد التحول الرقمى    سوريا تدين بشدة الاعتراف الإسرائيلي ب«أرض الصومال»    القوات الروسية ترفع العلم الروسي فوق دميتروف في دونيتسك الشعبية    المكسرات.. كنز غذائي لصحة أفضل    أخبار مصر اليوم: انتظام التصويت باليوم الأول لجولة الإعادة دون مخالفات مؤثرة، تطوير 1255 مشروعًا خلال 10 سنوات، الذهب مرشح لتجاوز 5 آلاف دولار للأوقية في 2026    محافظ الجيزة يتابع أعمال غلق لجان انتخابات مجلس النواب في اليوم الأول لجولة الإعادة    حزم بالجمارك والضرائب العقارية قريبًا لتخفيف الأعباء على المستثمرين والمواطنين    آية عبدالرحمن: كلية القرآن الكريم بطنطا محراب علم ونور    كواليس الاجتماعات السرية قبل النكسة.. قنديل: عبد الناصر حدد موعد الضربة وعامر رد بهو كان نبي؟    معهد بحوث البترول وجامعة بورسعيد يوقعان اتفاقية تعاون استراتيجية لدعم التنمية والابتكار    هل يجوز المسح على الخُفِّ خشية برد الشتاء؟ وما كيفية ذلك ومدته؟.. الإفتاء تجيب    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : المطلوب " انابة " بحكم " المنتهى " !?    المستشفيات الجامعية تقدم خدمات طبية ل 32 مليون مواطن خلال 2025    أخبار × 24 ساعة.. موعد استطلاع هلال شعبان 1447 هجريا وأول أيامه فلكيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المسحراتي سفير فوق العادة في شهر الصوم
نشر في محيط يوم 15 - 07 - 2013

بإيقاع متناغم رخيم.. وبخطواته الوئيدة الحثيثة المنتظمة مع إيقاع طبلته يقطع سكون الليل.. يطوف المسحراتي الشوارع والأزقة والحارات بفانونسه الصغير وطبلته التقليدية التي ينقر عليها نقرات رتيبة عند باب كل بيت وهو ينادي صاحب البيت باسمه يدعوه للاستيقاظ من اجل السحور فيقول:
اصحي يا نايم
اصحى وحد الدايم
رمضان كريم
ويمشي خطوات أخرى ويقف عند باب منزل آخر فنادي اصحى يا أبو أحمد ويقول:
يا عباد الله
وحدوا الله
اصحى يا نايم
ووحدوا الدايم
سحور يا صايم
حيث ارتبط شهر رمضان الفضيل بالكثير من المناسبات والعادات والتقاليد التي ظهرت ولم يكن العرب يعرفونها من قبل، مثل شخصية المسحراتي وهو الرجل الذي يطوف بالبيوت ليوقظ الناس قبيل آذان الفجر، أي أنه هو الذي يقوم بعملية التسحير، والسحور أو عملية التسحير هي دعوة الناس للاستيقاظ من النوم لتناول الطعام في ليالي شهر رمضان، ويستخدم المسحراتي في ذلك طبلة تعرف ب "البازة"، إذ يُمسكها بيده اليسرى، وبيده اليمنى سير من الجلد، أو خشبة يُطبل بها في رمضان وقت السحور.
والبازة عبارة عن طبلة من جنس النقارات ذات وجه واحد من الجلد مثبت بمسامير، وظهرها أجوف من النحاس، وبه مكان يمكن أن تعلق منه، وقد يسمونها طبلة المسحر، والكبير من هذا الصنف يسمونه طبلة جمال، ويردد المسحراتي بعض الجمل مثل "قم يانائم وحد الدائم" و"سحور يا عباد الله".
لكن بطبيعة الأحوال وبفعل اشتعال الأسعار لم يعد هناك وجود لهذه المبالغ التي باتت من قبيل "الخرافة" لكن بشكل عام لا بد من إطعام المسحر والجود عليه بما تملكه ذات اليد من قبيل الإحسان والابتهال بمحاسن الشهر الكريم .
وفى الريف المصري خلال القرن الماضي لم يكن للمسحراتي أجر معلوم أو ثابت، غير أنه يأخذ ما يجود به الناس فى صباح يوم العيد، وعادة ما كان الأجر يؤخذ بالحبوب، فيأخذ قدحاً أو نصف كيلة من الحبوب سواء ذرة أو قمح، ولم يكن أجراً بالمعنى المفهوم، ولكنه هبة كل يجود بها حسب قدرته. ورغم اختفاء الكثير من الفنون المرتبطة بالمسحراتي سواء في القرية أو المدينة، إلا أن وظيفته الأساسية ما زالت حتى الآن، وهي الإمساك بالطبل أو الصفيحة، والدق عليها بالعصا والنداء على كل باسمه داعياً إياه للاستيقاظ .
ولا يزال المسحراتي يحتفظ بزيه التقليدي أثناء التسحير وهو الجلباب، وقد يستخدم الدف بديلاً عن البازة.
فن وأدب على "الطبلة" !
وفي ليالي رمضان المباركة كان يظهر "المسحراتي" كأهم شخصيات هذا الشهر الفضيل، فهو ذلك الرجل الذي يطوف ليلاً بالبيوت ليوقظ الناس لتناول وجبة السحور قبيل آذان الفجر، أي أنه هو الذي يقوم بعملية التسحير.
والمسحراتي أحد الشخصيات المحببة إلينا خاصة ونحن في سن الطفولة، فقد ارتبطنا بطبلته الشهيرة وصوته الذي ينادي به ويتغنى لإيقاظ النائمين "اصحى يا نايم وحد الدايم.." بداية كان لحرص المسلمين على طعام السحور، تعدد وسائل وأساليب تنبيه الصائمين وإيقاظهم وقت السحر منذ عهد الرسول والى الآن، فكان المسلمون يعرفون وقت السحور في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام بأذان الصحابي "بلال بن رباح"، ويعرفون الامتناع عن الطعام بأذان الصحابي "عبد الله ابن أم مكتوم"؛ فقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام "إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم".
وفي مكة كان "الزمزمي" ينادي من أجل السحور، وكان يتبع طريقة خاصة، بحيث يرخي طرف حبل في يده يتدلى منة قنديلان كبيران حتى يرى نور القنديلين من لا يستطيع سماع ندائه من فوق المسجد.
ومع اتساع رقعة الدولة الإسلامية تعددت أساليب تنبيه الصائمين، حيث ابتكر المسلمون وسائل جديدة في الولايات الإسلامية من أجل التسحير.
ويذكر المؤرخون أن المسحراتي ظهر إلى الوجود عندما لاحظ والي مصر "عتبة بن إسحاق" أن الناس لا ينتبهون إلى وقت السحور، ولا يوجد من يقوم بهذه المهمة آنذاك، فتطوع هو بنفسه لهذه المهمة فكان يطوف شوارع القاهرة ليلا لإيقاظ أهلها وقت السحر، وكان ذلك عام 238 هجرية، حيث كان يطوف على قدميه سيرا من مدينة العسكر إلى مسجد عمرو بن العاص في الفسطاط مناديا الناس: "عباد الله تسحروا فإن في السحور بركة".
وفي عصر الدولة الفاطمية أصدر الحاكم بأمر الله الفاطمي أمرا لجنوده بأن يمروا على البيوت ويدقوا على الأبواب بهدف إيقاظ النائمين للسحور، ومع مرور الأيام عين أولو الأمر رجل للقيام بمهمة المسحراتي كان ينادي: "يا أهل الله قوموا تسحروا"، ويدق على أبواب البيوت بعصاً كان يحملها في يده تطورت مع الأيام إلى طبلة يدق عليها دقات منتظمة، ويدق أيضا على أبواب المنازل بعصا يحملها في يده.
وقد تطورت بعد ذلك ظاهرة التسحير على يد أهل مصر، حيث ابتكروا الطبلة ليحملها المسحراتي ليدق عليها بدلا من استخدام العصا، هذه الطبلة كانت تسمى "بازة" وهي صغيرة الحجم يدق عليها المسحراتي دقات منتظمة، ثم تطورت مظاهر المهنة فاستعان المسحراتي بالطبلة الكبيرة التي يدق عليها أثناء تجوله بالأحياء، وهو يشدو بأشعار شعبية وزجل خاص بهذه المناسبة، ثم تطور الأمر إلى عدة أشخاص معهم "الطبل البلدي" و"صاجات" برئاسة المسحراتي، ويقومون بغناء أغان خفيفة حيث شارك المسحراتي الشعراء في تأليف الأغاني التي ينادون بها كل ليلة.
شعر القوما
وفى العصر العباسي في بغداد كان "ابن نقطة" أشهر من عمل بالتسحير، حيث كان موكلا إليه إيقاظ الخليفة الناصر لدين الله العباسي، فقد كان ابن نقطة يتغنى بشعر يسمى "القوما" مخصص للسحور، وهو شعر شعبي له وزنان مختلفان ولا يلتزم فيه باللغة العربية، وقد أطلق علية اسم القوما لأنه كان ينادي ويقول: "يا نياما قوما.. قوما للسحور قوما"، وقد أعجب الخليفة بسلامة ذوقه ولطف إشارته.
وعندما مات أبو نقطة خلفه ولده الصغير وكان حاذقاً أيضا لنظم "القوما"، فأراد أن يعلم الخليفة بموت أبيه ليأخذ وظيفته فلم يتيسر له ذلك، فانتظر حتى جاء رمضان ووقف في أول ليلة منه مع أتباع والده قرب قصر الخليفة وغنى القوما بصوت رقيق رخيم فاهتز له الخليفة وانتشى، وحين هم بالانصراف انطلق ابن أبي نقطة ينشد: يا سيد السادات لك في الكرم عادات، أنا ابن أبي نقطة، تعيش أبي قد مات، فأعجب الخليفة بسلامة ذوقه ولطف إشارته وحسن بيانه مع إيجازه، فأحضره وخلع عليه ورتب له من الأجر ضعف ما كان يأخذ أبوه.
مهنة الشهر الواحد
والمسحراتي يتفرد بخاصية في عمله، حيث يقتصر عمله في ليالي شهر رمضان المبارك فقط، أي أنها المهنة الوحيدة التي يعمل صاحبها شهراً واحداً في السنة، وقد ارتبطت أجرة المسحراتي ببعض التغييرات على مر العقود، ففي منتصف القرن التاسع عشر كانت الأجرة مرتبطة بالطبقة التي ينتمي إليها المتسحر، فمنزل الشخص من الطبقة المتوسطة على سبيل المثال عادة ما يعطى المسحراتي قرشين أو ثلاثة أو أربعة قروش في ليلة العيد، ويعطيه البعض الآخر مبلغاً زهيداً كل ليلة، ولم يكن للمسحراتي أجر معلوم أو ثابت، غير أنه يأخذ ما يجود به الناس صباح يوم العيد أو ما يعرف بالعيدية، وعادة ما كانت العيدية من الحبوب، سواء كانت ذرة أو قمحاً، وأحيانا كثيرة كان يتقاضى أجرته كحك العيد، وبين هذه وتلك لم يكن أجر المسحراتي بالمعنى المفهوم المتداول، ولكنه هبة يجود بها كل صاحب بيت حسب قدرته.
المسحراتي يتراجع
إلا أنه في السنوات الأخيرة أخذت ظاهرة "المسحراتي" في التراجع بسبب كثرة الوسائل العصرية التي تساعد الإنسان على الاستيقاظ دون الحاجة إلى تذكير، كما أن العادات قد تغيرت وانقلبت الموازين، فأصبحت مثل هذه العادات القديمة شيئاً تراثياً بالنسبة للكثيرين، وأخذوا يتسلون بالوسائل الحديثة كالمنبه والتليفون المحمول، وأصبح الكثير من الناس يسهرون حتى الفجر في مشاهدة البرامج والمسلسلات التلفزيونية أو السهرات المتنوعة عند الأصدقاء أو في أي مكان آخر مما أدى إلى انقراض هذه المهنة وغيرها من المهن التي ظلت صامدة لعشرات بل مئات السنين تحت رياح التغيير والعولمة.
ولكن لا يزال المسحراتي موجودا في القرية، ووظيفته الأساسية ما زالت حتى الآن الإمساك بالطبلة أو الصفيحة والطرق عليها بالعصا والنداء على كل سكان الحي كل باسمه داعياً إياه للاستيقاظ، ولا يزال المسحراتي يحتفظ بزيه التقليدي أثناء التسحير وهو الجلباب، وقد يستخدم الدف بديلاً عن البازة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.