ارتبط شهر رمضان الفضيل بالكثير من المظاهر والعادات الجميلة التي تزين هذا الشهر الكريم عن بقية الشهور بنسمات البهجة التي تنتشر فى كل مكان، ومن هذه المظاهر “المسحراتي” أو “أبو طبيلة” كما يطلق عليه في الامارات، وهو الرجل الذي يطوف البيوت ليوقظ الناس قبيل أذان الفجر، من أجل تناول السحور حتى يتمكنوا من صيام نهار اليوم التالي، وهو بحسب عبد العزيز المسلم مدير إدارة التراث بالشارقة كان يستخدم طبلة صغيرة ويُمسكها بيده اليسرى، وبيده اليمنى سير من الجلد، أو خشبة يُطبل بها على “البازة” وهي عبارة عن طبلة من فصيلة النقارات ذات وجه واحد من الجلد مثبت بمسامير، وظهرها أجوف من النحاس، وفيه مكان يمكن أن تعلق منه، وقد يسمونها طبلة المسحر، والكبير من هذا الصنف يسمونه طبلة جمال. وكان ذلك قبل اذان الفجر بفترة كافية حتى يتمكن من ايقاظ كل الفريج، ومن أشهر جمله الملحنة يقول: “يا نايم الليل قوم أتسحر”، “قوم يا نايم قوم، قومك أحسن من نومك”، مشيرا الى أن المسحراتي كان يجوب المنطقة الشرقية مع حماره الذي يمشى بجواره أو يركبه، ويجوب ربوع البلدة من أولها الى منتهاها حتى مطلع الفجر ليذهب ليصلي ويعود الى المنزل. وعن السبب في اختفاء المسحراتي الاماراتي يضيف أن التطور والمدنية وارتفاع مستوى المعيشة للدولة واتساع الرقعة السكانية كلها عوامل أدت الى اختفاء أبو طبيلة، لافتاً الى حرص ادارة التراث على الحفاظ على هذه الموروثات الشعبية من خلال بيت الموروث الشعبي بالشارقة، من خلال بعض الفاعليات الرمضانية المحببة لدى الإماراتيين خلال رمضان. وعن أصول المسحراتي التاريخية منذ فجر الإسلام، كان المسلمون يحرصون على طعام السحور، وتعددت وسائل وأساليب تنبيه الصائمين وإيقاظهم وقت السحر منذ عهد الرسول صلى الله عليه وسلم والى الآن، فكان المسلمون يعرفون وقت السحور في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام بأذان الصحابي “بلال بن رباح”، ويعرفون الامتناع عن الطعام بأذان الصحابي “عبد الله ابن أم مكتوم”؛ فقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام “إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم”. وفي مكة كان “الزمزمي” ينادي من أجل السحور، وكان يتبع طريقة خاصة، بحيث يرخي طرف حبل في يده يتدلى منه قنديلان كبيران حتى يرى نور القنديلين من لا يستطيع سماع ندائه من فوق المسجد. وبينما تقتصر مهنة المسحراتي في معظم الدول العربية والإسلامية على رجل واحد يقوم بهذه المهمة، إلا أن دولتي الكاميرون وتركيا تنفردان بظاهرتين فريدتين البطل فيهما المسحراتي ولكن مع بعض التغيرات، ففي الكاميرون لا تقتصر عملية التسحير على مسحراتي واحد فقط، ولكن يقوم بمهمة التسحير جماعة يتراوح عددها بين 10 و15 فرداً حاملين الطبول الإفريقية الشهيرة لإيقاظ السكان المسلمين، حيث تمتاز العاصمة ياوندي بوجود عدد كبير من المسلمين بها، فيظهر المسحراتي في شوارعها خاصة في الأحياء المعروفة بأن أغلب سكانها من المسلمين. أما في تركيا فإن الفتيات بدأن يكسرن احتكار الرجال لمهنة المسحراتي وأصبحن يشاركن فيها، فمنذ 3 سنوات ولأول مرة في تاريخ تركيا، قامت احدى البلديات بمحافظة انطاليا بتدريب خمس من الفتيات على عمل المسحراتي، لكي يقمن بالتجول في الشوارع في ليالي رمضان لدعوة الصائمين للسحور، حيث يتجولن سوياً وهن ممسكات بالطبلة ويتغنين بكلمات وأشعار مقتبسة من الأدب التركي.