"اصحى يا نايم وحِّد الدايم، يا نايم وحِّد الدايم يا غافى وحِّد الله، قوموا إلى سحوركم جاء رمضان يزروكم".. تلك العبارات التى يرددها المسحراتى يوميًّا فى شهر رمضان هى صورة لا يكتمل شهر رمضان بدونها. فالمسحراتى يرتبط ارتباطًا وثيقًا بتقاليدنا الشعبية الرمضانية، فقبل الإمساك بساعتين يبدأ المسحراتي جولته الليلية في الأحياء الشعبية ليوقظ أهلها بالضرب على طبلته والنداء بصوته الجميل يصدع بأجمل الكلمات التي يؤديها بإيقاع صوتي متاغم مع إيقاع طبلته؛ مما يضفي سحرًا خاصًّا على المكان. وقديماً كان المسحراتي ينتظر حتى أول أيام العيد؛ ليمر بالمنازل منزلاً منزلاً ومعه طبلته المعهودة، ويوالي الضرب على طبلته نهار العيد، فيهب له الناس بالمال والهدايا والحلويات ويبادلونه عبارات التهنئة بالعيد السعيد. فمهنة المسحراتي كانت منتشرة ومشهورة في أقطار شمال إفريقيا ومصر والشام والعراق والخليج، لكنها أخذت الآن في الانقراض تقريباً، وقد كان الصحابيان بلال بن رباح وعبد الله بن أم مكتوم - رضي الله عنهما - هما أول من عمل في تلك المهنة، حيث كان الأول يؤذن ليتسحر الناس، والثاني ليُمسِك الناس. أما أول من نادى وغنى لتسحير الناس فهو "عنبسة" أو عنتبة بن إسحاق - وهو والي المنتصر على مصر عام 228 ه - والذي كان يمشي بنفسه من مدينة العسكر في الفسطاط إلى جامع عمرو بن العاص ويوقظ البيوت في تلك المنطقة، وينادي "يا عباد الله تسحروا.. فإن في السحور بركة". وفي العصر المملوكي كادت أن تندثر لولا الظاهر بيبرس الذي عين فيها صغار رجال الدين، وفي العصر الفاطمي كان الحاكم بأمر الله يأمر جنوده بالدق على أبواب البيوت لإيقاظ الناس، وفي عصر الدولة الطولونية دخلت المرأة المجال، فكانت تجلس خلف المشربية وتغني بصوت عذب؛ ليستقيظ أهالي الحي على السحور. وتختلف طريقة المسحراتي في إيقاظ الناس فأول من استخدم الطبلة هم أهل مصر، أما اليمن والمغرب فكانوا يدقون الأبواب بالنبابيت، بينما يطوف أهل الشام على البيوت عازفين على الطنابير، والجميع ينشدون الأناشيد الرمضانية الجميلة.