عبر قرون طويلة .. مازالت شوارع مصر تتناقل أصداء النداء المحبب إلى النفوس طوال ليالي شهر رمضان " اصحي يا نايم .. وحد الدايم .. رمضان كريم " ، ورغم عدم حاجة الناس إلى المسراتي في العصر الحديث، إلا أنه يظل من الملامح الرمضانية البارزة والتي لا يمكن أن تنقرض بتقادم السنين ، فهو " منبه رمضان " وصاحب مهنة الشهر الواحد ، الحاج عبد القادر محمود اشهر مسحراتي بمنطقة السيدة زينب ورث مهنته عن والده ويستعد هذه الأيام بطبلته الشهيرة لكي يجوب الشوارع والحارات في ليالي شهر رمضان المبارك ، وعلي مدي سنوات طويلة ارتبطت بذاكرته حكايات " المسحراتي " التى نستمع لبعضها في الحوار التالي . فنان على مسرح الشارع يري الحاج عبد القادر إن وظيفة المسحراتي فنية وجمالية ، فهو يقوم بعرض المؤدى الواحد على مسرح الشارع الذي يجوب فيه ويتفاعل مع جمهوره ويغنى لهم أبياتا شعرية وقصصاً غنائية فيها من الشعر والنثر حاملا معه طبلته الصغيرة كأداة موسيقية ، وأغنية المسحراتي تتضمن عناصر أساسية وهى أن يبدأ المسحراتي بذكر الله ثم يبدأ في مدح النبي وربما يطول هذا الجزء كثيرا ، ولذلك يعتبر المسحرون من فئة المداحين ، أو هو بالأحرى " مداح متجول " ثم بعد ذلك يبدأ في سرد قصة من القصص الدينية ، والمسحراتي من اشهر طقوس شهر رمضان ومكمل للوحة الفنية الخاصة بهذا الشهر الكريم المرتبطة في عقول المصريين بصلاة التراويح وموائد الرحمن والفوانيس . تحدي الفضائيات ويقول الحاج عبد القادر إن الفضائيات يمكن إن تكون كفيلة وبديلة عن المسحراتي إذا كانت وظيفة المسحراتي فقط هي الإعلان عن وقت السحور ، ولكن الفضائيات لا تستطيع إن توجد التفاعل الوجداني بين المسحراتي والناس ، ويضيف : أنا أنادي علي الأشخاص بأسماء آبائهم واقرنها بابتهالات دينية علي إيقاع نقراتي علي الطبلة وأجتذب الأطفال إلي حيث أنادي عليهم بأسمائهم " اصحي يا مازن وحد الدايم ، اصحي يا هاجر " وهو ما يفرحهم كثيرا والفرحة التي تطل من وجه الطفل عندما يسمع اسمه وأنا أنادي عليه في السحور تجعلني في منتهي السعادة ، ولا تستطيع الفضائيات وأجهزة الأعلام إن ترسم تلك الفرحة علي وجوة الأطفال ، بالإضافة إلى أن مهنة المسحراتي تعود على صاحبها بالرزق والأجر المادي مما يجعل المسحراتي يحافظ على هذه المهنة ، ولكن على المسحراتي أن يطور من آلياته ومن أدواته ومن محفوظة التراثي بما يتلاءم مع تغيرات المجتمع ودخول عصر الفضائيات ، وشهر رمضان هو شهر رزقنا الرئيسي أما باقي العام فنخلع الطبلة ونحفظها حتى رمضان الذي يليه. ذكريات مسحراتي الحاج عبد القادر ورث مهنة المسحراتي عن والده ، وهو يتذكر عندما كان طفلاً ويسير بجانب والده في ليالي رمضان ، من وقتها عشق التجوال في الحارات بين البيوت في شهر رمضان ولياليه المباركة ، يقول : كنت اسمع من والدي العبارات الروحية والمؤثرة وارددها بكل اخلاص وحب وراءه ، خاصة عندما كان ينطق بالشهادتين بصوت أقرب الى التنغيم منه الى الحديث ، ثم يقول " أسعد الله لياليك ياحاج احمد - صاحب المنزل الذي يقف أمامه - ويردد الدعاء لكل اهل المنزل لهم واحدا واحدا " . استعدادات المسحراتي وعن استعداداته لدخول شهر رمضان يقول : من بداية شهر شعبان اسجل في مفكرة صغيرة أسماء الأشخاص الذين يقبلون أن اتولى مهمة تسحيرهم ، ثم اقوم بصناعة الطبلة الخاصة بمهنة المسحراتي ، وهي عبارة عن اطار من الخشب وجلد ماعز بعد ان اقوم بنقع الجلد في ملح لمدة 15 يوماً ثم اقوم بشد الجلد علي حبل لمدة اسبوع ثم اشده علي حشب الطبلة واثبتة بالمسامير ، وكل يوم قبل الخروج للتسحير أقوم بشد الطبلة علي النار لمدة 15 دقيقة . اول مسحراتي في مصر يقول الحاج عبد القادر إن المسلمين حرصوا على طعام السحور منذ عهد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ، وكان الناس يعرفون وقت السحوربأذان بلال ويعرفون المنع بأذان ابن أم مكتوم ، فقد قال الرسول عليه الصلاة والسلام: "إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم" ، ثم ظهرت وظيفة المسحراتي في العصر العباسي ويعتبر والي مصر إسحاق بن عقبة أول من طاف شوارع القاهرة ليلا في رمضان لإيقاظ أهلها ، وفى العصر الفاطمي كان المسحراتي ينادي "يا أهل الله قوموا تسحروا" ويمر على البيوت ويدق على الأبواب لإيقاظ الناس للسحور. وفي عصر المماليك ظهر "ابن نقطة" شيخ طائفة المسحراتية ، وكان يشتهر بحلاوة صوته، وأسلوبه العذب وقدرته الفائقة على ارتجال الزجل، حتى الخليفة أمر بإحضاره إلى حديقة القصر، ليوقظه وقت السحور، ثم أمر بعد ذلك بتوفير المال اللازم له حتى يكون المسحراتي الخاص للخليفة، وبذلك كان (أبو نقطة) لا يعمل طوال العام إلا شهرا واحدا فقط هو شهر رمضان، وهكذا لعب المسحراتي دورا مهما خلال التاريخ الإسلامي، وأصبح فيما بعد من الشخصيات الشعبية المحبوبة، والتي تعبر عن التراث، وتعرفها جميع طوائف الشعب في مصر والعالم العربي والإسلامي، وفي بلاد الشام كان المسحراتي يحمل عيداناً وصفافير تصدر أصواتاً جميله إيذانًا للسحور ، وفي السعودية يسمى المسحراتي "الزمزمى" وكان يحمل قنديلين يطوف بهما بحيث يتسنى من لا يسمع صوته أن يرى الضوء ويبدأ بالسحور ، اما في اليمن فكان المسحراتي ينادى بصوت عال " قوموا..كلوا " وفي ليبيا كان يسمى " ساهر الليل " ويأتي بطلبته وينادي " ساهر الليل .. ساهر الليل تسحروا يا صايمين " ، وفي تركيا تقوم بهذا الدور مجموعة من الفتيات ويرددن أغاني جماعية جميلة ليطالبن الناس فيها بالسحور K وفي الكاميرون يقوم بمهمة السحور جماعة متألفة من 10 الي 15 شخصاً يقرعون سويا بالطبول الإفريقية