الانتصارات السهلة التي حققتها داعش في شمال العراق بما في ذلك احتلال نينوى وهي أكبر المدن العراقية والوصول إلى مشارف بغداد وإلى الحدودين: السورية والأردنية مع العراق والسيطرة على بعض المعابر الحدودية الأخرى،والثبات في هذه المناطق حتى اللحظة،لا ينعكس عن قوة هذا التنظيم الأصولي المتطرف بالقدر الذي ينم فيه عن ضعف الطرف المقابل.المقصود هنا:الجيش العراقي الذي بنته أمريكا،وهي السبب الرئيسي والأساسي في إيصال بلد عريق ممتدة جذوره في أعماق التاريخ, بلد الحضارة والكفاءات الكثيرة, بلد الثروات ومن أهمها النفط.الجيش العراقي لم يقاتل داعش وإنما ترك أسلحته وآلياته الحديثة،ومدرعاته ودباباته وفرّ إلى المجهول،وهذا ما يشي:بأن اتفاقات عقدت بين بعض قادته وضباطه وداعش.بالمعنى الفعلي لم تكن هناك حدود أدنى من المقاومة.داعش قام بملء الفراغ ليس إلاّ وهذا ما قالته المؤسسات الرسمية العرقية وقد قام المالكي بطرد البعض من قادة الجيش وستقوم المحاكم العسكرية بمحاكمة ضباط آخرين بتهمة الفرار. ما يتردد عن مشاركة قوى أخرى مع داعش ربما يكون صحيحاً, لكنها تبقى قوى ضعيفة هامشية لا أكثر.الدليل على ذلك أن داعش يفرض برنامجه المتطرف على كل المدن والبلدات والقرى التي يحتلها.يفرض تعاليمه الدينية المتطرفة. يقوم بذبح الناس بصورة يقشعر لها شعر البدن ويقف بسببها شعر الرأس.يقتلون الناس: يكومونهم مثل حِمِل تراب , يجعلونهم يركعون ومن ورائهم تطلق النار عليهم.يذبحون البعض بطريقة أعنف وأشد قسوة من ذبح الخرفان.يقطعون الكهرباء عن الناس بدعوى التفرغ للعبادة في رمضان المبارك.ما يقترفه أعضاء هذا التنظيم الإرهابي من جرائم وموبقات, في طريقة افتئات واضحة على الدين الإسلامي الحنيف لا يمت إلى الدين بصلة! فهم بعيدون عنه بُعد السماء عن الأرض.يقتلون ناس من كافة المذاهب والطوائف.يفجرّون الكنائس بما فيها التاريخية ويبُعدون المسيحيين من بيوتهم بعد طردهم منها.الدين الإسلامي العظيم هو عكس كل هذه الجرائم،فمن قتل إنسانٍ ظلماً فكأنما قتل الناس جميعاً.الإسلام يدعو إلى التآخي والمساواة والتعايش بين الطوائف.العراق قبل التدخل الأمريكي عاشت فيه الطوائف والمذاهب والإثنيات في سلامٍ ووئام وإخاء.لم يكن المسيحي أو المسلم يعرف طائفة جاره أو مذهبه.الجميع يتزواجون من بعضهم البعض , هذا المذهب من ذاك،وهكذا دواليك.الطائفية جاءت بعد الاحتلال الأمريكي للعراق, وقد حرص على إذكاء أوراها وبالفعل بدأت تتنامى فيما بعد مثل النار في الهشيم. البعض يحاول تصوير ما يجري في العراق بأنه حراك شعبي وصولاً إلى الثورة،لكننا لم نسمع من أيٍّ من القوى المشاركة, شعاراً وطنياً واحداً،ولا برنامجاً وطنياً بالنسبة لمستقبل العراق أو الديموقراطية فيه أو بالنسبة لانتمائه إلى أمته العربية.لم نسمع أية أفكار عن الطريق الذي سيخطه العراق بالنسبة للعديد من القضايا المحلية والعربية والإقليمية والدولية.ما نراه هو جرائم داعش وما نسمعه هو البرامج والخطوات التي يتخذها.بالتالي يُطرح التساؤل:ما هذا الوجود لهذه القوى أن وُجدت وأين تأثيراتها فيما يدور من أحداث؟داعش استولت على ما يقارب النصف مليار دولار من فرع البنك المركزي في الموصل،وكذلك على كميات كبيرة من الذهب بالإضافة إلى أسلحة وآليات ثقيلة،الأمر الذي سيؤثر على قتالها في العراق وفي سوريا،هذا إذا كان البعض من أعضائها يتقنون تشغيل مثل هذه الأسلحة؟!. ما يجري في العراق يهدف فيما يستهدف: المزيد من إشعال نار الفتنة بين الطوائف والمذاهب والإثنيات في العراق.وبالفعل فإن الفتاوى التي نسمعها من هذا الزعيم الديني أو ذاك هي فتاوى طائفية بامتياز, وليس على أساس وطني هدفه الدفاع عن العراق ووحدته وانتمائه إلى أمته العربية.الطائفية الآن هي أمر شديد الوضوح وعلني, يعلن فوق رؤوس الأشهاد.الدعوات إلى تقسيم العراق تُطرح علناً, وتجزئته إلى ثلاث دويلات:سنية وشيعية وكردية.الأخيرون احتلوا كركوك وكافة المناطق العراقية الأخرى المتنازع عليها مع سلطة الدولة المركزية.هذا يؤشر إلى طبيعة الخطوة القادمة وهي:الانفصال عن الجسد الأم العراق.ما يجري يهدف إلى إشعال الحرب بين الطوائف والإثنيات وصولاً إلى التقسيم. ما يدور في العراق هو خدمة للمشروع الأمريكي-الإسرائيلي في المنطقة الذي يهدف إلى تفتيت دولها إلى دويلات متحاربة،متقاتلة،متنازعة على الحدود.إن في هذا أيضاً خدمة للعدو الصهيوني بإزاحة العراق وقدراته في كافة المجالات العسكرية والاقتصادية والثرواتية من الصراع العربي –الصهيوني , والاستيلاء على نفطه.العراق كان يشكل عمقاً استراتيجياً عربياً لهذا الصراع.قوى خارجية كثيرة تصب النار على ما يجري في العراق من أجل تقسيمه.لا يريدون وحدة الشعب العراقي بل تخريب نسيجه الاجتماعي.للنظام العراقي الحالي أخطاؤه القاتلة ومن أبرزها:دفع البارموتير الطائفي إلى الأمام وقدانعكس في كافة الخطوات السياسية التي اتخذها.بالتأكيد داعش استغل هذا الأمر أبشع استغلال.المالكي يمارس دكتاتورية مثلما تقول أحزاب سياسية عراقية كثيرة. حتى الانتخابات التشريعية الأخيرة،كانت على أساس طائفي. كذلك هو تشكيل الحكومات المتعاقبة وتوزيع المقاعد فيها يتم وفقاً للتوجه الطائفي. داعش الذي صنعته الدوائر الغربية واستفادت منه في أفغانستان لا يشكل خطراً على العراق فحسب, هذا إذا تمكن من إنجاح مشروعه فيه،وإنما سيمتد هذا الخطر إلى الدول العربية وإلى عموم المنطقة.إن آخر خربطة أعلن عنها داعش هي أن دولته ستمتد إلى مناطق في العراقوسوريا وستشمل الكويت والأردن وفلسطين ولبنان،هذا مايقولونه هم.بالتالي فإن خطر داعش هو خطر عام،ولذلك فإن القوى الوطنية التقدمية العراقية مطالبة بتوحيد قوى الشعب العراقي كافة،ليس على أساس طائفي وإنما على مبادئ وطنية عامة وعلى أسس من الثوابت الوطنية عناوينها:حرية العراق, والدفاع عن وحدة أراضيه،ووطنية توجهاته في كافة المعارك السياسية على الصعيدين:الداخلي والخارجي.تشكيل جبهة وطنية عريضة تأخذ أرضية القواسم المشتركة للمحافظة على انتماء العراق لأمته العربية.مجابهة المخططات الاستعمارية والصهيونية الإسرائيلية للمنطقة.مطلوب أيضاً تنسيق مواجهة المشروع الإستعماري الهادف إلى إرجاع العالم العربي قروناً إلى الوراء وإلى تمزيق دولة وتفتيتها خدمة للمشاريع الأمريكية –الصهيونية في المنطقة ومن أبرزها:حفظ أمن الكيان الصهيوني وتحقيق أهدافه في السيطرة الكاملة على المنطقة،فداعش إن لم يجر لجم مخططها وإفشاله ربما ستكون في طريقها إلى التحول كقوة"عظمى"؟!