تحت وطأة الحاجة طرقت بابه طالبا مساعدته المالية في ظرفي المادي الصعب.. رد بدهاء ومكر قائلا: تأمرني (طال عمرك) فانت أخي وصديقي وجاري.. دس في جيبي بضع جنيهات مشددًا على أن احترام حق الجوار أمر لا بيع فيه ولا شراء.. ما أن غادرني الجار الماكر بعد إشارات الاطمئنان حتى استأجر سيارة بمكبر صوت.. وطاف بها في أنحاء الحي وأجواره يحكي مأساتي المالية بأدق تفاصيلها، داعيا لجلسة من الأصدقاء والفرقاء على قارعة أحد شوارع الحي تناقش ترتيبات "جمعية" مالية لحل المأزق، ولا مفر خلالها من مداولات علنية لتفاصيل مشكلات أسرتي المالية، وإعادة تقييم أوجه نفقاتي ونفقات زوجتي وأبنائي تلك زبدة الدعوة التي خرجت على لسان العاهل السعودى الملك عبدالله بن عبدالعزيز لعقد مؤتمر للمانحين لمصر في نفس يوم إعلان فوز المشير عبدالفتاح السيسي برئاسة الجمهورية، فقد أثقلت ريالات المساعدات الزهيدة كاهل الشقيق والجار الذي لن يستطيع ملاحقة احتياجاتنا، فأراد إزاحة هذا العبء من على كاهله ب"تسول سياسي عصري" عبر مكبرات صوت المنطقة، لا اختيار إذن إلا التماس الأعذار.. فأنى له بمزيد من المساعدات والملاحقة على مطالبات المصريين التي لا تنتهي، فيما تبدو احتياجات معشر الثراء الخليجي أهم وأكثر إلحاحا، وكيف لأحد أثرياء النفط وبعد الضخ الملياري للمحروسة أن يشترى ساعة "ليميتد إديشن" من العاصمة البريطانية لندن ب5 ملايين جنيه إسترليني، أو للآخر أن ينفق 6 ملايين جنيه إسترليني على هدايا من متجر "هارودز" الشهير في سفرة واحدة..! هل ربما نحتاج المزيد من الوقت لالتقاط إشارات الشقيق "الوهابي" التي تحاول إعادة استنساخ الحالة اليمنية في مصر؟.. في اليمن الحزين تقلد المشير عبدربه منصور هادي السلطة في فبراير 2012 وسط دعم سياسي سعودي ووعود بمساعدات سعودية إماراتية بعد أن نفضت قطر يدها من المساعدات والمبادرة الشهيرة، وما أن حلت ساعة "وعد الحُر"، حتى ظهرت علامات التلكؤ والتململ السعودي، الى أن خرج سبتمبر من العام نفسه بتبني الرياض لمؤتمر للمانحين بحجة انقاذ الاقتصاد اليمنى من الوضع المتدهور الذى بلغه بعد عام من الثورة الشعبية، واكتفى السعودي من مزاد المساعدات المحسوبة بوديعة نقدية بقيمة مليار دولار للبنك المركزي اليمني، وحتى أواخر 2013، حصل اليمن من هذه الوعود على أكثر بقليل من 2 مليار دولار، وروزنامة إملاءات وشروط للتمويل. شئ من علامات الصراحة تقتضي الاقرار بأن الدعوة السعودية لمؤتمر المانحين هي اساءة علنية تنقصها جودة الطبخة ةحسن الحبكة، فرسالة (طال عمره) المروجة لمحفل دولي يتداول شؤون مصر المالية عالميا، تتناقض مع مطالبة السعودية الأشقاء والأصدقاء بالنأي بأنفسهم عن شؤون مصر الداخلية بأي شكل من الأشكال، والتي تتضارب بدورها مع نصائح خادم الحرمين للسيسي بحسن اختيار فريقه الرئاسي وتقبل الرأي الآخر، بما لا يمكن حسابه سوى تدخل غير مقبول في الشؤون الداخلية المصرية، وهي كلها محاور رئيسية لحقبة كفالة من النوع الردئ الفج التي وان قبلها السيسي وفريقه الرئاسي ومن والاه. هو إذن طبع يغلب التطبع فلا يستطيع صاحبه منه فكاكا، ولا تلتفت كثيرا لحديث عاطفي على شاكلة تفرد مصر بمكانة خاصة في قلب الجار السعودي، أو منزلة استثنائية للمصريين في قلب القطري، انما هي شهوة الإعارة ومقامرة الكفيل في لعبة الاحلال والتبديل بين بئر نفط وآخر، لا ضابط لها أو رابط اللهم الا مصالح أمريكية يتخفى خلفها الكيان الصهيوني، وبعبع إيراني يرهق حكام الخليج فلا يملكون له ردعًا ودمارا أو يأمنون له عيشا وجوارا، وما فرس للرهان المشروط في تلك اللحظة سوى جيش مصر آخر حصون الردع في أمتها العربية، وقائده السابق رئيس مصر عبدالفتاح السيسي، الذي يبدو أنه تورط في خطاب ودي مبالغ فيه ويحتاج خطوات للوراء لإعادة حساباته. على أي حال، فإن ما يرونه "نعرة وطنية" حنجورية، هي ما تغذي أمنيات في نفس المرء بانشقاق الأرض وابتلاعها لي إذا ما انعقد ذاك المؤتمر "اليمني المنشأ"، ففيه ما فيه من استباحة للكرامة الوطنية بما يشكل سابقة لم تحدث في تاريخ مصر من قبل، حتى لو تجملت اللحظة بطلب السيسي لتمويل مشاريع وليس إرسال أموال تدخل في موازنة الدولة، فقد تتعدد المطلبات لكن يتوحد العنوان وهو مؤتمر للتشهير والتسول باسم مصر، وفرض أجندة اقتصادية خفية ومجحفة تتماشى مع المصالح الدولارية للمانحين، والاهم سحب زمام المبادرة من مصر لصالح اللاعب الخليجي، الذي لن يعطي إلا منحة التقتير.