دعوة الرئيس الإيراني حسن روحاني لحفل تنصيب الرئيس المنتخب عبد الفتاح السيسي أثارت من جديد أفق تطور العلاقات المصرية الإيرانية، فملف العلاقات بين البلدين كان ولا يظل الأكثر التباساً في نهج السياسة الخارجية لمصر، ودوما ما كان يرتهن بأسباب معلنة وأخرى خفية تخضع في معظمها لحسابات سياسية تخص جهات عالمية وربما إقليمية. مهدت عدة عوامل فرصة تقارب من جديد بين البلدين، تمثلت في دعوة الرئيس الإيراني إلى القاهرة لحضور حفل تنصيب السيسي وأداؤه لليمين الدستورية، وكذلك عوامل إقليمية ودولية، وأخرى ثنائية خاصة بمسار الأمور في البلدين وردة فعل كل منها تجاه الأخر.. أولى هذه العوامل هو تحسن العلاقات بين طهران وعواصم الخليج، والتي تشهد هذه الفترة انفتاح غير مسبوق في العلاقات الاقتصادية والتجارية والأمنية، سرعان ما تطور إلى انفتاح سياسي توّج مؤخرا بزيارة أمير الكويت صباح الأحمد الجابر الصباح لطهران ولقاءه بالمرشد الأعلى للثورة الإيرانية وروحاني، وهي الزيارة التي شهدت ترحيب وصدى إيجابي تجاوز حدود منطقة الخليج، وأعتبرها البعض تمهيداً لحوار بين الرياضوطهران في المستقبل القريب. أنعكس هذا التطور الإيجابي في العلاقات الخليجية-الإيرانية بشكل مباشر على فرصة تطوير العلاقات المصرية الإيرانية التي حدد معاييرها الرئيس السيسي في حوار له قناة "سكاي نيوز" قبل ما يربوا عن أسبوعين قائلا "العلاقة مع إيران تمر عبر الخليج العربي..أمن مصر لا ينفصل عن أمن الخليج (هم)أهلنا ويهمنا أن يعيشوا بسلام.. كل ما نسعى إليه مع إيران هو علاقة عادلة." وهو ما يفسر توقيت الدعوة المصرية للرئيس الإيراني، فمصر تعتبر الأن أن العلاقات الإيرانية-الخليجية في تطور إيجابي، وطالما أنه لا يوجد حساسية خليجية من مثل هذه الخطوة فلا ضرر من الدعوة، وخاصة أنها -في حال انفاذها على المستوى الرئاسي- ستوفر فرصة للقاء روحاني بزعماء المحور العربي الجديد: مصر، السعودية، الإمارات، تمهد لتحديد أفق تطور العلاقات بين هذه الدول وإيران. لخص السيسي رؤيته للعلاقة مع إيران في المقولة السابقة، وهو ما يمكن اعتباره حجر الزاوية في العلاقة بين القاهرةوطهران في الفترة القادمة، فمن الواضح أن الدعم السعودي والإماراتي لمصرفي الشهور الماضية والمتوقع أن يمتدد لسنوات المقبلة كان له أثر بالغ في تحديد بوصلة القاهرة السياسية تجاه الخليج بضفتيه، وإن كان هذا لا يعني أن القرار السياسي المصري تجاه إيران في يد الدول الخليجية المانحة، ولكن يعني أن العلاقة بين القاهرةوطهران مشروطة بتحسن علاقة الأخيرة مع الدول العربية المجاورة لها وعلى رأسها السعودية والإمارات. على صعيد أخر لا يمكن إغفال المناخ السياسي الدولي الإيجابي تجاه إيران، فالأخيرة لم تصبح الدولة "المغضوب عليها" من القوى الغربية مثل ما كان منذ سنوات قليلة بسبب برنامجها النووي، فالمحادثات النووية تسير بشكل سلّس خاصة بعد الاتفاق المبدئي بين طهران ودول 5+1، وهو ما يعني أنه لا يوجد ضغوط على مصر بشأن تحسين العلاقة مع طهران مثلما كان في السابق، حيث كانت تُفرض على إيران عزلة دولية من قبل القوى الغربية كضغط سياسي بسبب البرنامج النووي. على مستوى ثنائي، كانت العلاقات بين مصر وإيران قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير تخضع للسياسات الأمريكية بشكل مباشر، فشروط تحسن العلاقات بين القاهرةوطهران كانت بيد واشنطن وحدها، ومع خلخلة الهيمنة الأمريكية على القرار المصري عقب 2011 أصبح مسألة التقارب بين البلدين ممكنة، فتصريحات الدبلوماسية الإيرانية عقب الثورة دائماً ما كانت تطالب برفع مستوى العلاقات بين البلدين وعلى رأسها العلاقات الاقتصادية وهو ما قوبل بتجاوب حثيث من الجانب المصري إبان حكم المعزول محمد مرسي، فزيارة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد للقاهرة في فبراير من العام الماضي لحضور قمة دول المؤتمر الإسلامي، وما شهدته من استقبال مميز وزيارات ولقاءات متعددة على هامش القمة كانت بمثابة انطلاقة هامة لرسم أفق لتطور العلاقة بين البلدين، ولكن هذه الجهود سرعان ما عُرقلت بسبب الوضع السياسي الداخلي في مصر عقب الثلاثين من يونيو 2013 والتي لم تعلق إيران عليها بشكل سلبي، وإنما أكدت على احترام اختيارات الشعب المصري حينها، ووصل الأمر إلى ترحيب وتهنئة رسمية من الخارجية الإيرانية لنتيجة الانتخابات الرسمية وتشديد على وجوب تطوير العلاقة بين البلدين، وهو ما يمكن عده من بين العوامل التي دفعت مصر لدعوة روحاني إلى القاهرة. العوامل السابقة قد تكون كافية لفتح حوار حول تطوير العلاقات بين البلدين، لكنها غير كافية لرسم أفق هذه العلاقة، فأسس العلاقة بين القاهرةوطهران من الواضح أن تحديد ملامحها وشكلها يرتبط بظروف وأطراف أخرى ضمن معادلة لا تتضمن البلدين فحسب، وهو ما يمكن أن يكون تفسيراً لطريقة استجابة طهران لدعوة القاهرة، حيث لم يأتي الرد الإيراني الرسمي على الدعوة مباشرة، فالرئيس الإيراني ينشغل حالياً بعدد من الزيارات الخارجية جعلت امكانية زيارته لبلد هام ومحوري مثل مصر لحضور حدث هام مثل تنصيب السيسي محدودة، فحل بدل من روحاني حسب وكالة فارس للأنباء مساعد وزير الخارجية الايراني في الشؤون العربية والإفريقية حسين امير عبد اللهيان، وهو ما يشير إلى احتمالين، الأول: هو قبول إيران ضمنياً بتطوير العلاقات مع مصر السيسي ولكن بشكل مرحلي، فعبداللهيان كان له دور في تهيئة الأجواء للانفتاح الخليجي الإيراني، فزياراته المتعددة إلى الإماراتوالكويت وعُمان في الشهور الماضية كانت بمثابة توطئة لزيارات متبادلة على مختلف المستويات والمجالات بين هذه الدول وإيران. الاحتمال الثاني: أن إيران ترى أن مسألة تطور العلاقات مع مصر تحتاج لأكثر من مجرد دعوة لحفل تنصيب الرئيس المصري، وأن هناك أمور أخرى يجب توافرها قبل أن يكون هناك زيارات رسمية على مستوى الرؤساء بين البلدين، أقلها وجود تمثيل دبلوماسي على مستوى السفراء، وهذا على المستوى الإجرائي..أما على المستوى السياسي فعلى الرغم من توفر مناخ يسمح بتحسين العلاقات إلا أنه من الواضح لا يوجد إرادة سياسية تريد أن يدخل هذا طور التنفيذ في المنظور القريب على الأقل. غني عن القول أن تطوير العلاقة بين مصر وإيران سيكون له تأثير كبير على المسرح السياسي في المنطقة، فأياً كان توقيت هذا وإطاره ووتيرة تنفيذه سيكون له انعكاسات هامة على ملفات رئيسية على رأسها أمن الخليج الذي أضحى بشكل رسمي وبحسب تصريحات السيسي جزء من أمن مصر ومن "الأمن القومي العربي".. وفي النهاية تظل هناك علامات استفهام وتعجب أيضاً خاصة برؤية البلدين لأهمية تحسين العلاقات وأفق هذا التحسن ربما يُكشف عنها قريباً بعد لقاء مرتقب يُمهد له منذ شهور بين السعودية وإيران.