من القضايا والأمور التى تدعو للدهشة والاستغراب، أن يدور جدل، عقيم وسقيم ، بين مؤيد ومعارض، فى مسائل هى بطبيعتها ، من البديهيات، التى لا تحتمل مثل هذا الجدل . يبدو هذا جلياً فيما يتعلق بما يردده البعض من أنصار وحملة المشير عبد الفتاح السيسى ، بخصوص رفض مشاركة مرشحهم فى مناظرة مباشرة وحية مع منافسه الوحيد فى السباق الرئاسى . ومن المعروف والمستقر عليه فى كافة البلدان الديمقراطية أن تكون ضمن الحملة الانتخابية وفترة الدعاية المسموح بها والمقررة ، قيام المرشحين بعقد مناظرة مباشرة تكون لها أكبر التأثير على حسم مواقف وتفضيلات جمهور الناخبين ، خاصة ما يطلق عليه " الكتلة الصامتة " والمترددة مواقفهم، ومدى التأثير الذى يمكن أن تحققه المناظرة فى تحديد وتغيير هذه المواقف . وقد سبق، فى حالة مصر، إجراء هذه المناظرة فى الانتخابات الرئاسية الأخيرة ، فلماذا الجدل هذه المرة ؟ّّ !! ، ولمصلحة من يطرح، وعلى حساب مصلحة من ؟ ومع كل الحرص على الأعتبارات الأمنية، وسلامة حياة المشير السيسى ، وتقدير ذلك ، وما يتعرض له من تهديدات بتدبيروتخطيط لشروع قوى معينة لقتله، فإن هذا الموقف يفقد مبرراته وأسانيده لمرشح سيكون فى حالة فوزه رئيساً للبلاد ، فكيف سيكون الحال بعد هذا الاحتمال، وفى حال فوز المرشح السيسى؟ !!. بطبيعة الحال لا يمكن أن تحكم البلاد برئيس خفى، لا يتواصل مع شعبه، ويحمل الموازنة العامة نفقات اضافية لتدبير هذه الحماية المكثفة، وما يصاحبها من جو مشحون عصيب وتوتر، خلال أربع سنوات قادمة . إضافة لذلك، فبعد أن أجرى السيسى حوارًا مطولاً مسجلاً، أثار مزيداً من الجدل والخلاف، وطرح كثيراً من التعليقات ، حتى الساخرة منها، والتساؤلات، مما جعل أنصار حملته والقائمون عليها، يقررون، وحدهم ، أنه سيخسر المزيد من المتعاطفين معه فى حالة اجراء مناظرة مباشرة مع منافسه الوحيد ، حمدين صباحى . وهذا مبرر لا يتوافق البتة مع قواعد الممارسة الديمقراطية وآلياتها المستقرة والمتعارف عليها، ولا يتوجب على حملة منافسه القبول بهذه الفرية، أو الموافقة بأى شكل عليها. ويقترن بحتمية المناظرة وضروراتها جملة من الشروط والقضايا، فى مقدمتها ، أن تجرى بنزاهة وشفافية وحيادية كاملة، عبر محاورين محايدين، يملكان الخبرة الكافية، والشجاعة فى طرح كافة القضايا، وهذا يعنى عدم الخوف من أى من المرشحين ، وأن يتم طرح التساؤلات عليهما معاً . ومما له صلة ، يتوجب بذات الشروط والمؤهلات اختيار هيئة محكمين من متخصصين وخبراء واهل اختصاص، يحظون بتوافق عام ، وفى كافة المجلات والملفات التى يتم طرحها . تبرز أهمية ذلك بشأن مدى واقعية ما يطرحه المرشحان من حلول ورؤية لحل القضايا الملحة والعاجلة، خاصة فى هذه الظروف الدقيقة والصعبة التى تواجه البلاد ، وعن أى مدى تعبر هذه الحلول وتلك الآلويات، عن انحياز أى من المرشحين للسواد الأعظم من الشعب، خاصة الفئات المهمشة والمنسية ومحدودة الدخل، والجداول الزمنية المطروحة لتحسين مستوى المعيشة بشكل تدريجى، يحظى بقبول من يخصهم الأمر، مما يتيح تحقيق الاستقرار وعودة عجلة الانتاج للدوران مرة أخرى. وتلك مسألة على قدر من الأهمية لتقليل حدة الاحتجاجات والمطالب الفئوية المشروعة والعادلة . وبطبيعة الحال، يرتبط تحقيق الاستقرار بتوافر الأمن فى كافة انحاء البلاد ، خاصة فى المناطق الجاذبة للسياحة، وما يمكن أن تدخله من موارد ودخول فورية تساعد على تحسين الوضع الاقتصادى فى البلاد . ومن شأن المناظرة أيضاً أن تخفف من هواجس ومخاوف العامة من غياب العدالة الاجتماعية فى تحمل تبعات هذه المرحلة الصعبة ، كل حسب مقدرته ودخله فى التحمل . وتلك مسألة مهمة ولازمة لتحقبق القبول العام ، دون انحياز او مجاملة غير مبررة لفئات على أخرى . كما تتيح المناظرة مناقشة الرأى العام لما يطرحه المرشحان من برامج للحاضر والسنوات المتبقية من ولايتهما ، خاصة أن البرنامج الانتخابى، بصرف النظر عن براعة صياغته وبلاغته ، سيكون بمثابة وثيقة تعاقد بين المرشح وجمهور الناخبين، ومدى القدرة على المراقبة والمحاسبة الشعبية لمدى التزام المرشح وحسن تنفيذه لما سبق له طرحه من حلول وبرامج لكافة القضايا والملفات . كما تتيح للعامة معرفة موقفهما من كل الملفات المسكوت عليها، ومدى الاستعداد للتعامل معها ، وطبيعة هذا التعامل. وفى التحليل الأخير، المناظرة الانتخابية حتمية وملحة لا يمكن القفز عليها ، أو تجاهلها ، تحت أى مبررات، لرأى عام لا يملك ترف ورفاهية هدر الوقت، فهل يتفهم العقلاء تلك الحقيقة، ويستجب لها من بيدهم الأمر، وقبل فوات الاوان.