" نعم سوف يجئ يوم نجلس فيه لنقص ونروى ماذا فعل كل منا في موقعه، وكيف حمل كل منا أمانته وأدى دوره، كيف خرج الأبطال من هذا الشعب وهذه الأمة في فترة حالكة ساد فيها الظلام، ليحملوا مشاعل النور وليضيئوا الطريق حتى تستطيع أمتهم أن تعبر الجسر ما بين اليأس والرجاء" . كانت هذه الكلمات من خطاب الرئيس الراحل "محمد أنور السادات" في افتتاح الدورة الاستثنائية لمجلس الشعب في 16 أكتوبر 1973، للتذكير بدور أبطال الحرب الذين طمسهم التاريخ بين طياته دون عمد، ومع مرور 32 عامًا على ذكرى عيد تحرير سيناء، يروي "البديل" قصة أحد هؤلاء الأبطال، والتي ظلت غير معروفة لمدة أكثر من 23 عامًا حتى كشف عنها جندي إسرائيلي أعرب عن فخره أنه قابل هذا الشاب في يوم من الأيام، حتى لو كانت مقابلة بين عدوين في عام 1973، فكان شرف وفخر كبيرين أن يلتقي الجندي الإسرائيلي بالرجل الذي لقب باسم "أسد سيناء" أو الشهيد " سيد زكريا"، الذي عرف العالم قصته بعد موته ب 20 عامًا . "سيد زكريا خليل" من مواليد شهر أكتوبر 1949، من نجع "الخضيرات" شرق قرية البغدادي بمحافظة الأقصر، والطريف في الأمر أنه ولد في أكتوبر 1949، ودخل الجيش في أكتوبر 1971، وسالت دماؤه الطاهرة في أرض سيناء المقدسة في أكتوبر عام 1973، كان الشهيد أصغر أخوته الثمانية، فقد أمه "حسنية عبد الجواد" قبل أن يدركها بعينيه، وكان حافظًا لنصف كتاب الله، وكان يعمل مزارعًا ويساعد أبيه . تقدم للجيش ثلاث مرات وقُبل في المرة الثالثة، وكل مرة كان يرفض نتيجة صغر سنه، بالرغم أن كثير من الأسر كانت تخشي انضمام فلذات أكبادها للجيش آنذاك، لم تكن أسرته تعلم أين ذهب "سيد زكريا" بعد الحرب، إذ عاد من عاد، واستشهد من استشهد، أما "سيد زكريا" فكان رد قيادات الجيش على أسرة الشهيد "اعتبروا أبنكم مفقودًا" . وطوال عشرين عامًا تأكل النار قلب شيخ بلغ من الكبر عتيًا وهو والده، وأخوه محمود، وشقيقاته يرتدين السواد منتحبات على المفقود، حتى نهاية عام 1996، حين أعترف جندي إسرائيلي لأول مرة للسفير المصري في ألمانيا بأنه قتل الجندي المصري "سيد زكريا خليل"، وأثناء اعترافه للسفير المصري أكد أن سيد كان مقاتلًا فذًا، قاتل حتى الموت وتمكن من قتل 22 إسرائيليًا بمفرده، وحينها سلم الجندي الإسرائيلي متعلقات البطل المصري إلى السفير، وهي عبارة عن السلسلة العسكرية الخاصة به إضافة إلى خطاب كتبه إلى والده قبل استشهاده، وقال الجندي الإسرائيلي أنه ظل محتفظًا بهذه المتعلقات طوال هذه المدة تقديرًا لهذا البطل، وأنه بعدما نجح في قتله قام الجندي الإسرائيلي بدفنه بنفسه، وأطلق 21 رصاصة في الهواء تحية لهذا البطل الشهيد . تبدأ القصة حين التحق "سيد زكريا" بالجيش المصري وصدرت تعليمات في أكتوبر 73 لطاقمه المكون من 8 أفراد بالصعود إلي جبل "الجلالة" بمنطقة رأس ملعب بسيناء، وقبل الوصول إلى الجبل استشهد أحد الثمانية في حقل ألغام، ثم صدرت التعليمات من قائد المجموعة النقيب "صفي الدين غازي" بالاختفاء خلف احدي التباب وإقامة دفاع دائري حولها على اعتبار أنها تصلح لصد أي هجوم، وقبل التحرك تعرضت الكتيبة لهجوم من 50 دبابة إسرائيلية مدعمة بطائرات عسكرية، ورغم إغلاق الطرق تمكنت المجموعة من التسلل إلى منطقة المهمة بأرض الملعب واحتمت بإحدى التلال، وكانت قد نفذت مياه الشرب منهم فتسلل أحد أفراد المجموعة وهم "أحمد الدفتار وسيد زكريا وعبد العاطي ومحمد بيكار" إلي بئر قريبة للحصول على الماء، ولكنهم فوجئوا بوجود 7 دبابات إسرائيلية فعادوا لإبلاغ قائد المهمة بأعداد خطة للهجوم عليها قبل بزوغ الشمس . وتم تكليف مجموعة من 5 أفراد لتنفيذها منهم "سيد زكريا"، وعند الوصول للبئر وجدوا الدبابات الإسرائيلية قد غادرت الموقع بعد أن ردمت البئر، وأثناء طريق العودة لاحظ الجنود الخمسة وجود 3 دبابات بداخلها جميع أطقمها، فاشتبك "سيد زكريا" وزميل آخر له من الخلف مع اثنين من جنود الحراسة، وقضيا عليهما بالسلاح الأبيض وهاجمت بقية المجموعة الدبابات وقضت بالرشاشات على الفارين منها، وفي هذه المعركة تم قتل 12 إسرائيليًا، ثم عادت المجموعة لنقطة انطلاقها . بعدها بدأت طائرات إسرائيلية تعلن عبر مكبرات الصوت تطالب أي مصري في المنطقة بتسليم نفسه، وبدأت الطائرات بإنزال مجموعة من الجنود بالمظلات لتمشيط المنطقة، وأثناء ذلك قام الجندي "حسن السداوي" أحد أفراد المجموعة، بإطلاق قذيفة "آر بي جى" علي إحدى الطائرات فأصيبت وبدأ ركابها من الجنود في مغادرتها والهبوط للأرض، فاستقبلهم "سيد" برشاشه، وتمكن وحده من قتل 22 جنديًا، مما اضطر القوات الإسرائيلية إلى استدعاء قوات إضافية لدعم تلك الكتيبة التي تتعرض للهجوم من الكتيبة المصرية، وخلال المعركة استشهد قائد المجموعة النقيب "صفي الدين غازي" بعد رفضه الاستسلام، وتلاه جميع أفراد المجموعة واحدًا تلو الآخر، ولم يتبق سوى "سيد مع زميله أحمد الدفتار" في مواجهة الطائرات وجنود المظلات الذين بلغ عددهم مئة جندي، وبعد نفاذ ذخيرتهما تسلل أحد الجنود الإسرائيليين وأطلق عليهم خزانة رصاص كاملة بحسب اعترافاته . أخبر الجندي الإسرائيلي السفير المصري أن البطل المصري "سيد زكريا" دمر بمفرده وقتها ثلاث دبابات، وقتل طاقمها المكون من 12 جنديًا، ثم قتل سرية مظلات وعددهم 22 جنديًا، هذا وتظل قصة هذا البطل هي وقصص أبطال كثيرة غيره ممن ضحوا بأرواحهم، وسالت دمائهم الطاهرة على أرض سيناء محفوظة بين طيات الكتب لا يعرفها سوى القليلون، ولا تقدم لعائلتهم أي اهتمام أو عناية من قبل الدولة، سوى أن سهلت قوات الجيش رحلة حج لوالد الشهيد "زكريا خليل" في محاولة منهم لتخفيف الأمر عليه، لكنه لم يتحمل ومات بعد عودته من الأراضي المقدسة، رحم الله جميع شهدائنا الأبطال، والذين لولا أن ضحوا بأرواحهم ما كنا نتمتع بحياة كريمة وعزة حتى تلك الأيام .