تكتب الأمم والأوطان تاريخها بدماء أبناءها التي فاضت حماية لكرامة تراب أرضها وتاريخنا المصري حافل بالشهداء والشرفاء اللذين فاضت دماءهم انهاراً لإستعادة كرامة وطن ضاعت يوماً ما، هؤلاء الشهداء صنعوا بطولات ومعجزات تحدث عنها القاصي والداني والعدو قبل الصديق في سبيل عزة وكرامة مصر وفي معركة التحرير واستعادة الكرامة حرب السادس من أكتوبر المجيدة كان لجنودنا بطولات تحدثت هي عن نفسها وستظل راسخة في قلوب كل مصري حتي يرث الله الأرض ومن عليها. ومنذ التاريخ وهذه المنطقة من أرض المحروسة رمز النضال وأول من صانت كرامة مصر وقضوا علي أعدائها وعلي أيدي ملوكها العظام، حيث أمتدت أمبرطورية مصر حتي حدود تركيا والعراق وبلاد بونت في الصومال وليبيا منذ حرر ابطالها وعلي راسهم احمس الأول مصر من الهكسوس وعلي مر التاريخ لم تستكن لغاصب ولم يستطع المستعمرون من الرومان حتي الانجليز مرورا بالفرنسين ان تطأ اقدامهم المدنسة هذه الارض الطاهرة محافظة الاقصر. وفي حرب أكتوبر العظيمة حيث عبر الجندي المصري اكبر مانع مائي وحطم الابطال خط بارليف المنيع وحققوا لمصر نصرا مؤزرا ولم يكن الطريق سهلا بل فرش بدماء الابطال من هؤلاء الأبطال أبناء محافظة الأقصر العريف عبد الحميد الطاهر المولود في الرزيقات بحري، مركز أرمنت بالأقصر، كان شاهدا علي لحظات النصر النادرة في أكتوبر 1973. الرجل الذي رحل عن دنيانا عام 2006 غادر قريته صيف 1964 ليلتحق بالقوات المسلحة، وعندما عاد مصابا بعد العبور بشهر، استقبله أهل الرزيقات بأكملهم عند الجسر الذي يربط القرية بمدينة أرمنت. إعتاد العريف عبد الحميد أن يدون ملاحظات قصيرة في كشكول أصفر، من إنتاج 'شركة الشمرلي' وعبر في هذه الزكريات عن كيف كان ثاني جندي مصري يعبر القناه ويمشي علي تراب مصر الغالي في سيناء وقد سبقه عبد الباقي الرشيدي أول من عبر القناه أيضاً. واذكر اللواء متقاعد محمد محمد الامير المقدم ايامها قائد حرب الصواريخ في المعركة وخبير الصواريخ العالمي والحاصل علي نجمة سيناء وهو ابن قرية ' الديمقراط ' مركز ارمنت والعميد عبد العزيز حسين ابراهيم الذي خاض حرب اليمن وحرب كتوبر والعميد انور مصيلحي عبد الرحمن من سلاح المدفعية وابن ارمنت والرائد احتياط عبد الرحمن محمد ابوالحجاج الذي سمي اكبر شارع في ارمنت بأسمه والعريف احمد محمد الامير من الديمقراط والمجند حسن عطية الله الفرشوطي والمجند العريف ايليا حكيم ميخائيل ولكل منهم سجل حافل من البطولة في حرب اكتوبر المجيده. وغيرهم علي مدي مدن هذه المحافظة العريقة ولكن اسمحوا لي ان اتوقف عند بطل أبطال محافظة الاقصر الشهيد 'سيد زكريا أسد سيناء' أعظم مقاتل في القرن سفير إسرائيل حضر تأبينه وصحف العدو أول من كشف بطولاته.. فقصة الشهيد سيد زكريا خليل واحدة من بين مئات القصص التي ابرزت شجاعة المقاتل المصري، ومن الغريب ان قصة هذا الجندي الشجاع ظلت في طي الكتمان طوال 23 سنة كاملة، حتي اعترف بها جندي اسرائيلي، ونقلت وكالات الأنباء العالمية قصه هذا الشهيد واطلقت عليه لقب 'أسد سيناء'. تعود بداية القصة او فلنقل نهايتها الي عام 1996 في ذلك الوقت كان سيد زكريا قد عد من ضمن المفقودين في الحرب، وفي هذا العام أعترف جندي إسرائيلي لأول مرة للسفير المصري في ألمانيا بأنه قتل الجندي المصري سيد زكريا خليل, مؤكدا أنه مقاتل فذ وانه قاتل حتي الموت وتمكن من قتل22 إسرائيليا بمفرده. وسلم الجندي الإسرائيلي متعلقات البطل المصري الي السفير وهي عبارة عن السلسلة العسكرية الخاصة به اضافة الي خطاب كتبه الي والده قبل استشهاده، وقال الجندي الاسرائيلي انه ظل محتفظا بهذه المتعلقات طوال هذه المده تقديرا لهذا البطل، وانه بعدما نجح في قتله قام بدفنه بنفسه واطلق 21 رصاصة في الهواء تحية الشهداء. تبدأ قصة الشهيد بصدور التعليمات في أكتوبر73 لطاقمه المكون من 8 أفراد بالصعود إلي جبل 'الجلالة' بمنطقة رأس ملعب، وقبل الوصول الي الجبل استشهد أحد الثمانية في حقل ألغام, ثم صدرت التعليمات من قائد المجموعة النقيب صفي الدين غازي بالاختفاء خلف احدي التباب واقامة دفاع دائري حولها علي اعتبار أنها تصلح لصد أي هجوم, وعندئذ ظهر اثنان من بدو سيناء يحذران الطاقم من وجود نقطة شرطة إسرائيلية قريبة في اتجاه معين وبعد انصرافهما زمجرت50 دبابة معادية تحميها طائرتان هليكوبتر وانكمشت المجموعة تحبس أنفاسها حتي تمر هذه القوات ولتستعد لتنفيذ المهمة المكلفة بها. وعند حلول الظلام وبينما يستعدون للانطلاق لأرض المهمة, ظهر البدويان ثانية وأخبرا النقيب غازي أن الإسرائيليين قد أغلقوا كل الطرق, ومع ذلك وتحت ستار الليل تمكنت المجموعة من التسلل إلي منطقة المهمة بأرض الملعب واحتمت باحدي التلال وكانت مياه الشرب قد نفذت منهم فتسلل الأفراد أحمد الدفتار وسيد زكريا وعبد العاطي ومحمد بيكار إلي بئر قريبة للحصول علي الماء, حيث فوجئوا بوجود 7 دبابات إسرائيلية فعادوا لابلاغ قائد المهمة باعداد خطة للهجوم عليها قبل بزوغ الشمس, وتم تكليف مجموعة من 5 أفراد لتنفيذها منهم سيد زكريا وعند الوصول للبئر وجدوا الدبابات الإسرائيلية قد غادرت الموقع بعد أن ردمت البئر. وفي طريق العودة لاحظ الجنود الخمسة وجود 3 دبابات بداخلها جميع أطقمها, فاشتبك سيد زكريا وزميل آخر له من الخلف مع اثنين من جنود الحراسة وقضيا عليهما بالسلاح الأبيض وهاجمت بقية المجموعة الدبابات وقضت بالرشاشات علي الفارين منها, وفي هذه المعركة تم قتل12 إسرائيليا, ثم عادت المجموعة لنقطة انطلاقها غير أنها فوجئت بطائرتي هليكوبتر تجوب الصحراء بحثا عن أي مصري للانتقام منه, ثم انضمت اليهما طائرتان أخريان وانبعث صوت عال من احدي الطائرات يطلب من القائد غازي تسليم نفسه مع رجاله. وقامت الطائرات بإبرار عدد من الجنود الإسرائيليين بالمظلات لمحاولة تطويق الموقع وقام الجندي حسن السداوي باطلاق قذيفة 'آر.بي.جي' علي احدي الطائرات فأصيبت وهرع الإسرائيليون منها في محاولة للنجاة حيث تلقفهم سيد زكريا أسد سيناء برشاشه وتمكن وحده من قتل22 جنديا. واستدعي الإسرائيليون طائرات جديدة أبرت جنودا بلغ عددهم مائة جندي أشتبك معهم أسد سيناء وفي هذه اللحظة استشهد قائد المجموعة النقيب صفي الدين غازي بعد رفضه الاستسلام، ومع استمرار المعركة غير المتكافئة استشهد جميع افراد الوحدة واحدا تلو الآخر ولم يبق غير أسد سيناء مع زميله أحمد الدفتار في مواجهة الطائرات وجنود المظلات المائه, حيث نفدت ذخيرتهما ثم حانت لحظة الشهادة وتسلل جندي إسرائيلي خلف البطل وافرغ في جسده الطاهر خزانه كاملة من الرصاصات ليستشهد علي الفور ويسيل دمه الذكي علي رمال سيناء الطاهرة بعد أن كتب اسمه بأحرف من نور في سجل الخالدين. واذا كان سيد زكريا قد استحق عن جدارة التكريم, فالواقع أن المجموعة كلها برئاسة قائدها لم تكن أقل بطولة وفدائية, فهم جميعهم أسود سيناء ومصر لاتنسي أبدا أبناءها. وقد كرمت مصر ابنها البارسيد زكريا ابن محافظة الاقصر، فبمجرد أن علم الرئيس مبارك بقصة هذا البطل حتي منحه نوط الشجاعة من الطبقة الأولي، كما أطلق اسمه علي احد شوارع حي مصر الجديدة.وسميت مدرسة في قريته البغدادي بأسمة ' مدرسه ثانويه في الأقصر البغدادي الدويكات 'الخضيرات'. واذا كان سيد زكريا قد استحق عن جدارة التكريم، فالواقع أن المجموعة كلها برئاسة قائدها لم تكن أقل بطولة وفدائية، فهم جميعهم أسود سيناء ومصر لاتنسي أبدا أبناءها. أنها سطور خالدة لإبطال مصر الذين صنعوا مجد هذا الوطن وسطروا بحروف من نور صفحة من أنصع صفحاته. وطالب اهالي الأقصر، اللواء طارق سعد الدين محافظ الأقصر، ان يقيم نصبا تذكاريا لهؤلاء الأبطال وأن يتبني تسجيل سيرتهم العطرة.