ترددت طويلا في الكتابة عن هذا الموضوع لتماسه مع ملف شائك متفجر يتعلق بالعلاقة المحتقنه بين المسلمين والنصاري المصريين , وهو احتقان يعود الي عوامل داخلية مردها نظام حكم قهر الجميع وظلم الجميع وراهن لبقائه علي اثارة الفتن تارة مع الأشقاء العرب وتارة بين عنصري الشعب المصري وتعود الي ممارسات حمقاء من بعض المتكلمين في الدين أو باسم الدين علي الجانبين ممن أعطوا أنفسهم الحق في مفاتيح الجنة والنار يدخلون هنا قوما وهناك آخرين , كما تعود الي أيد خارجية تعمل تارة في العلن وتارة تحت جنح الظلام . وخلال فترة ترددي رحت أتحدث طويلا مع أصدقاء مسيحيين ومسلمين عما يجري لعلي أظفر باجابات مريحة عن أسئلة هائمة , وقد تكرم الجميع بما لديهم وهو يقدم تفسيرا لاتبريرا عن بعض مايقع علي الساحة الوطنية. وقبل الدخول الي الموضوع فانني أترحم علي أرواح الأبرياء الذين لقوا وجه ربهم أيا ماكانت ديانة أيهم , وأبدي حزني لكل قطرة دم تراق لبريء سواء كان نصرانيا أو مسلما , مدنيا أو عسكريا فالكل عندي سواء . وأشعر بأسف عميق اذ أضطر الي ابداء شواهد حيدتي بين عنصري الشعب المصري لأن الكثيرين يعبرون عن حيدتهم بالاندفاع بلاهوادة في تعقب أي رمز اسلامي بالادانة والتجريس مع اغفال الطرف بالكامل عما يقع علي الجانب المسيحي , وربما لايكون كافيا أن لي صداقات عمر مع اخوة مسيحيين لأن ذلك شأن خاص عزيز الاثبات , فأنا أورد أن أحد المرشحين للكرسي البابوي وهو الأنبا بيشوي يعرف حقيقة حيدتي , ولازال يذكر – قطعا – أنني وقفت الي جانب الاخوة المسيحيين في واقعة كانوا هم الطرف المظلوم فيها وظللت القاه بين حين وآخر علي مدي شهور متواصلة , ثم تواصلت لقاءاتنا في مناسبات اجتماعية لأصدقاء مشتركين , وكان لنا صديق عزيز مشترك كنا نلتقي في بيته حتي توفاه الله , وربما كان يذكر أنه واخوة كرام من المسيحيين صمموا في احدي اللقاءات علي أن أوقع شاهدا علي أحد عقود الزواج , وهو تحديدا العقد الكنسي , وقد فوجئت برغبتهم النبيلة تلك وتساءلت علي الفور اليس لديكم أي نوع من الموانع أن يشهد مسلم علي عقد زواج مسيحيين فرد الكهنة كلهم بالنفي , وتوقيعي علي العقد لازال قائما شاهدا علي عمق الود بيني وبين أخوتنا في الوطن , وهو ود يصدر عن ايمان عميق أن المسلم قدر المسيحي والمسيحي قدر المسلم في مصر وأن الدين عنصر داعم للعلاقات الانسانية والاجتماعية وأنه لايضيق ولكن الضيق انما يكون في بعض الصدور . ويعلم الله أني أكتب غير مدفوع بدافع غير حبي لبلدي الكريم ولشعبه لاأفرق فيه بين نصراني ومسلم , كما أنني لاأدعي – أبدا – أني أملك ناصية الحقيقة بل أبدي رأيا يحتمل الصواب والخطأ ككل اجتهاد بشري. شاهدت كسائر المصريين ماتيسر عن موقعة ماسبيرو , وتألمت ككل مصري للدم المصري الذي أريق بأيد مصرية , ولكن مالم أقدر علي فهمه أمرين أولهما لغة الاستعلاء في حديث بعض رجال الدين المسيحي وهو استعلاء ممزوج باستقواء , ثانيا موقف الكثيرين جدا من الكتاب الصامتين صمتا محيرا والمبادرين الي تحميل القوات المسلحة ادانة مسبقة قبل أن تقول جهات التحقيق كلمتها , والأنكي أن بعض السباقين الي الادانة من العقلاء والبعض من عقلاء العقلاء ! لا أفهم كيف يقف رجل دين يأمر وينهي ويهدد بجريمة قتل كما يعلن استعداده لضرب محافظ أسوان بالحذاء ! قالها ثم راح يعيدها مشيرا الي حذائه الذي سوف يضرب به المحافظ ! ولايقولن أحد لقد كان الرجل غاضبا فمن جهة لم يكن أحد بعد قد قتل وقت أن قال ماقال ومن جهة ثانية فاننا نشاهد كل يوم مظلومين ومقهورين وجوعي علي الشاشات وهم غاضبون ولكن رائحة الغضب ليست هي بالضبط رائحة ( الفرعنة ) والاستقواء والاستعلاء . وأما موقف الكثيرين من كتابنا فوجه الدهشة أنه فيم المسارعة الي ادانة الجيش قبل أن تصدر الجهات القضائية تقريرا أو اتهاما أو حكما ؟ وفيم الجزم أن قتلي اخوتنا المسيحيين معلومو القاتل وهو الجيش بينما قتلي الجيش مجهول من قتلهم ؟ ولماذا لايتصور أن يدا خبيثة قتلت أولئك وهؤلاء اثارة للفتنة بين أبناء الوطن الواحد سيما وهناك أعداء متربصون لا بالثورة وحدها وانما بمصر كلها ؟ والسؤال يقود الي سؤال أنكي وأعم , وهو لماذا يبادر الكثير من الكتاب الي اتهام الجهات أو الأفراد كلما كانت هناك واقعة تلتبس فيها الحقيقة وبها طرف مسيحي وتواتي الشجاعة البعض فيصول ويجول بينما لا نسمع لهؤلاء الشجعان صوتا ولو كان خافتا كلما كان الخطأ واضحا في جانب قيادة مسيحية ؟ وعلي سبيل المثال فانه ما أن ينطق أحد نكرات المسلمين جملة خائبة تافهه حتي تنبري الأقلام سيوفا مشهرة تندد وتنكر وتطالب برقبة القائل بينما خيم صمت القبور لما قال الأنبا بيشوي المرشح للكرسي البابوي ان المسلمين ضيوف النصاري في مصر , وخيم صمت القبور الا كلمات هامسة هنا وهناك عندما شكك في صحة القرآن الكريم , وخيم صمت القبور عندما تحولت الكنيسة الي دولة داخل الدولة وصارت تحتجز النسوة بسبب انتمائهن الديني , وبالمناسبة فان هذا الاحتجاز ربما شكل في بعض الفروض جريمة جنائية تماما كما أن التهديد بالضرب بالحذاء جريمة جنائية , وأتساءل لأصحاب الشجاعة الانتقائية ماذا لو سلمت نجلاء الامام بعد تنصرها الي الأزهر وقام بحجزها لديه , بالله أستحلفكم هل كنتم تصمتون حقا أم يشهر كل منكم سيفه البتار ويضرب في كل اتجاه ؟! مع ملاحظة أن نجلاء الامام لم تتنصر وتلزم الصمت بل راحت تسب الاسلام علنا وتسخر من القرآن الكريم وقد سمعت بعض ماقالته بنفسي ولا شك أن الكثيرين سمعوا ! ففيم الصمت بحق الله؟ عندما يتحدث بعض المسلمين عن تطبيق الشريعة الاسلامية تقوم قيامة البعض , والي هنا وهم أحرار تماما فيما يقولون ولا عجب فتلك حرية الرأي , ولكن العجب كل العجب أن نفس تلك الأصوات لاتهمس بكلمة احتجاج ولو من باب ذر الرماد في العيون عندما يقول البابا شنودة أنه لايلتزم بأحكام المحاكم وانما يلتزم بالانجيل وحده ولن ينفذ حكما قضائيا ينافي ماجاء بالانجيل !!! وأتساءل أيبقي من الدولة دولة بعدهذا ؟ اليست الكنيسة هكذا دولة فوق الدولة فهي تحتجز المصريات عنوة وقهرا وتنفذ ماتشاء من الأحكام وتهمل ماتشاء ؟ وماذا لو قال شيخ الأزهر انه لن ينفذ أي حكم يتعارض مع القرآن الكريم , ونحن نعلم موقف القرآن الكريم من الربا ومن عقوبات الحدود مما يختلف عما هو مطبق بالفعل في المحاكم , وهل يحق لي كقاضي مسلم أن أعلن أني ملتزم فقط بأحكام القرآن الكريم من باب طلب المساواة مع موقف البابا شنودة ؟ وماذا لو قلت اني لن أحكم الا بالقرآن الكريم , هل تجودون علي بالصمت الكريم أم أصحو وأنام علي قعقعة سيوفكم التي تعرف متي تتحلي بالشجاعة ومتي تتحلي بحكمة الصمت , هذا اذا قدر لي النوم أصلا ؟؟؟!!!!! الا يجد الاخوة الكتاب الصامتون صمت الحكمة البليغة ماأجد من دهشة في موقف الكنيسة ؟ هل تريد الكنيسة دولة مدنية يخضع لها الكل ؟ ام المقصود دولة دينية للمسيحيين ومدنية للمسلمين ؟ السنا أمام ازدواجية في الخطاب الكنسي , ثم ماشأن الكنيسة بمظالم الأقباط من الأصل , وهل يسمح حكام فرنسا وبها مسلمون أكثر عددا ممن في مصر من الاخوة المسيحيين , هل يسمحون هناك لشيوخ المساجد باحتجاز أي مسلمة تتنصر؟ وهل يسمح لهؤلاء الشيوخ أن يعلنوا أنهم لن ينفذوا حكما قضائيا يخالف نصوص القرآن الكريم ؟ وهل نصاري مصر هم رعايا الدولة المصرية وأن ظلم أيهم عار في رقبة الدولة أم أنهم رعايا الكنيسة بحكم أننا نسمع عبارات علي شاكلة الشعب القبطي وفي حدود علمي أننا جميعا أقباط منا المسلم القبطي ومنا النصراني القبطي لأن كلمة قبطي تعود الي سكان مصر بغض النظر عن الديانة ولكنها تطلق عن عمد علي المسيحيين لأغراض في نفوس البعض ! هل يقبل كتابنا الأشاوس أن يدافع الأزهر عن حقوق ملايين المسلمين من سكان القبور ومن يموتون لأنهم مرضي لايجدون ثمن الدواء في مصر بلد الأزهر؟ , وهل لو فعل الأزهر يصمت كتابنا الشجعان شجاعة انتقائية ؟ هل الأمر خاف عليكم معشر كتابنا الأشاوس أم هناك – دائما – مواءمات للصمت ومواءمات للشجاعة؟ عقب الاستفتاء الأخير تكلم أحد الشيوخ عن ” غزوة الصناديق ” وهاجت الدنيا وماجت , ولا اعتراض لي , بل انني استنكر العبارة مع مستنكريها ولكن الاعتراض تحول الي حملة قومية كبري للتنديد والتهويل والترويع عن الخطر الاسلامي القادم , ولم يشفع للرجل أنه قال انه كان يمزح لأن البعض راح يلاحقه مؤكدا أنه كان يعني ماقال وراح البعض يقول ان الأمر جد لا مكان فيه لهزل , والي هنا لااعتراض لي ولادهشة , لكن الدهشة تعود لتطل برأسها صارخة أين أنتم يامعشر المنددين وأحد القساوسة يقول علنا أنه مستعد لضرب المحافظ بالحذاء , ثم يهدد ويتوعد ان لم يتم ما يأمر به ويحدد رد الفعل وهو أن المحافظ سوف يموت موتة شنيعة -علي حد وصفه – خلال ثمانية وأربعين ساعة ! أم أن جهاز الحساسية مبرمج علي أخطاء قوم دون آخرين ؟ هل مرد صمت البعض يعود الي ايثار العافية والسلامة فهو يضرب في المأمون ويصمت عند توقع الخطر متمثلا في ادعاء الصارخين ان من يعبر عن رأيه هو من دعاة الفتنة باعتبار أن وأد الفتنة له طريق مزدوج أن تدين ماهو اسلامي وتصمت عن أي خطأ نصراني ؟ وهل حقا يعود صمت البعض الي أمور تتعلق برأس المال النصراني المسيطر علي بعض منابر الاعلام فالصمت – كما قيل – دفع للمغارم وجلب للمغانم عند البعض ؟ لاشك أن هناك مظالم علي الجانب المسيحي ولكن هناك أيضا مظالم علي الجانب المسلم لأن ظلم مبارك لم يفلت أحدا بسبب دينه , وربما كانت هناك دواعي حقيقية للغضب المسيحي في واقعة كنيسة المريناب وربما لم تكن هناك دواعي بل وربما لم تكن هناك من الأصل كنيسة حسب بعض الروايات وبعضها جاء علي لسان أحد كبار الكهنة , وعلي أي حال فان ذلك أمر تحدده لجنة تقصي الحقائق , ولكن أيا ماكانت دواعي الغضب فهل من حق أحد – فضلا عن يكون هذا الأحد رجل دين يقدم القدوة والمثل – أن يقول ماقال ثم تمر واقعة السب علنا دون محاسبة ودون ماتستحق من صراخ من صرخوا عن غزوة الصناديق ؟ وهل كان السادة كتابنا الشجعان يصمتون صمت الحكمة عن الكلام المباح ازاء هذه اللغة المتدنية لو أن الوضع تم عكسيا أي لو أن المحافظ قال انه يضرب الكاهن بالحذاء وسوف يقتله شر قتلة ان لم يتم كذا وكذا ؟ وهل يشك أحد ذرة شك أن القيامة كانت تقوم ساعتها ونري ونسمع الأعاصير والبرق والرعد من كل صوب وحدب مطالبة برقبة المحافظ جزاءا وفاقا لقولته الشنيعة ؟ وهل الأسلوب الجديد لابداء الطلبات أن تقدم ومعها حذاء مشهر في وجه من لايستجيب وسنجة أو مطواة قرن غزال وبندقية آلية لزوم التهديد بالقتل ؟ وهل يشق الوحدة الوطنية أن نحاسب المخطيء أم يشقها ترك الصدور تغلي من فرط الشعور باستقواء بعض الاخوة المسيحيين بوهم أمريكا التي يراهن عليها البعض في اعادة المسلمين من حيث أتوا الي جزيرة ” المعيز ” علي حد وصف بعضهم ؟ والتي لاتقبل بعودتنا ولاتقدر – قطعا – علي استيعابنا , علما بأنني أعامل في جزيرة المعيز كأجنبي وأدخلها بتأشيرة مسبقة مدفوعة الأجر رغم أن جذر عائلتي لازال في قلب جزيرة المعيز التي لاهي تقبلني مواطنا ولا أنا أقبلها ولا أقبل غيرها- دون مصر الحبيبة- وطنا ! وأيا ماكان سبب استقواء بعض الكهنة وأيا ماكان سبب الموقف العجيب لبعض كتابنا فان حل مشكلات النصاري لايكمن في رفع المطالب بالأحذية المشهرة , ولا بالاستقواء بأمريكا وهي التي لم تحم نفسها في العراق ولا أفغانستان فضلا عن أنها ليست مؤسسة تبرعية تقدم دم أبنائها لنصرة أحد تراه مظلوما بينما قامت هي علي الظلم نفسه متمثلا في ابادة شعب والتنكر لوجوده من الأصل , وقنابلها في كل مكان لاتفرق بين مسلم ومسيحي وبوذي ! ان علاقة أبناء البيت الواحد لاتحتاج الي سياف جاهز لبتر الرؤوس وانما لتفاهم عميق جاد ووعي بضرورة التعايش معا والبناء معا و حل مشكلاتنا – نصاري ومسلمين – انما يكون من خلال ايمان عميق من كل المصريين بأن الوطن ملك للجميع سواسية فلا أقلية ولا أكثرية ولا أصحاب أرض ولا ضيوف , وباقامة دولة مدنية تتكافأ فيها الحقوق والواجبات والفرص , علي أنه لابد من تسليم الجميع بهذا , نعم الجميع دون التفاف ولا التواء ولا استقواء , وأن يبتر عن منبر الوعظ والخطابة كل رجل دين يشهر بالآخرين أو يتناول دينهم بسوء لأن البعض علي الجانبين ترك الرسالة الأصلية للدين وتحول الي بوم ناعق بالبغضاء واثارة الفتن ! سوف تحل مشكلات النصاري يوم تحل مشكلات المسلمين , وسوف تحل علي أرضية لاكنسية ولا أزهرية بل علي أرضية وطنية مصرية !