«الباحث عن الله، يبحث عنه لأنه يرى نقصًا في الوجود لا يكمله إلا الله، أو لأنه يرى إعجابًا بالوجود لا يستحقه إلا الله»، كهذا كان يصف الأديب الكبير «محمود عباس العقاد» الطريق للوصول إلى الله، فتأخذ التفكير وجهه يقصدها ليبلغ مرتبة العارفين بالله، وهذا ما أكده «العقاد» بقوله: «التفكير في حقائق الوجود هو طريق الوصول إلى الله ولا طريق غيره للحواس ولا للعقل ولا للبديهة». ترجم «العقاد» رغبته في الوصول إلى الله، بإصداره سلسلة «عبقريات» التي تناولت سير أبرز الشخصيات في التاريخ الإسلامي والقبطي، ليخلق حوارٍ معهم على الورق في حب الله، فنقرأ له: «عبقرية محمد، عبقرية عمر، عبقرية الصديق، عبقرية ذو النورين عثمان بن عفان، عبقرية علي، عبقرية خالد و عبقرية المسيح». كما أصدر «العقاد» أيضًا كتاب بعنوان «الله»، والذي شهد رحلة بحثه إلى الله، فقال في مقدمته: «موضوع هذا الكتاب نشأة العقيدة الإلهية، منذ اتخذ الإنسان ربا إلي أن عرف الله الأحد ، واهتدي إلي نزاهة التوحيد وقد بدأناه بأصل الاعتقاد في الأقوام البدائية ، ثم لخصنا عقائد الأقوام التي تقدمت في عصور الحضارة، ثم عقائد المؤمنين بالكتب السماوية، وشفعنا ذلك بمذاهب الفلاسفة الأسبقين، ومذاهب الفلاسفة التابعين ، وختمناه بمذاهب الفلسفة العصرية، وكلمة العلم الحديث في مسألة الإيمان. اليوم تمر الذكرى الخمسين على وفاة «العقاد»؛ الذي أثرى الحياة الأدبية والفكرية بمؤلفات لا تزال مرجعًا أساسيٍ لالآف الباحثين، فقد عرف عنه أنه موسوعي المعرفة، فكان يقرأ في التاريخ الإنساني والفلسفة والأدب وعلم النفس وعلم الاجتماع، بدأ حياته الكتابية بالشعر والنقد، ثم زاد على ذلك الفلسفه والدين. دافع في كتبه عن الإسلام وعن الإيمان فلسفيًا وعلميًا، ككتاب «الله» وكتاب «حقائق الإسلام وأباطيل خصومه»، ودافع عن الحرية ضد الشيوعية والوجودية والفوضوية "مذهب سياسي"، كتب عن المرأة كتابًا عميقًا فلسفيًا بعنوان «هذه الشجرة»، يعرض فيه المرأة من حيث الغريزة والطبيعة وعرض فيه نظريته في الجمال. يقول العقاد أن الجمال هو الحرية، فالإنسان عندما ينظر إلى شيء قبيح تنقبض نفسه وينكبح خاطره ولكنه اذا رأى شيئا جميلا تنشرح نفسه ويطرد خاطره، إذن فالجمال هو الحرية، والصوت الجميل هو الذي يخرج بسلاسه من الحنجره ولا ينحاش فيها، والماء يكون آسنا لكنه اذا جرى وتحرك يصبح صافيًا عذبًا، والجسم الجميل هو الجسم الذي يتحرك حرًا فلا تشعر أن عضوًا منه قد نما على الآخر، وكأن أعضاءه قائمة بذاتها في هذا الجسد، وللعقاد إسهامات في اللغة العربيه إذ كان عضوا في مجمع اللغة العربية بالقاهرة، وأصدر كتبًا يدافع فيها عن اللغه العربيه ككتابه الفريد من نوعه «اللغة الشاعرة». ويمكننا أن نتقرب أكثر من عقيلة العقاد بعد معرفه ما قاله الدكتور جابر عصفور، وزير الثقافة الأسبق، عن العقاد: «لم يكن من شعراء الوجدان الذين يؤمنون بأن الشعر تدفق تلقائي للانفعالات، بل هو واحد من الأدباء الذين يفكرون فيما يكتبون، وقبل أن يكتبوه، ولذلك كانت كتاباته الأدبية "فيض العقول"، وكانت قصائده عملا عقلانيا صارما في بنائها الذي يكبح الوجدان ولا يطلق سراحه ليفيض على اللغة بلا ضابط أو إحكام، وكانت صفة الفيلسوف فيه ممتزجة بصفة الشاعر، فهو مبدع يفكر حين ينفعل، ويجعل انفعاله موضوعًا لفكره، وهو يشعر بفكره ويجعل من شعره ميدانًا للتأمل والتفكير في الحياة والأحياء».