ليس من باب السخرية إنما هو تحذير عميق من مضار مشاهدة هذا الشيء المسمى ب"الملحد"، لأنه من التجارب التي بلا شك لها أثر سلبي جدا على ذهن الجمهور وأفكاره عن السينما نظرا لما تتسم به من زيف وادعاء وخرف وجداني ورداءة في التنفيذ لا يجب معها أن نطلق عليها مصطلح فيلم ففي هذا إهانة لتاريخ الفن بأكلمة وليس السينما فقط. إن السينما قبل أن تناقش فكرة أو تطرح هدفا أو مضمونا يجب أن تكون سينما بالأساس، أي يتوافر في الشريط المصنوع الحد الأدنى من تقنيات الكتابة والتنفيذ والإخراج والتمثيل، وأعظم الأفكار في التاريخ لو قدمت بشكل بدائي وخامل لما حازت إلا على النفور، وبالتالي فإن صناعة فيلم لتصوير رحلة شخص من الإلحاد للأيمان هي فكرة جيدة، ولكن تقديمها بالشكل السخيف الذي قدمت به لا يعني سوى أن صناع التجربة لا علاقة لهم بالسينما وبالتالي كان عليهم البحث عن نوع أخر من وسائل الاتصال لتقديم فكرتهم غير الأفلام. «نادر» شاب ملحد لأسباب تافهة، وهو أن والده الداعية يكسب الملايين من وراء البرامج الدينية التي يقدمها- ولا ندري ما هو العيب في ذلك- كما أنه على حد قوله في أحد المشاهد يفرق بينه وبين أخيه في المعاملة-المبرر الميلودرامي الأسخف في الفيلم- ويرفض أن يجعله يتزوج من الفتاة التي تخدمهم في البيت، والتي لا ندري ما علاقتها بالأسرة! ولكن من المرجح أنها متبناة وهو أمر غريب أن يتبنى شيخ فتاة ولديه ابنين شباب ثم يطلب من أحدهم ألا يحبها أو يتزوجها لأنها مثل أخته، وذلك لسبب غير مفهوم أيضا لا شرعيًا ولا إنسانيًا ولكن ربما "هنديا" إن جاز التوصيف. وسواء كانت تلك أسباب مبررة للإلحاد أم لا ولكن تقديمها بالصورة الهزيلة والمزعجة تصويرا وإخراجا ومونتاجا حفزت بداخلنا رغبة في التشفي بالشاب وكرهه بدلا من التعاطف معه خاصة إن الشخص الذي قدم دوره يجب أن يعاقب بتهمة ازدراء التمثيل. إن المخرج، وهو نفسه كاتب هذا الشيء، بعد أن يموت الأب نتيجة مكالمة من صحفي معارض لنشاط الشيخ الدعوي تتهمه بان ابنه ملحد- بلا مبرر سوى أن الشخص الذي قدم دور الصحفي لديه طلة مستفزة تجعلنا نشعر أنه يكره الشيخ لمجرد أنه شيخ وليس لسبب منطقي أو درامي- وبدلا من إن ينصب التركيز الدرامي على الابن الملحد وشعوره بالذنب أو صراعه من أجل الوصول ليقين أو إيمان من أي نوع يتركنا مع أخيه الذي يفسخ خطبته من حبيبته بلا سبب سوى أن أبيه توفى وأخيه أصبح ملحدا! ليتفرغ إلى مقابلة الأشخاص الذين ساهموا في الحاد أخيه كي يفند لهم حججهم ويدخل معهم في سجالات طفولية خائبة لم تبتكر لها اللغة توصيفا بعد لشرح ركاكتها وسطحيتها الفجة. أم يكن من الأولى أن يدخل في تلك النقاشات مع أخيه أو يحاول مساعدته ولكن لا! ،إن صانع هذا الشيء لا تشغله الدراما ولا طبيعة الصراع أو تقنياته، أنه يتصور إن الجمهور-ممن سوف تراودهم بالتأكيد أفكار إلحادية كرد فعل عكسي عقب المشاهدة- سوف يكتشفون من واقع المشاهد الضحلة "إن الله حق" وبهذا يكون قد حقق هدفه حتى ولو أنه نسى شخصيته الرئيسية وعاد إليها في النهاية وقد ملأ قلبها اليقين فجأة نتيجة استضافتها في بيت الله وسماعها القرآن وحوارها مع بائعة "جبنة غلبانة"، تجعلنا نشعر أن الكاتب يسفه من الدين نفسه وليس من الإلحاد فقط. هل شاهد المخرج فيلمه بصورته المحترقة نتيجة فشله في ضبط الإضاءة؟ هل استمع إلى أصوات الأشخاص- ولا نقول الممثلين لأن الفيلم لا يحتوي على أي منهم- وهم يتحدثون بصدى خارق؟ هل استعان بشخص لديه الحد الأدنى من الخبرة بالتصوير أو حركة الكاميرا أو المونتاج؟ ولا داعي للتبرير بضعف الميزانية، فهناك أخطاء تقنية لا علاقة لها بطبيعة الكاميرا أو مستوى الإضاءة ولكن بمعرفة الأشخاص بوظيفة الأجهزة نفسها مثل كل مشاهد الجريدة الصفراء الفاقع وقعها. أن الملحد ليس تجربة تدعو الناس للأيمان بالله سواء عن يقين علمي أو إعجاز روحي وإنما هو دعاية مجانية "للكفر بالسينما" وازدراء الفن يجب أن يعاقب كل من اشترك في تقديمه أو عرضه على الجمهور بحكم المواثيق الدولية لحقوق الإنسان.