ظل الفقراء في مصر ملاحقين من الدولة والمجتمع، خاصة فئة الباعة الجائلين الذين يجدون قوت يومهم بالكاد، فإما أن يضطهدهم النظام الحاكم عن طريق حملات الإزالة والتى غالبًا ما يشوبها الفساد، ففي عهد "المخلوع" كانت تستولى على البضائع وتغرمهم، وتفرض عليهم الإتاوات الدورية والتى كانوا يدفعونها صاغرين. وفى ظل حكم الرئيس المعزول "محمد مرسى"، انتهج نفس النهج، ألا وهو تغليظ العقوبات بدلاً من محاولات الحل الجذرى لهذه الظاهرة الناتجة عن أوضاع اقتصادية متردية، حيث سن القانون رقم 105 لسنة 2012، والذى ينص على تغليظ العقوبة على الباعة الجائلين ومصادرة البضائع والحبس 6 أشهر؛ ليجعل الباعة الجائلين فى وضع أسوأ مطاردين بين رحى القانون وسندان الفقر. وبعد ثورتين يظل الحال كما هو عليه، فهم مطاردون من "الفتوات" والبلطجية، وإن أفلتوا منهم تتلقفهم الشرطة لتفرض عليهم هذه الإتاوات، حتى لو كان معهم تراخيص. في البداية التقينا ب "محسن إسماعيل" 45 عامًا، بائع للملابس بأحد أرصفة السيدة زينب، وقد حضر للقاهرة للبحث عن لقمة العيش الحلال؛ وبسبب أميته لم يجد سوى الرصيف ليبيع عليه بعض الملابس، بدلاً من التسول أو البطالة، ولكن بدأت المضايقات من "فتوات" المنطقة والبائعين، الذين يخافون من منافستهم في السوق، وبمرور الأيام تحسن الحال بعض الشيء. واستطرد قائلا: "كنا بندفع أرضية لأصحاب المحلات علشان يسيبونا نشتغل، وبعدها أخدنا تصريح وافتكرت إن مفيش حد هيقاسمني في رزق عيالي"، ولكن الغريب في الأمر هو إصرار رجال الشرطة والأمناء على فرض إتاوات على البائعين، حتى من معه ترخيص ولا يخشى "البلدية"، ولكنهم يأخذون كل يوم 20 جنيها، وفي المواسم والمناسبات تزيد القيمة للضعف. ويشكو "إسماعيل" من تعامل أمناء الشرطة مع البائعين، وسبهم بأبشع الألفاظ في حال انتهاء اليوم دون تسديد "الإتاوة" المفروضة عليهم، رغم أن هناك حالة من الركود وربما يمضي أسبوع دون أن تُباع قطعة واحدة، وهم لا يراعون ذلك وكل همهم هو مقاسمتنا في رزقنا ورزق أبنائنا، قائلا: "أدينا بندفع علشان نتقي شرهم بس ياريت هما يرحمونا شوية". كما بدأت سيدة في العقد الخامس من عمرها، وهي "فاطمة عبد ربه" 52 عاما، بائعة مناديل أمام وزارة التعليم العالي، تحكي مأساتها قائلة: "زوجي تركني ولا أعلم عنه شيئا، ولدي 5 أولاد، أحدهم كان يعمل نجار مسلح وأصيب في ذراعه أثناء عمله وأصبح عاطلا، كما أن ابنتي الكبرى تزوجت وسافر زوجها فعادت للعيش معي، وابنة أخرى معاقة لا تتحدث وتعاني من تأخر ذهني، وهو ما اضطرني إلى بيع المناديل بجوار وزارة التعليم العالي بوسط القاهرة منذ 6 سنوات". وأكملت حديثها تشكو من أن رجال الشرطة يقتادونها كل يوم والآخر لقسم الأزبكية؛ بتهمة إشغال الطريق وأحيانا التسول؛ رغم أنها بدأت برأس مال 50 جنيها اقترضته من جيرانها، كما أن مكسبها ليس بالكثير ولا يكفيها، ولكن موظفي الوزارة يعطونها شهرية تساعدها على الإنفاق بالمنزل. ورغم نظراتها المشتتة والبائسة، قالت "فاطمة": "اللي مش عاوزنا نقعد ع الرصيف يدينا معاش حتى لو 200 جنيه ومش هيشوفونا هنا تاني؛ لأن أمين الشرطة اللي جاي يقولي يا تجيبي الشاي بتاعنا يا إما هنوديكي القسم معندوش نظر ولا ضمير"؛ مؤكدة أنها تدبر قوت يومها بالكاد وليس لديها فائض تعطيه لأمين الشرطة. وبعيدًا عن الأرصفة والشارع، اتجه الشباب إلى مترو الأنفاق ووجدوا فيه ضالتهم، فتحول إلى "سويقة" كبرى ومأوى للهاربين من بطش رجال "البلدية"، ويقول "محمود عثمان": إنه أحد البائعين الجائلين في المترو، رغم أنه حاصل على ليسانس خدمة اجتماعية منذ عام ونصف تقريبًا، ولم يجد حلا سوى ذلك؛ نظرًا لضيق حال أسرته وعدم امتلاكه رأس مال يعينه على عمل أحد المشروعات الصغيرة. وأكد أن الجميع ينظر إليهم باعتبارهم كيانًا طفيليًا ينمو فى الشوارع، ويتعاملون معهم باعتبارهم بلطجية يفرضون تواجدهم من منطلق القوى والبلطجة دونما حق، ورغم ذلك فهم يقبلون على شراء السلع؛ نظرًا لرخصها عن المحلات ولكنهم يصرون على التأفف والتظاهر بالضجر من البائع. وأضاف "عثمان" أنهم لا يسلمون من مضايقات رجال الشرطة، حيث يتم التحفظ على البضاعة وتهديدهم بعمل محاضر، ولكن بعد دفع 10 جنيهات أو أكثر يتم تركنا لنكمل اليوم، وربما يلاحظ الجميع هذا الأمر؛ حيث يتعامل أفراد الأمن مع المتسولين والبائعين بنفس المنطق وهو "إما دفع إتاوة دورية أو عمل محاضر"، قائلا: "للأسف مضطرين نسمع كلامهم عشان لقمة العيش". أخبار مصر – البديل