«التضامن» و«ويل سبرنج» تنظمان يومًا ترفيهيًا وتوعويًا لفتيات مؤسسة العجوزة    بعد آخر زيادة.. سعر الدولار اليوم الخميس 24 يوليو 2025 مقابل الجنيه المصري    إقبال على العنب والموز.. ارتفاع أسعار الفاكهة بالمنوفية اليوم الخميس 24 يوليو 2025    المشاط: المشروعات الصغيرة والمتوسطة أثبتت قدرتها على دفع جهود التنمية    انخفاض درجات الحرارة في كفر الشيخ.. والعظمى تسجل 37 درجة مئوية اليوم    بالفيديو.. أستاذ تاريخ يوضح أسرار ثورة يوليو 1952    تعليم الغربية: لا إجبار في اختيار نظام الثانوية العامة والبكالوريا اختيارية    "الجبهة الوطنية" يعقد أول لقاء جماهيري بالإسماعيلية لدعم مرشحته داليا سعد    وزير الخارجية: الحكومة حريصة على تقديم الدعم والرعاية لأبناء الوطن بالخارج    استقرار أسعار العملات الأجنبية في بداية تعاملات اليوم 24 يوليو 2025    وزير الري يبحث حالة المنظومة المائية وموقف المرحلة الثانية من تطهيرات الترع    رئيس اقتصادية قناة السويس يوقع 3 عقود صناعية جديدة مع شركات صينية    «يوتيوب» يحقق ارتفاعًا في إيرادات الإعلانات لتصل إلى 10 مليارات دولار    صحة غزة: دخول شاحنات أدوية من منظمة الصحة العالمية لمستشفيات القطاع    إعلام إسرائيلي: وحدات خاصة تشارك بالبحث عن منفذ عملية الدهس في كفار يونا    على خطى اليابان.. الاتحاد الأوروبي يقترب من صفقة تجارية مع الولايات المتحدة    إصابة 9 جنود إسرائيليين في عملية دهس.. مروحيات ووحدات خاصة لضبط منفذ العملية (صور)    راشفورد يكشف الفرق بين برشلونة ومانشستر يونايتد    مصطفى شلبي يعلن نهاية مشواره مع الزمالك ويوجه رسالة للجماهير    فتح باب التقديم الإلكتروني للمدن الجامعية بأسيوط    غرامات وسحب تراخيص لمخالفي تركيب الملصق الإلكتروني    غدا.. تامر حسني والشامي يشعلان ثاني حفلات مهرجان العلمين    حسين فهمي ضيف شرف الدورة الثانية من جوائز الباندا الذهبية    حملة «100 يوم صحة» تقدم 12 مليون و821 ألف خدمة طبية مجانية خلال 8 أيام    من اكتئاب الشتاء إلى حرارة الصيف.. ما السر في تفضيل بعض الأشخاص لفصل عن الآخر؟    مندوب فلسطين: تصويت الكنيست الإسرائيلي للسيادة على الضفة الغربية انتهاك للقانون الدولي    حالة الطقس في الكويت اليوم الخميس 24 يوليو 2025    «زي النهاردة».. محمد سعيد باشا الذي «كان يحب المصريين ويكره الأتراك والشراكسة» حاكمًا على مصر 24 يوليو 1854    لطلاب البكالوريا 2025.. تعرف علي كليات مسار الآداب والفنون    إصابة شخصين إثر انقلاب سيارة بطريق "الإسماعيلية- العاشر من رمضان"    «صفقة قادمة».. شوبير يشوّق جماهير الأهلي حول المهاجم الجديد    «تحسه واحد تاني».. خالد الغندور يهاجم زيزو بعد التصرف الأخير    قصف إسرائيل ومطار «بن جوريون» خارج الخدمة مؤقتًا    أحد الزملاء يخفي معلومات مهمة عنك.. حظ برج الدلو اليوم 24 يوليو    مدنية الأحكام وتفاعلها مجتمعيًّا وسياسيًّا    إصابة 4 عمال إثر سقوط مظلة بموقف نجع حمادي في قنا.. وتوجيه عاجل من المحافظ- صور    أرخص الجامعات الأهلية في مصر 2026.. المصروفات الكاملة وطرق التقديم (القائمة المعتمدة)    موت بإرادة الأب.. النيابة تأمر بدفن جثة ضحية شبرا الخيمة    نهاية سعيدة لمسلسل "فات الميعاد".. تفاصيل الحلقة الأخيرة    علي أبو جريشة: عصر ابن النادي انتهى    تايلاند تعلن إغلاق المعابر الحدودية مع كمبوديا وتستدعي سفيرها مع تصاعد التوترات    روسيا: تعليق عمل مطار سوتشي 4 ساعات بسبب هجمات أوكرانية    إخماد حريق في محطة وقود بالساحلي غرب الإسكندرية| صور    مخرج «اليد السوداء»: نقدم حكاية عن المقاومة المصرية ضد الاحتلال    أحمد نبيل فنان البانتومايم: اعتزلت عندما شعرت بأن لا مكان حقيقى لفنى    حسام موافي لطلاب الثانوية: الطب ليست كلية القمة فقط    بمستشفى سوهاج العام.. جراحة دقيقة لطفلة مصابة بكسر انفجاري بالعمود الفقري    سيف جعفر: فيريرا يتعامل معنا بشكل مثالي.. والصفقات الجديدة إضافة قوية    تصرف مفاجئ من وسام أبوعلي تجاه جماهير الأهلي.. الشعار والاسم حاضران    شوبير يكشف حقيقة اهتمام الأهلي بضم أحمد فتوح    لو مجموعك أقل من 90%.. قائمة الكليات المتاحة ب تنسيق الثانوية العامة 2025    5 معلومات عن المايسترو الراحل سامي نصير    اليوم، تعديلات جديدة في مواعيد تشغيل القطار الكهربائي بمناسبة ذكرى ثورة 23 يوليو    أعراض برد الصيف وأسبابه ومخاطره وطرق الوقاية منه    هل يجوز أخذ مكافأة على مال عثر عليه في الشارع؟.. أمين الفتوى يجيب    محفظ قرآن بقنا يهدي طالبة ثانوية عامة رحلة عمرة    الإفتاء توضح كيفية إتمام الصفوف في صلاة الجماعة    دار الإفتاء المصرية توضح حكم تشريح جثة الميت    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحلة إلى “الوادي” الذي كان “جديدا”: أرض الطاقات المعزولة بالرمال
نشر في البديل يوم 13 - 09 - 2011

* - الشمس حارقة، لكن بلا رطوبة، الامر الذي يجعل الاحساس بالحرارة صافيا، وليس لزجا كالقاهرة ومدن الشمال.
* - الرمال في الواحات هي الحدود، وهي المدى المفتوح، هي المحيط الذي تنشأ فيه القرى، وهي ايضا العدو الذي يهاجم تلك القرى.
* - حفر الابار في منطقة الوادي متوقف بأمر الحكومة منذ خمس سنوات، وهو ما ادى الى توقف عملية زراعة اراضي جديدة.
* - “الوادي الجديد دي محافظة ايه؟؟” سؤال يحكم حصار العزلة حول اهل الواحات
* - مر على المحافظة محافظين جيدين، لكن المشكلة ان القادم ليدير شئون المحافظة، يضع لها خططا من بعيد، خطط لا تتلاءم مع طبيعة المكان، ولا طبيعة الناس، وبالتالي تفشل كل الخطط
* - تخيل لو تعلمت مجموعة من الفتيات كيفية صناعة الثوب الواحي التقليدي، ويتم تسويق هذا المنتج –المرغوب في اسواق اوربا- ثم يعود المكسب للصناع
تحقيق - محمد فرج:
الطريق الى الوادي الجديد طويل، شاق. اثنتا عشر ساعة يقطعها الاتوبيس المتجه من القاهرة الى مدينة الداخلة، بقلب محافظة مصر الاكبر، ما يقرب من 800 كيلو متر قطعها الاتوبيس خلال الليل، بركابه العائدين الى مدنهم البعيدة.
كنا نحن الغرباء في الحافلة، بينما كل الركاب هم غرباء القاهرة العائدين الى مدن لن يصبحوا فيها غرباء.
الوادي الجديد هو أكبر محافظة مصرية اذ تحتل ما يقرب من 44% من مساحة مصر، قبل 1958 كانت تسمى “محافظة الجنوب”، ولكن في هذا العام صدر قرار انشاء المحافظة الوليدة واطلق عليها اسم “الوادي الجديد” في اشارة الى اعلان عبد الناصر عن البدء في إنشاء واد مواز لوادي النيل يخترق الصحراء الغربية لتعميرها وزراعتها علي مياه العيون والآبار بهدف تخفيف التكدس السكاني في وادي النيل. وتصل أول قافلة لتعمير والاستصلاح بالوادي الجديد في الثالث من أكتوبر سنة 1959 ليصبح اليوم عيدا قوميا للمحافظة، وفي العام 1961 دخلت محافظة الوادي الجديد ضمن التقسيم الإداري لمحافظات الجمهورية، وكانت تتكون من مركزيين إداريين هما مركز الخارجة ومركز الداخلة، وفي 1992 تحولت الفرافرة إلى مركز إداري ليصبح للمحافظة ثلاث مراكز إدارية، اما الآن فقد تحول مركز باريس ومركز بلاط إلى مركزين إداري أيضا وبالتالي أصبح للمحافظة خمسة مراكز إدارية.
كانت ساعات الليل أكثر من كافية لمراجعة المعلومات القليلة عن المكان المنسي المتجهين اليه. الركاب تساقطوا نائمين على مدار الطريق الذي يعرفه العائدون، لأسقط نائما انا الاخر قبيل الوصول الى مدينة “موط” عاصمة واحة “الداخلة” في الصباح.
ايقاع مغاير
للصباح توقيت مختلف في الواحات، فنظرا لقسوة الشمس هناك – حيث تعد المنطقة من اكثر اجزاء العالم تعرضا للشمس – يبدأ الصباح مع الفجر، فبعد الصلاة يخرج المزارعون –الذين يمثلون 51% من اجمالي سكان الوادي- الى اعمالهم، ومع العاشرة صباحا حين تبدأ حرارة الشمس في القسوة يبدأ المزارعون في العودة والاختباء، لتخفت الحياة تماما، حتى تنهي الشمس ذروة حرارتها لتبدأ الحركة خفيفة بعد العصر، ونظرا لان الوقت رمضان تبقى الحياة في أقل مستوياتها حتى يحين الافطار.
لذا لم نجد عند وصولنا من كان يفترض ان يكون في استقبالنا، ولم يكن امامنا سوى اللجوء للفندق للخلاص من تعب ساعات الليل التي راحت في السفر.
بعد العصر، قررنا التجول في المدينة الصغيرة التي تحمل اسم زوجة الاله امون “موط”..الشمس حارقة، لكن بلا رطوبة، الامر الذي يجعل الاحساس بالحرارة صافيا، وليس لزجا كالقاهرة ومدن الشمال.
مركز “موط” يبدو حديثا، أبنية اسمنتية لا يتجاوز عمر اقدمها العشر سنوات، ولا يزيد عمر اقدمها على العشر سنوات، وجود الاسمنت وسط هذه الحرارة الجافة للمكان، يذكر من جديد بخطأ اخر من اخطاء توهم التحديث الذي ضرب البلاد المصرية منذ السبعينات حيث تم تغيير الطرق القديمة والمناسبة لطبيعة الارض والمناخ، ليصبح الطوب والاسمنت هما المرادفين لمعنى التحديث والترقي في العقلية المصرية.
تقريبا لا يوجد مارة، قليلون جدا، وعربات تمر بين الحين والاخر..فالوقت الان لانتظار الافطار..
الفن ميدان
لم يكن الذهاب الى “الداخلة” خالصا لوجه الوادي الجدي، ولكن الهدف من الرحلة كان تغطية احتفالية “الفن ميدان” التي يقيمها “ائتلاف الثقافة المستقلة” في السبت الاول من كل شهر. “الائتلاف” في نهاية فبراير الماضي من اكثر من ثمانين مؤسسة ومركز وجموعة ثقافية وفنية، قرر ان ينزل الى الشارع لصنع حالة فنية مختلفة. حيث تعتمد فكرة الاحتفالية على اقامة عدد من الانشطة الفنية مثل الغناء، والمسرح، القاء القصائد الشعرية، الرسم في قلب ميادين مختلف المدن المصرية.
وبدأت الاحتفالية في ميدان عابدين بالقاهرة، وميدان سعد زغلول بالاسكندرية، ثم وصلت الى المنيا واسيوط واخيرا الوادي الجديد في الخارجة للشهر الثاني على التوالي ، وفي الداخلة للمرة الاولى.
تقوم احتفالية “الفن ميدان” على صنع حالة من التفاعل بين صناع الفنون المختلفة مع الجمهور العادي، الذي لا يحتك بهذه الفنون في حياته اليومية، كما اخبرتنا سمية عامر مديرة دار “كيان” للنشر وعضوة الائتلاف، والمنظمة للاحتفالية في الوادي الجديد، وتكمل حديثها قائلة “بدلا من البكاء على استيلاء السلفيين والاسلاميين على الشارع، وبدلا من الخوف من المزاج الديني المتحفظ عند المواطن، قررنا النزول لعرض اعمالنا الفنية على الناس في الميدان.. نحن نحاول استلهام حالة ميدان التحرير الثورية، ولكن هذه المرة كمحاولة لخلق حالة فنية اخرى، الهدف الاساسي لها هو المواطن”.
انتشار “الفن ميدان” عبر المحافظات قائم على الجهود الذاتية للمشاركين في الائتلاف، وعلى الرغم من ذلك تقول سمية “بدأت الاشاعات في التحدث عن تلقى الائتلاف ل”تمويلات أجنبية” وهو ما وصفته بانها يجافي الحقيقة تماما، فالمشاركون في الائتلاف قرروا ان تكون الانشطة كلها بالجهود الذاتية للمشاركين على الرغم من التخوفات من توقف الاحتفالية نظرا لضعف الموارد.
عمل جماعي..كلاكيت اول مرة
من اجل التغلب على مسألة ضعف الموارد، حاول الشباب المنظمين للاحتفالية في “موط” الاستعانة بمدير قصر الثقافة بالمدينة من اجل استعارة بعض اجهزة الصوت والاضاءة والمناضد، لكن تباطؤ الرجل جعل الاستعدادات التي كان من المفترض ان تبدأ بعد العصر، تقام بعد العشاء..لتبدأ الاحتفالية متأخرة عن ميعادها نحو الساعة.
من ناحية اخرى لم يقم الشباب بحملة دعاية كافية للاحتفالية، اذ تباطئت عملية استخراج التصاريح اللازمة لاقامة احتفال في الشاع وبالتالي اغلاق وتعديل الطرق المرورية للمدينة الصغيرة، ومن ناحية اخرى كان هناك احساس خفي بعد القدرة على اقامة احتفالية مثل هذه، حيث انها المرة الاولى للجميع للمشاركة في عمل جماعي..وفي الشارع.
ولكن بالفعل بدأت الاحتفالية..متأخرة قليلا، ولكنها بدأت بالفعل، وكانت البداية مع بعض ايات القران، ثم التواشيح الدينية القاها الشيخ منصور ميلاد،ثم غناء لفرقة الداخلة للفنون الشعبية، وتلا ذلك القاء قصائد شعرية للشعراء طارق فراج، اسلام سلامة، عاطف حسن، محمد فتحي، وأخرين. وبين الغناء والقصائد، تم تخصيص مكان للاطفال وتوفير ادوات رسم من الوان واوراق، ليجلس الاطفال في جانب من ميدان الاسعاف الذي اقيمت به الاحتفالية من اجل الرسم والتلوين. الجزء الخاص بالاطفال كان هو الاكثر جماهيرية، حيث كان الاطفال هم الاسرع، في الاقتراب عندما ارتفعت اصوات الغناء، وجذبتهم امكانية استعمالهم ادوات الرسم والتلوين في تمضية الوقت بشكل مختلف..وفي الشارع أيضا.
نقد ذاتي
الاحتفالية انتهت قبيل منتصف الليل، حالة من الحماس اجتاحت الشباب الذين قاموا على تنظيم الاحتفالية يجلسون معا لمناقشة ما حدث .. هناك مشكلة في الدعاية، وبالتالي في اجتذاب الحضور، هناك حاجة لتنوع الانشطة قليلا، ولكن الاحساس بنجاح التنظيم، واقامة الاحتفالية بالفعل كان دافعا للحماس لتلافي تلك المشاكل في المرة القادمة المفترض اقامتها الشهر المقبل.
الرمال...الحياة
الرمال في الواحات هي الحدود، وهي المدى المفتوح، هي المحيط الذي تنشأ فيه القرى، وهي العدو الذي يهاجم تلك القرى، وهي متنفس الخروج، الكثبان الناعمة التي تحيط بالجميع، الغرود الرملية التي يريد الجميع هناك زراعتها ووقف تغولها، وهي ايضا الملجأ الوحيد للخروج من دوران الحياة اليومية التي تسحب الجميع.
لذا كانت دعوتنا للخروج الى احد الغرود الرملية على اطراف قرية “القلمون” او “قلم أمون” الاله الفرعوني القديم.
في الوادي، وعلى الرمال، بعيدا عن المدن الكبيرة يمكن للقمر ان يظهر واضحا، جليا، وان نرى ضوء القمر بعيدا عن كلمات الاغاني..هناك للقمر وجود فعلي، وضوء محسوس على الرمال الناعمة التي لا يحدها البصر، وهناك بدأ حديث عن الارض والرمال والمياه المختفية بالاسفل.
الارض والماء
في الوادي الارض لا تشترى، ولكن ما يشترى هو الماء، ماء الابار..فالارض موجودة، شاسعة، واسعة، ولكن كلها رمال. فالفيصل اذن ليس الارض، ولكن الماء الذي يمكن ان يجعل للارض معنى..للرمال الملساء، المجردة من الحياة، لون اخضر هو لون الحياة. لذا عندما يشتري الناس هناك، يشترون مياه بئر او جزء منها...هكذا اخبرنا محمد فتحي المدرس صباحا، والمزارع ظهرا، والشاعر ايضا، وتابع قائلا تقسم مياه الابار تبعا للوقت حيث يطلق على الوحدة الزمنية من شروق الشمس حتى غروبها او العكس اسم “أميلة”، لذا يشتري الناس “أميلة” او نصف وهكذا، وبالتالي يختلف سعر الاميلة حسب القرب من البئر او البعد عنه وايضا حسب عمق البئر او ارتفاعه، وحسب الدراسات فالوادي الجديد يرقد على خزان ضخم للمياه الجوفية التي يستعمل المزاعون جزء بسيط منها حتى الان.
ولكن الحكومة اوقفت حفر الابار في منطقة الوادي منذ خمس سنوات، وهو ما ادى الى توقف عملية زراعة اراضي جديدة. وبحسب فتحي فتحي تنقسم الابار في الوادي الى ابار سطحية يصل عمقها الى حوالي 120 متر، وهي التي يستعملها غالبية المزارعين في ري اراضيهم، وفي زراعة اراضي جديدة، وهي التي اوقفت الحكومة اصدار تراخيص بحفرها منذ خمس سنوات. وهناك “ابار الاستثمار” والتي يصل عمقها الى 500 متر وبالتالي هي قادرة على الوصول وجذب كمية اكبر من المياه، وهي مخصصة فقط لرجال الاعمال الذين يشترون من الدولة رأسا حق الانتفاع باراضي الوادي، وتلك الابار لم توقف الحكومة حفرها. والنوع الثالث هو الابار الحكومية والتي يصل عمقها الى 1200 متر والتي تستعمل مياه في اغراض الشرب لكافة سكان الوادي.
وهكذا يجد الشباب انفسهم محاصرين في المساحات القديمة بدون قدرة على الخروج الى اراضي جديدة، رغم البراح البادي امامهم ولكن الممنوح فقط للاغنياء ولا عزاء للشباب.
الوادي الجديد...فين؟؟
الشعور بالعزلة هو ما يخيم على اهل الوادي. بعد المسافة عن المركز / العاصمة، او حتى عن المدن الكبيرة –فاسيوط المدينة الاقرب للواحات تبعد عن الداخلة بحوالي 430 كيلو متر- وبالتالي الوافد قليل، وضيق سبل الحياة في الوادي هو ما يدفع اهلها للغربة بعيدا..وايضا عدم معرفة الباقي بهم، فهم بعيدون وبالتالي مجهولون.
يحكي محمد بكير صاحب محل موبيلات بالخارجة انه عندما يتصل بخدمة العلاء في شركات العملاء، ليخبر الموظف انه فلان من مدينة الخارجة في الوادي الجديد، فيسأله الموظف “الوادي الجديد دي محافظة ايه؟؟” سؤال يتكرر بتكرار الاتصال، ويتكرر مع الكثيرين بطرق مختلفة، ليشعر اهل الواحات انهم بعيدون، غير معروفين، وبالتالي غير مهمين لاهل المركز الذين يمتلكون كل شيء بينما لا يملك اهل الوادي امام مثل هذه الاسئلة الا الشعور بزيادة حصار العزلة حولهم.
ليست العزلة هي فقط ما يشعر به اهل الوادي، ولكن ايضا الطاقة المهدرة، فالجميع يرى امكانات في كل شيء، في الرمال المترامية التي يمكن ان تصبح ارضا خضراء، في الشمس القاسية التي يمكن ان تتحول قسوتها لطاقة، في المياه المحبوسة تحت الارض، في الشباب المجبر على الخروج الى البعيد، او الخمول في الداخل. وليس موضوع حفر الابار ومنع التراخيص سوى نموذج صغير على الامكانات الموقوفة عن العمل وعن الحياة.
الثورة...فين؟؟
هل مرت الثورة من هنا؟؟ سؤال يشغل بالنا منذ وصلنا الى الداخلة، كيف تأثر الناس بما حدث، وهل شاركوا فيه، وكيف؟ الاجواء الهادئة للمكان لا تعطي اجابة واضحة عن اسئلة كهذه؟ ايضا لافتات حزب “حرية والعدالة” الاخواني و”النور” السلفي تقول ان اصداء الحدث الكبير وصلت الى الاركان البعيدة وبدأت في العمل، ولكن ماذا عن الباقي...
“الناس هنا طيبين” جملة سمعتها كثيرا على السنة الناس، ويوضح الشاعر”طارق فراج” الجملة بان نمط الحياة وايقاع اليوم والطبيعة الجغرافية للمكان تجعل العنف بعيد عن اخلاق وتعاملات الناس، ومن ناحية اخرى اشار طارق الى نقطة هامة وهي ان اهل الواحات تربطهم علاقة خاصة بالحكومة فعلى مدار التاريخ كانت الدولة هي الفاعل الوحيد في المنطقة وكل الانجازات التي شهدتها المنطقة هي من فعل الدولة سواء مدارس او ابار او مستشفيات – وحتى وان كانت لا تعمل ويضطر الاهالي للسفر الى اسيوط- وطرق كل هذا من فعل الحكومة، وبالتالي تبقى الفكرة الشائعة ان الحكومة هي التي بيدها الامر وان المستقلين لا يمكنهم ان يقوموا بما تقوم به الحكومة وبالتالي الحكومة هي الافضل حتى لو كانت متأخرة في الانجاز.
هذه الرؤية هي ما كانت تجعل مرشحي الوطني دائما ما يفوزون في الواحات في السابق، وايضا هي ماجعلت الاهالي خلال ايام الثورة ينتظرون فقط ما ستسفر عنه الاحداث. والاحداث التي شهدتها مدينة الخارجة في بداية فبراير، من اشعال نيران في قسم الشرطة كانت رد فعل قبلي على اهانة مأمور القسم للاهالي اكثر منه فعل سياسي شبيه بما حدث في ابقي المدن المصرية.
لكن وصول الاحزاب الدينية الجديدة بدعايتها الى المنطقة هو ما يطرح على الاهالي اسئلة جديدة من نوعها، كما كافة اهل مصر، ولكن غياب الاحزاب الاخرى عن المنطقة يطرح ايضا سؤال كبير عن كيفية صنع تفاعل سياسي في المحافظة الشاسعة والتي تحتاج الى من يطرح عليها مشاريع سياسية وتنموية مختلفة.
وزارة للتراث المنسي
في طريق العودة قررنا التوقف في مدينة “الخارجة” عاصمة الوادي الجديد، ولكن الوصول الى الخارجة التي تبتعد 200 كليو متر عن “موط” تتطلب التحرك بايقاع الواحات، لذا في السادسة صباحا كنا في الموقف، ولكن لم يحالفنا الحظ لنجد ركابا يريدون التحرك الى عاصمة المحافظة، لذا كان لابد من الانتظار ثلاث ساعات الى ان شارفت العربة على الامتلاء، لنصل الى الخارجة حوالي الثانية عشر ظهرا أي في ذروة حرارة الشمس، في الوقت الذي تخفت فيه تماما نبرة الحركة والحياة.
قبل دخول العربة الى الخارجة، حيث تمتد الكثبان الرملية تحت الشمس الحارقة على طول الطريق ثم فجأة تبرز عمارات اسمنتية جديدة وبعضها لازال تحت الانشاء، منظر العمارات الاسمنتية المنتصبة في الرمال وتحت الشمس، يذكر مرة اخرى بانعدام التخطيط الواقعي المناسب لطبيعة المكان، لتبدو الابنية الجديدة، اشبه بافران بناها اصحابها ليحترقوا بداخلها.
“مر على المحافظة محافظين جيدين، لكن المشكلة ان القادم ليدير شئون المحافظة، يضع لها خططا من بعيد، خطط لا تتلاءم مع طبيعة المكان، ولا طبيعة الناس، وبالتالي تفشل كل الخطط لانها قادمة من بعيد، من غرف مغلقة بالعاصمة، لا يعرف واضعوها كيف يعيش الناس هنا” هكذا حدثنا الشاعر والفنان مصطفى معاذ ابن مدينة الخارجة، وصاحب “متحف مصطفى معاذ البيئي المفتوح” يتمنى معاذ لو كانت هناك وزارة للتراث، تهتم باكتشاف الفنون التراثية المصرية في الملبس والحلي والعمارة وتقوم بتطويره وتصنيعه وتسويقه داخل مصر وخارجها.
“دول العالم المتقدم تهتم بتراثها، بينما تراثنا يموت ويندثر ولا حد يهتم” هكذا يكمل معاذ حديثه متحدثا عن الامكانات الكامنة في تراث الواحات وكيفية استغلاله وبالتالي توفير فرص عمل للشباب الواحي الذي يموت من البطالة وايضا بدون دفعه للتكدس في القاهرة.
“تخيل معي لو تعلمت مجموعة من الفتيات كيفية صناعة الثوب الواحي التقليدي، ويتم تسويق هذا المنتج –المرغوب في اسواق اوربا- ثم يعود المكسب للصناع، وقس على ذلك الاعمال الفنية الفطرية التي يقوم بها ابناء الواحات من حفر على الخشب وفخار وغزل وصناعة سجاد، كلها اعمال ذات طبيعة خاصة لنشأتها في الوادي وايضا لها طابع مصري خالص غير مصطنع ولا مستورد”.
هكذا يحلم مصطفى بأن يعاد اكتشاف المكان بكل تفاصيه مرة اخرى، وان يتم التعامل معه بشكل علمي على حد تعبير معاذ وهو ما يعني التعامل مع طبيعة المكان كما هي، وليس عبر تصورات غير واقعية.
حديث مصطفى الاخير قبل عوتنا الى القاهرة كان مؤلما، الم بحجم المساحة الضائعة، والطاقة المهدرة، والامكانات المحبوسة لما يقرب من نصف مساحة مصر المجهولة.
أهل الوادي المعزولين ممتلئون بالطاقة والرغبة في الحياة، لكن الشموس المتكررة والرمال الزاحفة تمتص هذه الطاقة وتبددها بدلا من العكس... العكس هل يبدو مستحيلا؟! كلا..ربما يبدو بعيدا، ولكن ربما يأتي يوم وتنفجر فيه طاقة الواحات لتصنع منها واديا جديدا حقا لا كثبان رملية تحرقها الشمس.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.