سيوة واحة الجمال التي منحتها الطبيعة أجمل ما لديها من كنوز وجواهر.. تكثر فيها بحيرات الماء.. تحيطها أشجار النخيل من كل صوب لتشكل عقدا فريدا أخضر اللون حولها أطلال أزمان غابرة ومدن عتيقة وكثبان رملية عملاقة.. يحيا فيها بشر أدركوا سر الطبيعة واحتووه في قلوبهم.. وترجموه في أفعالهم.. كل هذا معرض للزوال.. بفعل خطر ارتفاع مستوي المياه الجوفية.. وزيادة مسطحات المياه المهدرة من 6 آلاف فدان إلي أكثر من 47 ألف فدان.. حكاية سيوة.. والخطر الذي يتهددها نرصده في السطور التالية. وأجمل ما في واحة »سيوة«.. هي الحكايات التي نسجت خيوطها عبر الأزمنة المختلفة لتصنع منها »أسطورة خالدة« يصعب محوها من الذاكرة مهما كانت المغريات أو الضغوط أو حتي تقلبات الزمن.. ولأنها حكايات وأساطير وعادات وتقاليد ثرية ثراء هذه البقعة الخلابة.. فإنه يصعب تحديد بداية حكاية »واحة سيوة«.. لكن أجمل وأحلي الأساطير.. هم »السيويون« وهم مفتاح سر هذه الواحة حيث ظلوا عبر تاريخها بحكم تكوينهم العرقي والثقافي مرتبطين بعلاقات وطيدة مع المجتمعات التي شكلت في مجملها ثقافة الصحراء الكبري الأفريقية وشكلت مع الواحات الأخري محطات أساسية في رحلات القوافل عبر الصحراء ما بين أقصي المغرب ووادي النيل.. و»السيويون« أشخاص محافظون ليس من طباعهم تشجيع العلاقات الحميمية مع الغرباء.. وهو ما جعل سيوة أقرب إلي عالم مستقل بذاته علي مر السنين رغم أنها تتبع الدولة المصرية منذ 350 سنة وأهلها كلهم مسلمون وغالبيتهم ينتمون إلي الطريقة »السنوسية« التي تنتشر في شمال أفريقيا.. ووجوه أهلها أغلبها »سمراء« حيث توجد نسبة من السكان من أصل أفريقي »أسود« من غرب أفريقيا جنوب الصحراء وهم »التكرور« الذين أثروا ثقافيا في الواحة منذ القدم.. بالإضافة إلي النسبة الأعظم من »الأمازيغ« الذين يتكلمون اللغة »السيوية« وهي إحدي تنويعات »اللغة الأمازيغية« وبالمناسبة مازالت حتي الآن هي اللغة السائدة في الحوار بين الأهالي في الواحة الواقعة في الصحراء الغربية بالقرب من الحدود المصرية الليبية.. وتبعد حوالي 300 كيلومتر عن ساحل البحر المتوسط إلي الجنوب الغربي من مرسي مطروح.. وهؤلاء السكان يصل عددهم إلي ما يقرب من 25 ألف نسمة.. يعملون في الزراعة التي تقام حول عيون المياه المتفجرة في الصحراء وبكميات عظيمة كعين »تجزرت« وعين »الدكرور« و»قوريشت«.. وتشتهر سيوة بزراعة نخيل البلح والذي يبلغ عدده نحو 540 ألف نخلة ما بين مثمر وغير مثمر ومتوسط المحصول السنوي منه نحو (50) ألف قنطار بالإضافة إلي زراعة أشجار الزيتون والحبوب كالقمح والشعير. هنا يقول »عبدالله باغي.. أحد النشطاء البيئيين بسيوة« وهو بالمناسبة سبق أن اختارته هيئة الأممالمتحدة منذ عدة أعوام كأفضل الأشخاص الذين ساهموا بجهودهم في الارتقاء بمجتمعاتهم علي مستوي العالم: هناك قانون غير مكتوب يحكم علاقة السيوي بما يحيطه يقوم علي التوازن بين البيئة والطبيعة في كل شيء.. حتي في بناء منزله.. حيث يعتمد علي ما يفيض به خزان المياه الوفير بالواحة علي جانبيها الغربي والشرقي فيكون خليطا من الطين والملح ويتحول بفعل الرياح إلي مادة تسمي بلغة أهل سيوة »الكراشيف« يتم تخميرها لمدة تصل إلي 4 أيام ثم يتم عجنها قبل أن تصب في شكل قوالب مثلما يحدث عند تجهيز »الطوب اللبن« في الريف. ومن بين معالم سيوة السياحية والأثرية الأخري أطلال مدينة شالي القديمة الموجودة في حضن الجبل.. أما أهم العيون والآبار في سيوة فهي عين العرايس وفنطاس وملول والحموات وحمام كليوباترا الذي يقال إن كليوباترا كانت تستحم فيه.. ويندر جدا أن تسقط الأمطار في الواحة.. والتي تتميز بمناخها القاري شديد البرودة شتاء وشديد الحرارة صيفا ومعتدل في الربيع والخريف.. ولابد لزائر سيوة أن يقوم بزيارة واحة »الجارة« أو »أم الصغير« والتي تعد أصغر واحة في مصر حيث لا يتعدي سكانها 340 نسمة لا يزيدون ولا ينقصون.. ويسود اعتقاد قديم لدي الأهالي أنهم لو أنجبوا طفلا في الصباح فإن شيخا من كبار السن سيموت في المساء وتصادف أنه كثيرا ما كان يحدث ذلك. طوق نجاة أزمة ارتفاع مستوي المياه الجوفية بواحة سيوة فرضت علي الحكومة سرعة التحرك لانتشال الواحة التي يعمل أغلب سكانها بالزراعة من الغرق الذي يتهددها.. من خلال خطة عاجلة تشترك في تنفيذها عدة وزارات وهيئات. هذه الأزمة يرصدها »الدكتور محمد نصر الدين علام.. وزير الموارد المائية والري« والذي يقول: إن إنشاء الآبار الجوفية العشوائية غير المرخصة وراء المشاكل الخاصة بالصرف التي تعاني منها الواحة حاليا.. والتي انعكست علي زيادة مسطحات المياه المهدرة من 6 آلاف فدان إلي أكثر من 47 ألف فدان حاليا.. وتهديد مساحات كبيرة من زراعات النخيل والزيتون التي تشتهر سيوة بزراعته.. وتعد سيوة واحة مغلقة يصل منسوبها إلي (18-) مترا عن مستوي سطح البحر.. وكانت تقتصر علي زراعة ما يتراوح ما بين 2 إلي 3 آلاف فدان خلال الستينيات من القرن العشرين قبل أن ترتفع لتصل حاليا إلي 20 ألف فدان.. ولما كانت المنطقة منخفضة وتعتمد علي الخزان الجوفي السطحي في منطقة »الحجر الجيري« المليء بالكثير من العيون تحولت إلي 4 منخفضات كانت تشغل مساحة لا تتعدي 6 آلاف أفدنة ارتفعت الآن إلي 47 ألف فدان من المياه المهدرة بسبب التوسع الزراعي وحفر المزيد من الآبار العشوائية التي تتدفق مياهها باستمرار.. وبئر المياه الجوفي الذي يكفي لزراعة مساحة تصل إلي 40 فدانا يخدم حاليا ما بين 2 إلي 3 أفدنة بينما لا يتم استغلال فائض هذه المياه وتتسرب إلي مناطق البرك مما أدي إلي ارتفاع ملوحة التربة.. وتحولت مساحات من الأراضي المزروعة بالنخيل والزيتون ذات الجودة والإنتاجية العالية إلي أراض مهددة بالبوار بسبب مشاكل الصرف الزراعي التي تعانيها حاليا المنطقة.. وصحيح أن الوزارة بدأت منذ عام 1996 برنامجا موسعا لحل مشاكل الصرف في الواحة والذي كان عبارة عن إنشاء مصارف مفتوحة تصل إلي هذه البرك بالإضافة إلي إغلاق الآبار العشوائية وإحلالها بآبار نظامية مبنية علي نظم هندسية سليمة.. وخلال الإثني عشر عاما الماضية تم إنفاق أكثر من 120 مليون جنيه من أجل هذا الغرض إلا أن معدلات الأداء البطيئة تسببت في تزايد مساحات برك المياه بصورة أدت إلي إصابة الأراضي الزراعية بالملوحة. والأمر الذي يجب أن يدركه الجميع أن حل هذه المشكلة يتطلب تكاتف جميع الأطراف المعنية مثل الأجهزة التنفيذية والشعبية وكذلك شيوخ القبائل بالواحة.. ومن بين الحلول التي ستقوم بها الوزارة الغلق الفوري للآبار في المناطق التي يصل فيها منسوب الماء الأرضي إلي أكثر من متر بالإضافة إلي عمل قنوات لدي الأراضي تكون بديلا للآبار التي تم غلقها.. مع الالتزام بعدم التوسع الزراعي في المرحلة الحالية لحل مشاكل الصرف في الوقت الحالي. محمية طبيعية إجراءات الحماية لواحة سيوة التي توصف بأنها جوهرة الصحراء لا تتوقف عند هذا الحد.. خاصة وإنها مصنفة ضمن أهم المحميات الطبيعية في مصر.. وإحدي أهم العلامات في قائمة التراث المصري.. هذا الأمر يؤكده »المهندس ماجد جورج.. وزير الدولة لشئون البيئة« بقوله: »سيوة« واحة تقع ما بين منخفض القطارة وبحر الرمال المصري في الصحراء الغربية.. وتتميز بمجموعة من الخصائص التي يصعب وجودها في أي مكان آخر فعلي سبيل المثال بها نوعان من الحيوانات البرمائيات و28 نوعا من الثدييات مثل الغزلان والثعالب و32 نوعا من الزواحف و52 نوعا من الحشرات و164 نوعا من الطيور كما أن بها أكثر من 230 عين مياه طبيعية.. وتشتهر محمية سيوة وخاصة منطقة »تبغيغ« والتي يرجع عمرها إلي عصر الأيوسين الأوسط (42 مليون سنة) بوجود العديد من التكوينات الصخرية المليئة بالحفريات الفقارية واللافقارية.. ومؤخرا قام فريق متخصص من محميتي سيوة ووادي الريان وجامعة ميتشجان الأمريكية بدراسة أولية للمحمية.. وتم من خلالها إعداد خريطة جيولوجية لتتبع طبقات الأيوسين داخل المحمية ورسم قطاعات جيولوجية توضح الطبقات المختلفة ووصف تفصيلي للمحتوي الحفري والصخري لمنطقة تبغيغ ووصف الحفريات الفقارية الموجودة بالطبقات.. وقد أقرت فرق الدراسة بضرورة إجراء دراسة تفصيلية لمنطقة تبغيغ وبحر الرمال والبدء في إجراءات حماية منطقة »تبغيغ« وتوسيع حدود المحمية وخاصة القطاع الأوسط ليشمل مواقع حفريات عرائس البحر.. وعمل تصاريح للعمل بالمنطقة والتنسيق مع حرس الحدود لحماية المنطقة.. والتنبيه علي مرشدي سياحة السفاري عدم جمع الحفريات أو أخذ مجموعات سياحية لأماكن الحفريات وإبلاغ جهاز شئون البيئة حال العثور علي مواقع جديدة مع وضع لافتات بالمطارات والموانئ توضح عدم جمع الحفريات أو تهريبها للخارج. هذه الجهود تصب كلها في خانة حماية سيوة وإبقائها في صورتها الحالية والتي تجذب عاما بعد الآخر مزيدا من السياح.. وهذا ما يقوله »اللواء أحمد حسين محافظ مطروح« والذي يضيف موضحا: الواحة تشهد حاليا نهضة سياحية كبري متمثلة في تشييد العديد من المنتجعات السياحية ذات الطراز المعماري البيئي المستوحي من التراث السيوي.. كما أنه سوف يتم قريبا تشغيل مطار سيوة لخدمة الطيران المدني بالتنسيق مع وزارة الطيران المدني لخدمة السياحة بالواحة التي تضم مقومات طبيعية هائلة تجذب إليها الكثير من السياح من مختلف دول العالم ومن أهم تلك المقومات الآثار الموجودة بها مثل قاعة تتويج الإسكندر الأكبر وأطلال مدينة شالي القديمة وجبل الموتي الذي يضم مقابر فرعونية منحوتة في صخوره بالإضافة إلي الأجواء المعتدلة طوال العام وعيون المياه الفوارة ومتاهات النخيل. ويتم حاليا من خلال الإدارة العامة للاستثمار بالمحافظة تقديم جميع التسهيلات والتيسيرات للمستثمرين الأجانب في إقامة مشروعات استثمارية بالواحة سواء كانت هذه المشروعات سياحية أو زراعية أو صناعية بشرط أن تكون تلك المشروعات غير ملوثة للبيئة التي تتمتع بها الواحة والتي تجذب إليها السياح وللحفاظ علي واحة سيوة خالية من جميع أنواع التلوث البيئي.