توقع المهتمون بالشأن الطلابي أن تشهد مصر عاما جامعيا مشتعلا، ملئ بالحراك الطلابي على مستويات مختلفة، فجماعة الاخوان المسلمين رغم كل الضربات التي وُجهت لها منذ فض اعتصام مؤيدي الرئيس برابعة العدوية والنهضة، وإلقاء القبض على أغلب وأهم قيادات الجماعة، وكذلك حملة الاعتقالات والقبض العشوائي المستمرة في صفوفها، إستطاعت أن تحتفظ بأهم أجنحة تنظيمها -على مدار تاريخها- وأقصد هنا "الجناح الطلابي"، وبالتالي كانت أعين المهتمين بالشأن الطلابي والجامعي في مصر تنظر بترقب وحذر شديدين على ما يمكن أن يساعد فيه العام الجامعي الجديد من خلق ساحة جديدة يخوض فيها طلاب الجماعة معركتهم للدفاع عن عودة شرعية رئيسهم المعزول مرسي. ورغم أن حقيبة التعليم العالي في وزارة الببلاوي حظت بوزير يمتلك سمعة وتاريخ مشهود له في الدفاع عن استقلال الجامعة وحرية النشاط الطلابي، الدكتور حسام عيسى، الا أن الامور لم تجر في سياقها، فلم تمر شهور قليلة على تولي عيسى الوزارة وحدث ما توقعه الجميع، حيث انتشرت مظاهرات "طلاب ضد الانقلاب" الجبهة التي شكلها طلاب الجماعة بالجامعات المختلفة، وتعددت أشكال احتجاجهم حسب قوة تواجدهم في كل جامعة، وفوجئ الجميع أن الجامعات المصرية غير مستعدة على وجه الإطلاق للتعامل مع مثل تلك التظاهرات، ووجدنا إرتباك شديد جدا في أداء الوزارة في مواجهة الأزمة، التي تحتاج حلولا جديدة ومبتكرة، تحفظ الأمن داخل الجامعة وتحافظ على سير العملية التعليمية وتأمين حياة الطلاب وأرواحهم، ولكنها في نفس الوقت لا تتعدى على أحد أهم منجزات ثورة يناير وهو خروج الحرس التابع لوزارة الداخلية خارج أسوار الجامعة تطبيقا لحكم محكمة القضاء الاداري بشأن قضية طرد الحرس الجامعي التي كان عيسى أحد أهم رموزها. وظل الأمر يسوء تدريجيا حتى وجدنا رجال الداخلية ينتهكون من جديد حرم الجامعة بدواعي حفظ الأمن، ووقف الاعتداءات التي يقوم بها طلاب الاخوان المسلمون على المنشآت، وتهديدهم لأرواح الطلاب، وتأثير ما يقومون به على تعطيل سير العملية الدراسية، بل وجدنا قوات الداخلية تلقي بقنابل الغاز المسيل للدموع داخل حرم جامعة الأزهر وتقوم بإلقاء القبض على بعض الطلاب، لم يقف الأمر عند جامعة الأزهر التي طالب رئيسها الدكتور العبد من الداخلية التدخل لحفظ الأمن بالجامعة بعد إقتحام طلاب الجماعة للمبنى الاداري. وتحطيم محتوياته -حسب تعبيره-، فقد رأينا مشاهد مماثلة في جامعات الاسكندرية والمنصورة والزقازيق، في مشهد يعيد الي الأذهان ذكرى عقود من الانتهاك الأمني لحرم الجامعات المصرية. وبدأت تعود مرة أخرى الأحاديث حول عودة الحرس التابع لوزارة الداخلية لحماية الجامعات المصرية وتأمينها من خطر الإرهاب الإخواني المحدق، وانطلق قطار التصريحات من كافة المسئولين، رؤساء جامعات، أساتذة، حتى وصل لمجلس الوزراء، حول ضرورة ذلك بإعتباره الحل الوحيد للحفاظ على سير العملية التعليمية، وعودة الأمان داخل الجامعة. وما بين حديث الوزير عن رفضه لعودة رجال الداخلية للجامعة، وبحثه مع المجلس الأعلى للجامعات عن سبل بديلة تعتمد على زيادة الميزانية المخصصة لتوفير وحدات أمن مدني مدربة داخل كل جامعة، صدر قرار رئيس الوزراء بتواجد قوات الداخلية على أسوار كل جامعة لحمايتها وتأمينها والتدخل إذا لزم الأمر، في خطوة كبيرة نحو عودتهم لداخل أسوار الجامعة. ورغم كل التكهنات التي تشير بأن الداخلية أصبحت قاب قوسين أو أدنى من العودة للسيطرة من جديد على الحياة الجامعية تحت دعاوى متعددة على رأسها حفظ الأمن، نجد موقفا متخاذلا من الدكتور حسام عيسى لما يدور من حوله، ويكفي تماماً صمته عن ما قامت به قوات الداخلية تجاه كافة الوقفات الاحتجاجية التي تم تنظيمها على باب وزارته بشارع القصر العيني، حيث قامت قوات الأمن أكثر من مرة بالتعدي على الطلاب المشاركين بهذه الوقفات بالغاز المسيل للدموع وطلقات الخرطوش، وقامت بالقبض على العديد من طلاب التنسيق والتحويلات الذين لم تهتم الوزارة بملفاتهم وقضاياهم بالشكل الكافي، ولم يتحرك "المناضل" حسام عيسى لوقف تلك المهازل التي تجري تحت سمعه وبصره، والأفدح هو تصريحاته المتتالية بشأن ذلك والتي تعكس نفس تصريحات وزراء مبارك والعسكر والإخوان، إذ لم يختلف الأمر كثيرا. ورغم إشتعال أزمة غياب الأمن عن الجامعات المصرية لم نجد أية حلول مبتكرة للوزارة على طريق حفظ الأمن داخل الجامعة دون التعدي على إستقلالها الذي إنتزعته بفعل الثورة بعد نضال مرير دام لعقود قام به أساتذة وطلاب دفعوا الكثير من التضحيات في مقابل ذلك. ومن هنا أود أن أؤكد أن إستمرار هذا الأداء المرتعش والسئ للدكتور حسام عيسى لن يجعله سوى هدف في مرمى مطالب طلاب مصر خلال معاركهم القادمة، وسيصبح مطلبهم الرئيسي هو إقالتك يا سيادة الوزير، فلن يقف تاريخك المشرف حائلا أمام هؤلاء الطلاب من الدفاع عن جامعتهم حرة، مستقلة، خالية من بيادات عساكر وضباط الداخلية الذين لم تغير في سلوكياتهم القمعية بعد كل غضبات المصريين، ولم يعوا حتى اليوم دروس الثورة جيدا. ومن هنا أيضاً أود أن أطلق دعوة لكل المهتمين بالشأن الطلابي والجامعي في مصر وعلى رأسهم أساتذة -حركة 9 مارس لإستقلال الجامعات- بضرورة الوقوف بكل جدية لإيجاد حلول بديلة وعملية بهدف حفظ الأمن داخل الجامعة المصرية، والحفاظ على انتظام وسير العملية التعليمية بها دون التخلي عن أية مكتسبات حققتها الثورة تخص إستقلال الجامعة التي يجب أن تظل واحة للحرية ومنارة للعلم والمعرفة.