لم يعد مترو الأنفاق مجرد وسيلة مواصلات سريعة ومريحة فقط، بل أصبحت المحطات وحتى القطارات متعددة الاستخدام، فتجد من الباعة ما يغنيك عن أن تذهب إلى أي سوق أو "سويقة"، فالكل يعرض بضاعته في نفس الوقت وبنفس الطريقة، وهي أن يمر البائع على كل الركاب ويعطيهم السلعة الموجودة بحوزته، ثم يعود وإما أن يأخذها أو تعطيه ثمنها وتصبح ملكا لك، وفي نفس اللحظة تسمع الإذاعة الداخلية بمحطات المترو، وصوت أجش يقول لك "عزيزي الراكب نشكرك على عدم تعاونك مع الباعة الجائلين ..مع تحيات الإدارة العامة لمترو الأنفاق"! والغريب في الأمر أن معظم ركاب المترو سئموا من تواجد الباعة بهذه الكثافة، واعتبارهم محطات المترو "تكية" لهم فيجلسوا على الأرصفة مثل محطة العتبة، أو يدخل منهم أكثر من 5 أو 6 أفراد وتتعالى أصواتهم بشرح مزايا بضائعهم، ويزيدون ضجر المواطن الذي يعاني من الزحام وضوضاء المواصلات والحرارة المرتفعة، ليدخل في مرحلة جديدة وهي ضوضاء المترو، ولم يعد وسيلة مريحة أو سهلة كما كان في الماضي، وعلى الرغم من التحذيرات ورسائل الشكر التي توجه لراكبي المترو بسبب عدم تعاونهم مع الباعة الجائلين، فإن عناصر الشرطة المتواجدة في المحطات لا يقومون بدورهم في منع هؤلاء الباعة والمتسولين من ركوب المترو، بل يفسحون لهم المجال ليفعلوا ما يشاءون. وللدخول في هذا العالم المستقل بذاته تحتاج "لواسطة" كبيرة، بمعنى أن هناك بعض القواعد والقوانين التي تنظم عملية البيع واستقبال البائعين الجدد، فهم يقسمون أنفسهم إلى مجموعات وتوزع حسب عدد المحطات وحسب الخط أيضا؛ حتى لا يتعدى فرد على "أخيه" في المهنة، وهذه القواعد تنطبق على البيع و"الشحاتة" أيضا، وكل فرد له قطار يتنقل بين عرباته مثلما شاء ثم ينزل في آخر الخط وينتظر دوره، وإذا حدث عكس ذلك تنشب المشادات الكلامية وبعض الاشتباكات وكل هذا في غياب تام من قوات الشرطة المكلفة بتأمين محطات المترو. ومع بدء العام الدراسي الجديد يلاحظ اختفاء الأطفال مقارنة بالأيام الشهور السابقة؛ بينما يظل بعضهم حريص على التواجد واستعطاف المواطنين واللعب على مشاعرهم، وفي الأغلب يكون هؤلاء الأطفال تركوا أمهاتهم في محطة معينة، وبمتابعتهم كل يوم وجدنا أن الأسرة المكونة من الأم وأبنائها تتخذ من المترو مكانا ل"أكل العيش"؛ فتبيع الأم مناديل بشكل يميل إلى التسول، والفتاة الكبرى تسير على "عكاز" وتحاول كسب تعاطف الراكبين ليعطون لها الأموال، أما الطفل الصغير وأخته لا يتجاوز سنهم السابعة، ودورهم يكون في التعلم والتدريب على أصول التسول، لكي يكونون مستعدين لهذه المهنة في المستقبل.