بعد مرور أقل من ساعتين على بدء قوات وزارة الداخلية والجيش، عملية فض اعتصامْي أنصار مرسي في ميداني رابعة العدوية بمدينة نصر، ونهضة مصر بالجيزة، ووفقاً لشهود عيان توجه العشرات من مؤيدي الرئيس المعزول وحاصروا فيلا الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل في قرية برقاش، وأشعلوا النيران فيها بالكامل، وتمكنوا من إحراق المكتبة الملحقة بالفيلا. وفقاً لمصادر أمنية تم اقتحام مقر الفيلا ووجود آثار لتحطيمها، وسرقة محتوياتها. لقد أحرقوا ما تبقى من كتب في المكتبة، وتبين من المعاينة حرق 18 ألف مخطوطة ووثيقة وبعض الكتب النادرة. محامي هيكل صرّح بأن جماعات مسلحة قامت باقتحام المزرعة والفيلا رافعين أعلام القاعدة. هيكل اتهم الإخوان وأنصارهم بالعملية. النار التهمت بالكامل 25 فداناً مزروعة بالنباتات والأشجار. لقد أثبتت المعاينة التصويرية نهب أغلب محتويات المكتبة من صور ووثائق متعلقة بالفترة الناصرية، ومستندات تخص أدق تفاصيل حربي 56 و،67 حسبما ذكرت الصحافة المصرية فإن واقعة حرق فيلا هيكل أتت على خلفية اجتماع سابق في لجنة الثقافة والإعلام برئاسة شهاب الدين في مجلس الشورى المنحل، قبيل يوم من فض الاعتصامين في الميدانين، حين اجتمعوا في إحدى قاعات مسجد رابعة العدوية، والذين أعلنوا فيه ما أسموه "قائمة سوداء" بأسماء الكتّاب، وتضمنت اسم الكاتب الكبير. العملية هي عملية بربرية بامتياز، تتشابه مع ما اقترفه جيش هولاكو برمي الكتب النادرة في نهر دجلة، حتى أصبحت مياهه سوداء من الحبر، وذلك سنة 1358م . وتتماهى مع حرق كتب ابن رشد، وما اقترفه النازيون في عام 1933 حين قاموا بحرق الكتب غير الألمانية، تلك المناهضة "للثقافة النازية". لعل الوحيد الذي قام بحرق مكتبته هو ابن خلدون بعد أن واجه ظلماً كبيراً من الحكام، ومن تدخل في كتابته الجريئة والإنسانية (وفقاً لمقاييس عصرها). حرق كتب هيكل هي جريمة لا إنسانية، وهي اعتداء صارخ على الثقافة والمعرفة والتنوير، وهي دكتاتورية فاقعة، قائمة على تسييد ثقافة الاستعلاء والفوقية (ثقافة الأنا) واعتداء على وجهات النظر الأخرى، ولا سيما مكتبة كبيرة مثل مكتبة هيكل، الذي وفقاً لتصريحاته بناها على مدى ما يزيد على السبعة عقود. هي غنية بالمخطوطات والوثائق النادرة من تلك التي كان يشتريها بثمن كبير، نظراً لقيمتها التاريخية. هيكل ليس كأي كاتب أو مؤرخ عادي، إنه رفيق عبد الناصر وأعضاء مجلس قيادة ثورة 23 يوليو، وبحكم قربه من الزعيم الخالد، أتيحت له فرص كبيرة وكثيرة باللقاء مع رؤساء وقادة دول مهمين، وقياديين سياسيين وعسكريين، أثروا التاريخ المعاصر، واضطلع على الكثير الكثير من الأسرار. محمد حسنين هيكل هو كاتب وصحفي موسوعي، بلغ عمراً يزيد على الثمانين عاماً، ومازالت ذاكرته تشتعل وفي أوجها. بالتأكيد مثل هذا الكاتب لديه من الوثائق والمخطوطات والكتب النادرة مالم يمتلكه أحد. الذين قاموا بحرق المكتبة بعد نهبها، وسرقة العديد من كتبها ووثائقها، هم مجرمون، فما انحرق وما جرى إتلافه، وما سُرِق لا يمكن تعويضه بثمن . ما أسهل هدم بناية أمام إحراق مكتبة ولو صغيرة، وبخاصة إذ احتوت كتباً نادرة! البناية يمكن إعادة بنائها وبمواصفات أجمل وأحدث، أما المكتبة المحروقة، فلا يمكن تعويضها. ما زلت أتأسف على مكتبتنا الصغيرة ومجموعة صور لي وللأهل في بيتنا في قلقيلية، عندما احتلتها قوات الاحتلال الصهيوني عام 1967 وهدمت ما يقارب الألفي بيت من بيوتاتها، وكان بيتنا أحد تلك البيوت. كان أخي الدارس حينها في مصر يزودنا بالكتب وبخاصة النادرة . رغم ما يزيد على الأربعة عقود على هدم البيت . لا نستغرب قيام جماعات من الإخوان المسلمين وأنصارهم بحرق مكتبة هيكل، فهم قاموا بقتل فرج فودة من قبل، وأجبروا حامد نصر أبو زيد على الهجرة، بعد أن كفّروه وأفتوا بتحريم زوجته عليه؟ أما محمود القمني فقد اضطر إلى الاختباء والاحتماء. ليس غريباً أن يقوم أولئك بحرق مكتبة هيكل، فهم الذين قاموا على الاستئثار بالسلطة والتفرد بها. كان معيار الكفاءة لديهم انتماء الشخص للإخوان وليس كفاءته أو قدراته، ولذلك أتوا بالجهلة وعينوهم في مناصب رفيعة، بما فيها مناصب ثقافية.. حاولوا اغتيال عبد الناصر في عام 1954 فيما سمي "بحادثة المنشية"! من الطبيعي والحالة هذه أن يقوموا بإيذاء واحدٍ من أبرز رجالات عهد الزعيم الوطني ومن الأقرب إليه وهو هيكل من خلال حرق مكتبته القيمة بعد نهبها! هيكل وبغض النظر من اختلاف الآراء حول كتاباته، لكنه يظل هرماً من أهرام الصحافة والكتابة. يحكى أنه دخل غرفة العمليات العسكرية أثناء العدوان الثلاثي على مصر في عام ،1956 فوجد الغرفة مملوءة بالأوراق الكثيرة والبرقيات المهمة، وبعضها مرمي على الأرض. يومها خرجت القيادة وتركتها. لكن عبد الناصر لاحظه وهو يقوم بلم الأوراق عن الأرض، وسأل الرئيس إن كان باستطاعته أخذها! أجابه عبد الناصر إلى طلبه وسأله ماذا سيفعل بها؟ فأجابه "بأنه سيأتي اليوم الذي يستفيد منها عند الكتابة عن هذه المرحلة". بالفعل فإن كتابه عن عدوان 1956 جاء ليغطي أحداث هذا العدوان الآثم على مصر بتفاصيل مهمة ووثائق كثيرة حيث يتطرق إلى تفاصيل العدوان! وكذلك كتبه عن حرب عام 1967 والعبور عام 1973 . حرق مكتبة هيكل يذّكر بعدوان عام 2003 على العراق واحتلاله، وتعرّض المتحف الوطني العراقي إلى السرقة والنهب على مرأى ومسمع من قوات الاحتلال الأمريكية وماذا كانت النتيجة؟ ضياع قسم كبير من الآثار المتعلقة بتراث وتاريخ العراق عبر المراحل التاريخية المختلفة . لم تستنكر حينها الولاياتالمتحدة عملية النهب تلك ولم توجه قواتها للمحافظة على متحف بغداد العامر بالكنوز الثقافية. قامة كبيرة مثل محمد حسنين هيكل وحرق مكتبته الغنية، تستأهل أن تقوم المؤسسات الثقافية في الولاياتالمتحدة والدول الغربية التي تدّعي المحافظة على التراث العالمي وحقوق الإنسان، باستنكار هذه العملية المجرمة التي قام بها نفر من القتلة الذين يريدون هدم الثقافة (إلا ثقافتهم السوداء) والاعتداء على الحضارة الإنسانية، من خلال حرق الكلمة! أولئك حقاً يخافون الكلمة الحرّة ولذلك تراهم يهجمون باستمرار على كل ما هو حضاري وإنساني. من قبل ألم تقم طالبان بهدم آثار إنسانية في أفغانستان؟ بالأمس بغداد وكابول واليوم حرق مكتبة هيكل بالقرب من القاهرة، السؤال الذي نود أن نسأله للإخوان ماذا جنيتم وتجنون من حرق مكتبة هيكل؟