استهل أيمن صبري – الباحث والمحاضر بمشروع "بالعقل نبدأ" أعمال الندوة التي أقامها المشروع، أمس الجمعة، بالتعاون مع نقابة الأطباء، بكلمة انتقد فيها إشكالية يجابهها المجتمع المصري، الذي يعاني أزمة في استخدام المنهج المعرفي. وأعطى "صبرى" مثالا على ذلك بتعامل من يطلق عليهم "النخبة" مع المشاكل التى تحدث فى المجتمع المصرى، متسائلا: لماذا أخفقت هذه النخبة فى تبنى مواقف واضحة من قضايا أساسية لا يصح الاختلاف فيها. من هذه القضايا قضية الاستقلال السياسى فى التعامل مع الكيان الصهيونى، فلنستحضر معا جريمة قتل جنودنا فى سيناء، وهذه ليست المرة الأولى، ومع ذلك لم نجتمع، سواء إسلاميين أو ليبراليين أو يساريين، للاتفاق على مجرد حتى تعديل الاتفاقية المسماة "كامب ديفيد"، وذلك حتى نستطيع السيطرة على سيناء، فليس لنا تواجد أمنى هناك، والمجتمع الذى لا يستطيع أن يؤمن حدوده لن يحقق أي نوع من الكرامة الإنسانية. وكذلك فى ملف المياه، لم تستطع الأحزاب والحركات والنخب مع مختلف أيدلوجياتها أن تتوحد على موقف منها، فالقضية واضحة ورغم ذلك لم تتعامل معها بقدر كافٍ من المسئولية، فهى لم تفرق بين قضية وطن وأزمة سياسية. إن عدم اتفاق "النخب" على موقف واحد يجعلنا نطرح سؤالا أعمق من ذلك: ما تعريف السياسة؟ وهل هى وسيلة أم غاية عندهم؟ هل هى الوصول إلى السلطة أم هى تحقيق مجموعة من القيم للمجتمع؟ وأضاف "صبرى" أن الأستاذ "جلال أمين" يقول "إننا اكتشفنا بعد ثورة 25 يناير أن ما ظنناه إجماعا على بعض الأهداف الواضحة كالحرية والخبز والعدالة الاجتماعية يخفى انقساما رهيبا حول كل شئ تقريبا، فلم نستطع الاتفاق على دستور جديد، بل لم نتفق على أسماء من يمكن أن يضع هذا الدستور، ولا إن كنا نقبل أو نرفض قرض صندوق النقد الدولى، ولا هل نجيب محفوظ كافر أم غير كافر!!". هذه مجرد عينة صغيرة من أمثلة ما نحن مختلفين فيه فى الرأى، ولا يجوز أن نقول إن هذه طبيعة الأمور، لأن هناك انقسامات جزئية، لكن هذه انقسامات كلية تتعلق بمعنى الوجود نفسه. وأشار صبرى إلى أن معنى الأيديولوجية منظومة التصورات والاعتقادات والنظريات التي تبنى عليها حياة الأفراد والمجتمعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، فهل استطاعت الجماعات المخلتفة فى مصر الوصول إلى حل لمشكلات المجتمع بمختلف أيدلوجياتها؟ مع الأسف هذا لم يحدث فى الواقع، بل أدخلوا المجتمع فى صراعات أيديولوجيات تكاد تفتك به. وأكد أننا غير محصنين ضد حرب أهلية، أو استقطاب طائفى ومذهبى، والحل هو البعد عن القضايا الجزئية والاهتمام بالقضايا الكلية، والسبب الرئيسى فى هذا الاستقطاب هو انحسار الرؤية داخل الأيديولوجيا التى ينتمى لها كل فصيل، وكل تيار يريد تطبيق فكره على التيار الآخر المختلف معه. وقال "صبرى" لا بد أن نبدأ بتحديد لماذا نحتاج إلى المنهج المعرفى، وذلك لتكوين رؤية صحيحة للواقع؛ وأن ما عرفته مطابق للحقيقة، لذلك فعلى النخب أن تعي المنهج المعرفى لمعرفة ما هى حقيقة القضايا الأساسية فى المجتمع، لا كما تمليه على أيديولوجية معينة، والناقد عليه معرفة النظريات المعرفية المختلفة وإرجاع الجزء للكل حتى يصل لحقيقة الأمور وأصلها، فإذا كان هناك خلاف على قضية ما فلا بد من الرجوع إلى أصل المشكلة للوصول إلى الحل وليس الانغماس فى المشكلة وتفرعها. المنهج المعرفى هو علم نظرية المعرفة، والتى تتحدث عن طريقة التفكير وليس الفكر، فإذا قلت ماذا استخدم المفكر من أدوات فأنت تتكلم عن المنهج المعرفي، وإن سألت إلام وصل؟ فأنت تتكلم عن الرؤية، فنظرية المعرفة تحدثنا عن منهج التفكير وما ينتج عنه هو الفكر. ولا يخرج المنهج المعرفى عن خمس أدوات، هي "الحس، التجربة، القلب، النقل، العقل". والحس والتجربة شيء واحد لأنه لا توجد تجربة إلا بالحس، والنقل مرتبط بالعقل لا ينفصلان، فتأكيد صحة النقل يأتى من العقل، وتؤدى هذه الأدوات إلى تكوين رؤية كونية بما هو كائن تؤدى بعد ذلك إلى أيديولوجية بما ينبغى أن يكون وتنتج بعد ذلك السلوك. إذًا، فإن المنهج المعرفى يجعلنى أرى قضية ما بمنظور معرفى مرتبط برؤية كونية تجعلنى أصنع أيديولوجية معينة يترتب عليه عمل يؤدى إلى حل القضية. وكل أداة من هذه الأدوات المعرفية أنتجت مدرسة فلسفية، فعندنا المدرسة التجريبية، التى تقول إن الوجود هو المادة، والتى نتجت من الحس والتجربة، والمدرسة الإشراقية التى تعتمد على القلب، ثم الإخبارية، والتى تتعامل مع النص لأنه جاء إلينا بالإخبار، وتعتمد على النقل، ثم المدرسة العقلية، وتعتمد على العقل والاستنباط العقلى، وهى التى جمعت بين كل هذه المدارس. وبعد كل هذا الطرح، يتبقى سؤال على المجتمع الرد عليه: هل يعانى المجتمع من أزمة معرفية؟