ولد في مثل هذا اليوم واحد من أقوى عشرين شخصية في القرن الحديث، وهو البابا يوحنا بولس الثاني بابا الكنيسة الكاثوليكية، فى 16 أكتوبر 1978 وحتى وفاته 2 ابريل عام 2005، في حبرية طويلة دامت ستاً وعشرين عاماً على الكرسي البابوى. سلسة من الأزمات فى حياته وجهته لدراسته اللاهوت ولد في 18 مايو 1920 باسم كارول جوزيف فوتيلا في بولندا، كان الأصغر في عائلة مؤلفة من ثلاث أطفال، هم إدموند وإميليا وجوزيف، وقد توفيت إميليا من قبل أن يولد كارول. وتوفيت والدته، عندما كان عمره ثماني سنوات فقط خلال وضعها لمولودها الرابع الذي توفي بعد فترة وجيزة من إبصاره النور وفى أعقاب ذلك، تولى إدموند شقيقه الذي يكبره بأربع عشر عامًا شؤون تربيته، إلا أن إدموند بدوره قد توفي بالحمى القرمزية التي أصابته خلال معالجته مرضى بها، وكان لوفاة والدته ثم شقيقه الأثر الأكبر على كارول. غادر كارول مع والده وادوايس وانتقل إلى كراكوف حيث التحق بجامعة جاجيلونيان، وكان يعمل إلى جانب دراسته الجامعية على دراسة اللغات المختلفة، ويتعرف على فقه اللغات. كذلك فقد عمل كأمين مكتبة، وتطوع للمشاركة في التدريب العسكري في الجامعة، لكنه رفض إطلاق النار من الأسلحة، عمل أيضًا مع جماعات مسرحية مختلفة وككاتب مسرحي. وخلال دراسته الجامعية، ازدهرت موهبته اللغوية وتعلم ما يصل إلى 12 لغة أجنبية، تسعة منها استخدمها على نطاق واسع كبابا. وبعدها بفترة ليست ببعيدة توفى والده وأصبح هو الفرد الوحيد المتبقى فى أسرته، و كتب البابا عن نفسه بأن سلسلة الأزمات المتتالية هذه قد أثرت على حياته بشكل بليغ، ودفعته للتفكير جديًا بدارسة اللاهوت. وفي أكتوبر 1942 توجه إلى مقر أسقف كراكوف وأعلمه برغبته في دراسة الكهنوت، وبعد فترة وجيزة بدأ تلقي دورسه اللاهوت في مدرسة سريّة تحت الأرض يديرها مطران كراوف إلى جانب كاردينال بولندي آخر، لكون النازية قد أغلقت المدارسة اللاهوتية. في 29 فبراير 1944 صدمته شاحنة تنقل ضابطًا في الجيش الألماني وأمضى أسبوعين في المستشفى للعلاج حيث سبب الحادث خلعًا في الكتف، وقد قال البابا إن هذا الحادث وجده تأكيدًا لدعوته الكهنوتية. في 6 أغسطس 1944 والذي يطلق عليه اسم "يوم الأحد الأسود" قام الجيش النازي باعتقال شبّان في كراكوف لتفادي أي انتفاضات شعبية بعد أن اندلعت مثل هذه الانتفاضات في "وارسو" عاصمة بولندا، وقد هرب كارول واختبئ في منزل أحد أعمامه في الطابق السفلي بين ما قامت القوات بتفتيش الطابق العلوي، وقد بلغ عدد المعتقلين من كراكوف في ذلك اليوم أكثر من ثمانية آلاف رجل، وقد هرب لاحقًا إلى مقر مطرانية كراكوف وظلّ مقيمًا فيه ومختفيًا حتى بعد كف النازيين عن الاعتقال. في 17 يناير 1945 انسحب الألمان من المدينة، وتطوع كارول في مهمة تنظيف المدينة من آثار الاحتلال النازي، كما قام بمساعدة عدد من اليهود الهاربين من معسكرات الاعتقال في شيستوشوا، وهو ما أثبتته منظمات أخرى مثل بناي بريث الذي قالت إن البابا ساعد على حماية الكثير من اليهود البولنديين من النازيين. الكهنوت عيّن كارول كاهنًا مساعدًا في إحدى قرى كراكوف، وفي 11946 "عيد جميع القديسين" في الكنيسة الكاثوليكية أصبح كاهنًا كاثوليكيًا بعد أن أنهى دراساته على يد الكاردينال رئيس أساقفة كراكوف. وقد أرسل بعدها بفترة وجيزة إلى روما لدراسة علم اللاهوت في المعهد البابوي، وهناك حصل على الليسانس والدكتوراه في اللاهوت، وقد كانت أطروحة الدكتوراه عن عقائد الإيمان المسيحي عند القديس يوحنا الصليب، الصوفي. وأصبح أسقفًا عام 1958 ثم كاردينالاً عام 1967 وأخيرًا حبرًا أعظم للكنيسة الكاثوليكية خلفًا للبابا يوحنا بولس الأول؛ وعند انتخابه كان البابا غير الإيطالي الأول منذ عهد إدريان السادس (1522 - 1523) كما كان البابا البولندي الأول في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية. لعب دورًا بارزًا في إسقاط النظام الشيوعي في بلده بولندا وكذلك في عدد من دول أوروبا الشرقية، فقد ندد "بالرأسمالية المتوحشة" في تعليمه الاجتماعي؛ ونسج علاقات حوار بين الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة الأرثوذكسية الشرقية والكنيسة الآنجليكانية إلى جانب الديانة اليهودية والإسلامية، على الرغم من أنه انتقد من قبل بعض الليبراليين لتسمكه بتعاليم الكنيسة ضد وسائل منع الحمل الإصطناعي والإجهاض والموت الرحيم وسيامة النساء ككهنة، كذلك فقد انتقد من بعض المحافظين بسبب دوره الأساسي في المجمع الفاتيكاني الثاني والإصلاحات التي أدخلت إثره على بنية القداس الإلهي، ولكسره عددًا وافرًا من التقاليد والعادات البابوية. كان البابا واحدًا من أكثر قادة العالم سفرًا خلال التاريخ، إذ زار خلال توليه منصبه 129 بلدًا. وكان يجيد الإيطالية والألمانية والإنجليزية والإسبانية والبرتغالية والروسية والكرواتية إلى جانب اللاتينية والبولندية لغته الأم. كما أنّ أحد محاور تعليمه اللاهوتي كان يستند على "القداسة الشاملة" وفي سبيل ذلك أعلنت خلال حبريته قداسة 483 شخصًا وفق العقائد الكاثوليكية وطوباوية 1340 آخرين، أي أن ما رفع خلال حبريته يوازي حصيلة أسلافه خلال القرون الخامسة السابقة، وفي 19 ديسمبر 2005 طلب البابا بندكت السادس عشر فتح ملف تطويب يوحنا بولس الثاني، واحتفل بإعلانه طوبايًا للكنيسة الكاثوليكية الجامعة في 1 مايو 2011 . الموضوعات التى ناقشها أثناء حبريته كانت فى رسائله العلاقة بين الإيمان والعقل وحاول تجديد الاهتمام بالفلسفة لدى عموم الناس في سبيل الوصول إلى نوع من "الحكم الذاتي" في المسائل اللاهوتية، كما ركّز على موضوع الدعم المتبادل بين الإيمان والعقل، وشدد أنه على رجال الدين السعي لترسيخ هذه العلاقة. اهتم يوحنا بولس الثاني أيضًا بالعقيدة الاجتماعية للكنيسة، وأفرد لها ثلاثة منشورات بابوية وعدد من الرسائل والعظات، وركز على أهمية الأسرة وكرامة المرأة بالنسبة لمستقبل البشرية. علاقته مع الأديان والإسلام: أرسى البابا ثقافة الحوار مع الأديان، والتقى برجال دين من العديد من المعتقدات والأديان المختلفة، بحثاً منه عن أرضية مشتركة، كما عمل على تطوير النقاشات بين الطوائف المسيحية وأنهي خلال عهده الخلاف الذي انبثق في أعقاب مجمع خلقيدونية مع الكنائس الأروثوذكسية المشرقية، كما قام في اليوم العالمي للصلاة من أجل السلام الذي عقد في أسيزي يوم 27 أكتوبر 1986 بجمع ممثلين لمختلف الديانات والطوائف فاق عددهم 120 ممثلاً وذلك بهدف الصلاة والصوم في سبيل السلام. وفي 6 مايو 2001 أصبح يوحنا بولس الثاني أول بابا كاثوليكي يقوم بالدخول والصلاة في مسجد، فخلال زيارته سوريا قام البابا بزيارة المسجد الأموي، وأصر على اتباع العادات الإسلامية فخلع حذائه لدى دخوله المسجد، وقام بتقبيل القرآن الأمر الذي جعل له شعبية واسعة بين المسلمين، وقام بالصلاة أمام ضريح يوحنا المعمدان المعروف باسم النبي يحيى في الإسلام، وألقى خطابًا قال فيه: "إن المسلمين والمسيحيين أساءوا إلى بعضهم البعض، ونحن اليوم نطلب الاستغفار عن ذلك من الله العلي والقدير، ونقدم الاعتذار عن كل خطأ آخر". في عام 2004 أقام البابا "الحفلة البابوية للمصالحة" والتي جمعت قادة مسلمين مع زعماء يهود وقادة كاثوليك في الفاتيكان، وقد أقام الحفلة الموسيقية أوركسترا كراكوف من بولندا وأوكسترا أخرى من بريطانيا وثالثة من الولاياتالمتحدة ورابعة من تركيا، كتمثيل لمجموعات دينية مختلفة، وقد صمم الحفل السير جيلبرت ليفي، وبثّ في مختلف أنحاء العالم.