ترك آخر عشرة بابوات بصماتهم على مجرى التاريخ، كل منهم على طريقته، وفى تقرير ل(ا ف ب) رصدت خلاله ملخص لمآثر الباباوات العشرة حسب ترتيبهم الزمنى. وأشار تقرير الوكالة إلى أن "ليون الثالث عشر" (1878-1903)، جواكينوبيكى: هذا البابا المرهف الإحساس الذى كان ملما بالآداب القديمة، ويكتب الشعر باللغة اللاتينية، خلد ذكره برسالته الاجتماعية الشهيرة "ريروم نوفاروم" (الأمور الجديدة) التى تطرق فيها بطريقة واقعية إلى ظروف العمل، وأوصى بالتعاون بين رأس المال والعمل وهيئات العمال، وطرح مجموعة من المقترحات، وانتقد الليبرالية، لكنه رفض الاشتراكية وصراع الطبقات. وهو البابا الذى أنهى الدول البابوية فى 1900، وقد توفى عن 93 عاما. يليه حسب الترتيب الزمنى للتقرير "بيوس العاشر" (1903- 1914)، جوسيبى ملكيورى سارتو: كان هذا الكاهن السابق لرعية فى بيئة متواضعة محافظا جدا، وقد رفعه إلى مصاف القديسين البابا بيوس الثانى عشر فى 1954، لتقواه وقربه من المؤمنين وخطابه البسيط، لم يكن لاهوتيا، دان الطروحات الحداثية فى إطار الكنيسة عبر رسالته "غذاء قطيع الرب"، لكنه بدأ إصلاحا فى مدونة الحق القانونى (أنجزه خلفه) وفى الإدارة البابوية، واتخذ موقفا حازما ضد العبودية، وتصدى لقانون فصل الكنيسة والدولة الفرنسية فى 1905. وتابع التقرير سرد حياة ثالث البابوات وهوبنديكتوس الخامس عشر (1914-1922)، جاكوموديلا كييزا: منحدر من عائلة ارستقراطية فى جنوى، حرص على التخفيف من تأثير "أزمة الحداثة" العنيفة فى الكنيسة، طور التقوى الشعبية، ورفع جان دارك إلى مصاف القديسين، لم يحبه الفرنسيون ولا الألمان لأنه عمل بلا هوادة لإنهاء مجزرة الحرب العالمية الأولى، من خلال اقتراح نظام تحكيم مستحدث فى النزاعات، وتصدى لمنظومة التعويضات، وفى 1917، وجه نداء إلى أطراف النزاع، وقال بنديكتوس السادس عشر إنه اختار اسمه تكريما لذكرى هذا البابا الذى بذل قصارى جهده من أجل السلام. وأضاف التقرير أن بيوس الحادى عشر (1922-1939)، اكيلى راتى: توصل إلى تسوية "المسألة الرومانية" القديمة، فخلال حبريته ولدت دولة الفاتيكان، لدى توقيع اتفاقات اللاتران مع موسولينى فى 1929، كان من هواة تسلق الجبال، وفضل حياة العزلة، واتسمت حياته بالجدية، وسام طليعة الأساقفة الصينيين واهتم كثيرا بمسألة الإرساليات، وفى 1937، أصدر رسالة "مع اهتمام شديد" التى دانت النازية، ودان أيضا معاداة السامية، وقد تغيب عن الفاتيكان عندما جاء هتلر لزيارة حليفه موسولينىفى روما، ولدى وفاته، كان أعد رسالة أخرى ضد النازية. أمّا بيوس الثانى عشر (1939-1958) اوجينوباتشيلى: هذا البابا الأرستقراطى ذا الوجه النحيل، كان دبلوماسيا خدم الكرسى الرسولى فى ميونيخ وبرلين، وعاش فترة مأسوية، وفى وقت لاحق، اتهم بيوس الثانى عشر الذى كان اليد اليمنى لبيوس الحادى عشر فى كل علاقاته الصاخبة مع الرايخ والدولة الفاشية، بالتقاعس عن بذل جهود كافية لمنع المحرقة، وبأنه لم يتحدث بمزيد من الصراحة عن الاضطهاد الجارى، خوفا من تعرض الكاثوليك الألمان والبولنديين للانتقام، ويقول المدافعون عنه إن تدخله أدى إلى إنقاذ أعداد كبيرة من اليهود الإيطاليين الذين اختبئوا فى الأديرة، وخلال حبرية بيوس الثانى عشر تسارعت عملية إضفاء الصفة العالمية على دولة الفاتيكان. ثم يوحنا الثالث والعشرون (1958-1963) انجيلورونكالى: يتحدر من بيئة متواضعة، وكان ممتلئ الجسم، مربوع القامة، ومندوبا رسوليا سابقا فى تركيا وسفيرا فى فرنسا (من 1944 الى 1953)، وأصبح رجل انفتاح الكنيسة على العالم الذى سيطلق المجمع الفاتيكانى الثانى فى 1962 الذى أقلق الإدارة الفاتيكانية التى كانت محافظة جدا آنذاك، وأصدر الرسالة الشهيرة "السلام فى الأرض" قبيل وفاته. وتبعه حسب التقرير بولس السادس (1963-1978) جوفانى باتيستا مونتينى: فى أعقاب فترة طويلة من العمل فى المجال الدبلوماسى شغل خلالها منصب مساعد بيوس الثانى عشر، انتخب فى خضم المجمع الفاتيكانى الثانى، ووصل به إلى خواتيمه، ثم عاش الفترة الصعبة الناجمة عن الاحتجاج على تعاليم الكنيسة. وكان بولس السادس الذى تتسم شخصيته بالقلق والحرص وتوصف حتى بالتردد، شديد الاهتمام بالتطورات الحاصلة فى العالم الحديث، ودفع بالتدخل الدولى للكرسى الرسولى إلى أقصى مداه من أجل العدالة والسلام، وانهالت عليه الانتقادات بسبب رسالته "الحياة الإنسانية" التى قال فيها لا لمنع الحمل، وغالبا ما لم تفهم آراؤه فهما صحيحا فى نهاية حبريته. ثم يوحنا بولس الأول (1978) البينولوتشيانى: بطريرك البندقية، سيتولى أقصر حبرية فى تاريخ البابوية، أى 33 يوما، تمكن من اعتماد أسلوب يتسم بمزيد من المباشرة فى طريقة الوصول إلى السدة البابوية، لكنه سيبقى معزولا فى الفاتيكان، بسبب بساطته المفرطة، كان وضعه الصحى هزيلا وتوفى متأثرا على ما يبدوبانسداد فى الشرايين. بينما جاء يوحنا بولس الثانى (1978-2005) كارول فويتيلا: أول بابا بولندى فى التاريخ، كان محافظا على صعيد العقيدة لكنه كان يرغب فى أن ينشر بطريقة حديثة رسالة الإنجيل، وتصدى للشيوعية فى بلاده وفى كل أنحاء الكتلة السوفيتية، وفى الكتلة الرأسمالية أيضا، وأصيب بجروح خطرة فى اعتداء تعرض له فى 1981 فى ساحة القديس بطرس، وخلال حبريته، سافر يوحنا بولس الثانى الذى كان معروفا بقوة حضوره وحيويته إلى أكثر من مئة بلد وتمتع بشعبية قل نظيرها خصوصا فى أوساط الشبان، الذين ابتكر لهم "الأيام العالمية للشبيبة"، كتب عددا كبيرا من الرسائل حول المواضيع الاجتماعية. ثم جاء بنديكتوس السادس عشر (2005-2013) يوزف راتسينجر: يتحدر من بافاريا من عائلة متواضعة وشديدة التقوى معادية للنازية، كان لاهوتيا إصلاحيا خلال المجمع الفاتيكانى الثانى، وتولى طوال أكثر من خمسة وعشرين عاما حراسة العقيدة خلال حبرية يوحنا بولس الثانى، انتخب بابا فى الثامنة والسبعين من عمره، وواصل عمل سلفه، مشددا على تطهير الكنيسة، وتميزت حبريته بعدد من الفضائح، لاسيما التعدى على الأطفال فى الولاياتالمتحدة وأيرلندا، وهو أول بابا خلال 700 سنة يأخذ قرارا بالاستقالة بسبب وهن قواه الجسدية.