تتصاعد عمليات تحشيد القوى على حافة هاوية الانفجار الكبير انطلاقاً من الحرب العدوانية على سوريا، وتنخرط في هذه اللعبة سائر الأطراف والحكومات المتقابلة في جبهتين واضحتين دولياً وإقليمياً و يميل العقل السياسي التقليدي إلى استنباط احتمالات التسوية قياسا على فصول سابقة إقليمية ودولية، فهل فعلا نشهد مجرد تعثر لتسوية ستحصل أم أنه صراع مفتوح يؤسس لحقبة جديدة من الصراع الدولي والإقليمي تحت سقوف و خطوط تتشكل في مخاض المقاومة السورية؟. أولاً، منذ تفاهمات جنيف أي من قرابة السنة تسيطر حالة من الترقب لفرص التسوية دون جدوى بينما تسود سلوكيات تصعيد سياسية وعسكرية غايتها إطالة أمد الحرب على سوريا بأي ثمن وهذا هو مغزى كلام باراك أوباما وأركان إدارته عن نزاع طويل في سوريا، و في الواقع لو تقصينا الممارسات الأمريكية - لا التصريحات - منذ تفاهمات جنيف لوجدنا مزيدا من التورط الأمريكي والغربي (فرنسا وبريطانيا خصوصا) والتركي والخليجي (حكومات السعودية و قطر و الإمارات خصوصاً) وإقحاما للنظام الأردني الذي تركه الأميركيون و البريطانيون لسنتين كلاعب احتياطي لحين تدعو الحاجة وقد دعت تلك الحاجة في نظر المخططين بعد إغلاق حدود العراق و استهلاك الممرات و الهوامش اللبنانية و إثر ظهور أعراض الإنهاك على تركيا المتورطة بدور مباشر لجيشها و مخابراتها في الشمال السوري، بينما تتصدر إسرائيل المرحلة الجديدة من خطة إطالة أمد الحرب على سوريا و هي ليست حرباً أهلية كما يصمم الغرب على تعميم التسمية فموارد التمويل خارجية و عناصر العدوان خليط من المرتزقة الأجانب والمحليين و قيادة العصابات المناوئة للدولة اجنبية يتصدرها أركان الحرب في البنتاغون و قيادة الاستخبارات الأميركية المسؤولة عن تشغيل القاعدة مباشرة أو بواسطة بندر بن سلطان و حمد بن جاسم و برنامج العصابات العميلة و واجهاتها السياسية لا صلة له بالداخل السوري او بمستقبل سوريا و نظامها السياسي بل إن محوره هو تدمير القوة السورية و ضرب منظومة المقاومة في المنطقة بكسر محورها المركزي و بالتالي حماية إسرائيل و إدامة منظومة الهيمنة الأميركية الأحادية على العالم و هذا ما يفسر السعي الهجومي لشمول حزب الله و إيران بالاستهداف رغم انهما حاولا لسنة كاملة أخذ مسافة عما افترضاه نزاعا داخليا حول الإصلاحات و كما صورته الدعاية الإعلامية الغربية الخليجية إضافة لتأثير بعض الأوهام في إيران و حزب الله بشأن قيادة تنظيم الأخوان المسلمين و مدى تورطها في المخطط الاستعماري لتصفية المقاومة و قضية فلسطين. ثانياً، إن كل ما قامت به الولاياتالمتحدة خلال السنة المنصرمة هو تماما عكس الالتزامات التي تمليها منطقيا تفاهمات جنيف في فرضية التسوية و هذا معناه الوحيد هو التصميم على مواصلة الحرب بأشكال متجددة و اختبار جميع الفرص المتاحة لذلك و إقحام المزيد من القوى و الأدوات المتدخلة في العدوان على سوريا فتدفقت آلاف اطنان السلاح على العصابات الإرهابية بإشراف اميركي مباشر و صرفت مليارات الدولارات بتنظيم اميركي لجداول التوزيع على عصابات التمرد و الإرهاب و تمت تغطية ذلك كله بمناورة تعميم الخطاب الرسمي عن مساندة الحل السياسي في البيانات الأميركية و بقرار إدراج جبهة النصرة على قوائم الإرهاب و هو عامل لم يبدل شيئا في واقع العدوان و حركيته و لا في الاحتضان السياسي للإرهابيين القاعديين عبر ائتلاف الدوحة الذي يضم نخبة المرتبطين بالاستخبارات الغربية من حاملي الجنسية السورية يتقدمهم قادة تنظيم الأخوان المسلمين بينما تكفلت إسرائيل بتقديم المأوى و الممرات و قواعد الانطلاق و الدعم اللوجستي للعصابات العميلة على خط فصل القوات كما كشفت إعلاميا مؤخرا بعض خطوط التواصل بين إسرائيل و شبكة القاعدة في سوريا . ثالثاً، يتضح من جميع المؤشرات الفعلية ان استراتيجية الإمبراطورية الأميركية في قيادة العدوان على سوريا تهدف لاستمرار الصراع و تصعيده و ليست استراتيجية تسوية كما يتوهم البعض و لن تكون قمة بوتين أوباما سوى محطة تفاوض في مسار طويل من النزاع العالمي متعدد الجبهات و هو أقرب إلى حرب باردة جديدة و هذه المحطة ستبنى نتائجها على توازن القوى الميداني لكنها لن تكون خط نهاية فعلي للصراع الدولي المسعور على الأسواق و الموارد أو للنضال الذي تخوضه القوى العالمية الصاعدة التي تمثل النسبة الغالبة من البشرية ضد الهيمنة الأحادية الأميركية على العالم و هي تتخندق اليوم حول سوريا ودولتها الوطنية التي تشكل رأس الحربة في حلف عالمي كبير. إن أفضل ما يمكن توقعه من قمة بوتين أوباما سيكون رسم الخطوط التي يلتزم الطرفان بعدم تجاوزها تحاشيا لاصطدام مباشر بين الجبارين قد يشعل حربا كونية و سوى ذلك سيستمر الصراع في العالم و خصوصا في الشرق و سيكون قدر سوريا هو انتصارها على العدوان الاستعماري بالمقاومة كما كان قدر فيتنام و كوبا و نيكاراجوا في زمن الحرب الباردة لأن الحلف الاستعماري والحكومات العميلة لن يسلموا بغير هزيمة ماحقة على الأرض و عندها يكون كلام في السياسة و يبدأ الأميركيون "بالطحن الناعم" فعلاً لا رياء كما يقال باللغة الدارجة في سوريا و لبنان وعلينا بدلا من انتظار تسوية لن تتم إعطاء الأولوية لمهمة استنهاض القوى والطاقات القومية والوطنية إلى مقاومة شعبية عربية مشرقية تدحر العدوان الاستعماري على جميع الجبهات وتحقق النصر.