لم تحفر مجزرة بحر البقر في ذاكرة التاريخ فحسب، بل حفرت أيضًا في ذاكرة الشعر العربي؛ لتضاف إلى السجل الدموي الإسرائيلي الحافل بالمجازر التي ارتكبها الصهاينة في حق البشرية، وتأتي رائعة الراحل صلاح جاهين "الدرس انتهى" في صدارة القصائد التي عبرت عن أكثر الهجمات الصهيونية وحشية التي راح ضحيتها 30 طفلاً، وأصيب أكثر من 70 بإصابات بالغة على أثرها تحولوا إلى معاقين. وفي قصيدته يعبر جاهين عن مشهد الأطفال حين تبعثرت أشلاؤهم وتناثرت أشياؤهم، حذاء صغير هنا، قدم هناك، توكة شعر، قلم رصاص، صفيحات من كتاب "اعرف عدوك"، مريلة ممزقة ملطخة بالدماء، كما يخاطب الضمير العالمي الذي وقف صامتًا أمام تلك المجزرة، ويقول في قصيدته: الدرس انتهى لموا الكراريس بالدم اللي على ورقهم سال في قصر الأممالمتحدة مسابقة لرسوم الأطفال إيه رأيك في البقع الحمرا؟ يا ضمير العالم يا عزيزي دي لطفلة مصرية وسمرا كانت من أشطر تلاميذي دمها راسم زهرة راسم راية ثورة راسم وجه مؤامرة راسم خلق جبارة راسم نار راسم عار ع الصهيونية والاستعمار والدنيا اللي عليهم صابرة وساكتة على فعل الأباليس ويطالب جاهين الشعب العربي بالثأر لهؤلاء الأبرياء، ويتابع في قصيدته: إيه رأيك يا شعب يا عربي؟ إيه رأيك يا شعب الأحرار؟ دم الأطفال جاي لك يحبي يقول انتقموا من الأشرار ويوثق الشاعر الراحل فؤاد حداد في قصيدته "إحنا الشهدا اللي ماتوا"، وفيها يتحدث الطفل الشهيد عن هذا اليوم الأليم "يوم مجزرة بحر البقر"، حيث يحكي الطفل بألم شديد ممزوج بحب الوطن، ويقول حداد في قصيدته: محافظتي الشرقية مدرستي بحر البقر الابتدائية كراستي مكتوب عليها تاريخ اليوم مكتوب على الكراس اسمي سايل عليه عرقي ودمي من الجراح اللي في جسمي ومن شفايف بتنادي يا بلادي.. يا بلادي.. أنا باحبك يا بلادي يا كل واحد في الملايين بنت وولد طلوا وشوفوا درس النهارده يا مصريين كتبت ع التختة حروفه آدي ال "أ" وآدي ال "ب" هاتوا القلم نتكب عليه في ذاكرتكم لو جينا في مدرستنا الجديدة وكل مدرسة قصرية يا بلادي.. يا بلادي.. أنا باحبك يا بلادي ويضيف ثائر الكلمة الشاعر أحمد فؤاد نجم إلى ذاكرة الشعر العربي قصيدة أخرى يغلفها الحزن وفي نفس الوقت يتصاعد فيها الخطاب الثوري المقاوم، ويحكي فيها عن شهداء مجزرة بحر البقر وعن شهداء مصنع أبو زعبل: الخط دا خطي والكلمة دي ليا غطي الورق غطي بالدمع يا عنيا شط الزتون شطي والأرض عربية نسايمها أنفاسي وترابها من ناسي وان رحت أنا ناسي ما تنسانيش هي والخط دا خطي والكلمة دي ليا لاكتب علي كفي والحبر من دمي يا همتي كفي يا عزوتي ضمي أول ما ح نوفي بالوعد ح نسمي باسم اللي ماتوا صغار في المدرسة والدار والمصنع اللي انهار فوق الصنايعية والخط دا خطي والكلمة دي ليا ويواصل الشاعر زين العابدين فؤاد مسيرته الشعرية بقصيدته الأخيرة التي كتبها عن الشهداء، ولم ينسَ شهداء مجزرة "بحر البقر"، وعن قصيدته يقول فؤاد "الشهيد دائمًا مصدر إلهام بالنسبة لي، أحب أن أخلده في قصيدتي، أو أن تخلد قصيدتي من خلاله، وعندما كنت أكتب قصيدتي الأخيرة "بعتوا الرصاص يكتب أسامينا" لا أدري لماذا تذكرت شهداء مجزرة بحر البقر تحديدًا، ربما لأنني لم أكتب عنهم من قبل، وربما شعرت أن هذا تقصير مني، وقلت كيف لا أسجل هذه المجزرة التي قتلت فيها براءة الأطفال؟". بعتوا الرصاص يكتب أسامينا رجع الموكب شايل همه شايل شهداء ماشين في جنايز بعض شهداء من فوق الأكتاف شايلينهم شهداء فوق الأرض يا بلدنا يا بطن كبيرة كبيرة وبتخلف تنزف تزرع شهداء تحصد شهداء من قبل عرابي مات شهداء من بعد عرابي مات شهداء وفي كل طاعون وطاعون وفي كل ذراع بيخون بيموت شهداء يضحك في الضلمة قمر الرصاص يكتب أسامينا من الأطفال في بحر البقر أو بني سويف أو حمص الرصاص يكتب أسامينا من الشهداء اللي ما يعرفوش يكتبوا أساميهم قبل النهار ما يضمنا في الصف قبل الأمل ما ينام حمام في الكف قبل النعاس في حضن أهالينا بعتوا الرصاص يكتب أسامينا