رأي العديد من المحللين السياسيين أن مصر بصدد السقوط إلى الهاوية بل رأي البعض أنها ستدخل في أتون حرب أهلية طاحنة ستأكل الأخضر واليابس، والحقيقة أن هذه الرؤى لم تأت من فراغ بل ساقت لها العديد من المؤشرات خاصة بعد إصدار الرئيس الإعلان الدستوري في 22 نوفمبر 2012، ومنها إصرار التيار الإسلامي تنظيم مليونية موازية وقريبة من مليونية ميدان التحرير في منطقة عابدين بوسط القاهرة يوم الثلاثاء 27 نوفمبر، ورغم تأجيلها إلا أنه تم الإعلان عن مليونية أخرى في ميدان التحرير يوم السبت 1 ديسمبر رغم إعلان المعارضة اعتصامها في التحرير مما يؤشر لعنف مرتقب من جانب مؤيدي الرئيس تجاه معارضيه. وما أكد ذلك توجه مؤيدي الرئيس إلى اعتصام المعارضين صباح يوم 5 ديسمبر عند قصر الاتحادية، وقاموا بإزالة خيام المعتصمين وضرب وسحل البنات والسيدات المعتصمات وتعذيب وقتل 5 معتصمين، فضلا عن استمرار الاشتباكات بين الطرفين لساعات طويلة إلى أن انسحب مؤيدي الرئيس من محيط الاتحادية. وقد تزامن مع هذه الأحداث اشتباكات عدة بين مؤيدي ومعارضي الرئيس في محافظات عدة من الجمهورية، أسفرت عن سقوط عدد كبير من الجرحي، فضلاً عن إعلان ثوار المحلة الكبرى عن تشكيل مجلس إنقاذ الثورة يكون موازياً لرئاسة مجلس ومدينة المحلة، لمراقبة الأداء الحكومي في المدينة لضمان تحقيق أهداف الثورة من الحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية وتحقيق القصاص العادل لشهداء ومصابي ومعتقلي الثورة منذ 25 يناير 2011 وحتى تشكيل مجلس إنقاذ الثورة بالمحلة . كما سيطر ثوار الأسكندرية علي المجلس المحلي وأعلنوا العصيان المدني، وذلك -وفق ما جاء في بيانهم- اعتراضاً على ما قوبلت به الثورة السلمية من البطش والقهر، بالإضافة إلى أنهم سيعملون على تحقيق أهداف الثورة التي عجز نظام الرئيس محمد مرسي والإخوان عن تحقيقها بل وإنحرفوا بها بعيداً عن أهدافها ومبادئها. وقد زاد المشهد تعقيداً خروج الآلاف من أنصار الرئيس في منطقة رابعة العدوية، في حين يتجمهر الآلاف من المتظاهرين في محيط قصر الاتحادية في مليونية الكارت الأحمر يوم الجمعة 7 ديسمبر، بل وترددت أنباء عن بداية ثورة إسلامية وإلقاء بيانها من ماسبيرو لو تم الاعتداء على القصر الجمهوري أو اقتحامه. كل ما سبق مؤشرات من الممكن قراءتها على أنها سوف تسقط مصر إلى الهاوية، خاصة وأنه لم يظهر للأفق أي بادرة أمل من تصريحات المسئولين المختلفين سواء كان نائب الرئيس أو الرئيس نفسه في خطابه الذي ألقاه مساء يوم الخميس 6 ديسمبر، رغم أنه يسبق مليونية "الكارت الأحمر"، ليؤكد على استمرار الإعلان الدستوري وإجراء الاستفتاء في موعده يوم 15 ديسمبر. كل ما يسبق يؤذن أن الحل أو وجود أي انفراجه للمأزق لن تخرج من مؤسسة الرئاسة ولكن بضغط من خارجها، ويمكن تسجيل عدد من الملاحظات كالتالي: - إعلان العديد من هيئات القضاء عدم إشرافهم على الاستفتاء في ظل الإعلان الدستوري المكمل تضامناً مع الشعب المصري في ظل توتر الأجواء، وإعلاء لشأن ومصلحة الشعب المصري ككل، وهو ما سيسحب الشرعية عن الاستفتاء. - إعلان حوالي 230 دبلوماسياً في الخارج فيما يقرب من 137 سفارة و11 قنصلية عامة عدم الإشراف على الاستفتاء، ورغم حيادية وزارة الخارجية كمؤسسة تنفيذية إلا أن سقوط قتلى يوم الأربعاء الأسود دفع الدبلوماسيين إلى رفض الاشراف على الاستفتاء على مشروع دستور تسبب في إراقة الدماء. - وقوف المؤسسات الأمنية على الحياد من الاشتباكات بين الطرفين –رغم أن ذلك يخالف دورها المعتاد وهو منعهما من الاشتباك- مما اعطى انطباعاً برفض هذه المؤسسات دخول مؤيدي ومعارضي الرئيس في اقتتال بسبب السياسة، الأمر الذي اُعتبر رادعاً لمزيد من إراقة الدماء، وضاغطاً على مؤسسة الرئاسة لحل الأزمة. - موقف المعارضة الرافض للإعلان الدستوري والاستفتاء على الدستور، ورفض الحوار قبل إلغائه. - كثرة الحشود في كل من ميدان التحرير وحول قصر الاتحادية. - التصريحات الناقضة لمؤسسة الرئاسة من قبل عدد من الدول الغربية ومنها فرنسا وألمانيا فضلاً عن الاتحاد الأوروبي، وتغير ملحوظ في تصريحات الولاياتالمتحدةالأمريكية. كل ذلك يلقي بالكرة في ملعب مؤسسة الرئاسة التي يجب أن ترجع عن موقف استباقي لا مبرر له، خاصة أن اللجنة التأسيسية تفتقر إلى التوافق في تشكيلها، فضلاً عن أن القانون المنشيء لمجلس الشوري غير دستوري، وبدلاً من التزرع بأن إلغاء الإعلان سوف ينال من هيبة السيد الرئيس، وذلك لأن في مثل هذه الحجج ما يضفى قدسية على منصب رأت الثورة أنه لخدمة الشعب ومن ثم فإن تحقيق مصلحة هذا الشعب وإعلاء دولة القانون هي السبيل الأنجع في مثل هذه الظروف. ومن ثم، فإن الحل يقع في يد مؤسسة الرئاسة، ولكن بعد ارتفاع سقف المطالب والتي وصلت إلى المطالبة برحيل السيد الرئيس المنتخب لأنه فقد شرعيته لتعديه على القانون والدستور فضلا عن انقضاضه على المسار الديمقراطي الذي آتى به إلى سدة الحكم، هل سيقبل الشارع هذا التراجع عن الإعلان الدستوري بعد سقوط أرواح بريئة بسبب تأخر الرئيس في نزع فتيل الأزمة. الحقيقة أنه رغم توجيه الدكتور محمد البرادعي منسق جبهة الانقاذ كلمة للشعب، خفف فيها اللهجة الحاسمة التي وصلت إلى القول بأن الرئيس فقد شرعيته وأنه لا حوار قبل إلغاء الإعلان وتأجيل الاستفتاء، إلى ابداء الاستعداد إلى فتح حوار وطني مطالباً الرئيس بالخروج إلى الشعب معلناً إلغائه الإعلان الدستوري وتأجيل الاستفتاء. رغم كل ذلك، فإن القول الفصل فيما إذا كانت مصر ستسقط إلى الهاوية من عدمه هو للشارع نفسه الذي رفض ما جاء بكلمة الدكتور البرادعي، فضلاً عن عدم صدور رد فعل رسمي من قبل مؤسسة الرئاسة على الكلمة، الأمر الذي يعني أن الرئاسة مصرة على موقفها وأنها تنتظر تلبية المعارضة دعوتها للحوار دون إلغاء الإعلان الدستوري، مما يترك الأمر لرد فعل الشارع فيما ستؤل إليه الأمور. Comment *