جمعة "تطبيق الشريعة" شعار رفعته الجماعة الإسلامية وذراعها السياسي حزب البناء والتنمية، وتوافد تحت مظلته إلى ميدان التحرير والعديد من ميادين مصر للجمعة الثانية على التوالي، لإعلان رفضهم المادة الثانية من الدستور بوضعها الحالي، والمطالبة بتعديلها لتكون واضحة بدون التفاف (الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع ولا تقبل التعديل ولا الاستفتاء)، وأن تكون الجهة المنوط بها تفسير هذه المادة هي هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، وأن يتم النص في الدستور على ألا تخالف مواده الشريعة الإسلامية بحيث تكون قيدًا عامًّا على كل المواد. وأصل المادة الثانية في الدستور يرجع إلى المادة "149" من الدستور المصرى الصادر سنة 1923، والتي كانت تنص على أن (الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية)، ووضع هذا النص في 19 مايو سنة 1922، ولاقى هذا الاقتراح استجابة سريعة من أعضاء اللجنة المشكلة لوضع نصوص هذا الدستور، وتمت الموافقة عليه بالإجماع بغير تحفظ ولا مناقشة، وظل هذا النص يتردد في كل دستور يوضع للبلاد، ابتداء بدستور سنة 1923 ومرورًا بدستور سنة 1930، ثم دستور سنة 1956 في عهد ثورة 23 يوليو 1952، ثم دستور سنة 1964، ثم دستور سنة 1971، ولم يشذ من ذلك إلا دستور سنة 1958 في عهد وحدة مصر مع سوريا، إذ لم يكن دستورًا مكتملاً. ونصت المادة الثانية في دستور سنة 1971 على أن (مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع)، ثم عدلت المادة بتاريخ 22 مايو سنة 1980 واستبدلت عبارة (المصدر الرئيسي) ب(مصدر رئيسي)، والفرق بين العبارتين يرجع لأن العبارة الثانية لا تمنع وجود مصادر أخرى للتشريع بخلاف الأولى التي دخل على لفظيها الألف واللام بما يفيد الحصر، وبمقتضى هذا التعديل أتى المشرع الوضعي بقيد على السلطة التشريعية مؤداه إلزامها فيما تقرره من النصوص التشريعية بأن تكون غير مناقضة لمبادئ الشريعة الإسلامية بعد أن اعتبرها الدستور أصلاً يتعين أن ترد إليه هذه النصوص أو تستمد منه لضمان توافقها مع مقتضاه. ومؤدى هذا النص أنه لا يجوز لنص تشريعي يصدر في ظله أن يناقض الأحكام الشرعية القطعية في ثبوتها ودلالتها معًا، باعتبار أن هذه الأحكام وحدها هي التي يمتنع الاجتهاد فيها لأنها تمثل ثوابت الشريعة الإسلامية التي لا تحتمل تأويلاً أو تبديلاً، وبالتالي من غير المتصور أن يتغير مفهومها تبعًا لتغير الزمان والمكان إذ هي عصية على التعديل ولا يجوز الخروج عليها، أو الالتواء بها عن معناها. وتنصب ولاية المحكمة الدستورية العليا في شأن ذلك على مراقبة التقيد بها وتغليبها على كل قاعدة قانونية تعارضها، حيث تقدم المادة الثانية من الدستور - على هذه القواعد - أحكام الشريعة الإسلامية في أصولها ومبادئها الكلية، إذ هي إطارها العام وركائزها الأصيلة التي تفرض متطلباتها دومًا بما يحول دون إقرار أية قاعدة قانونية على خلافها، وإلا اعتبر ذلك إنكارًا لما هو معلوم من الدين بالضرورة، وهو ما أكدته أحكام المحكمة الدستورية العليا في أحكامها المتعاقبة. ومبادئ الشريعة الإسلامية عرفتها المحكمة الدستورية العليا بأنها ما ورد في الشريعة من أحكام قطعية الثبوت، قطعية الدلالة، مثل القرآن والسنة المتواترة، وهي التي رواها جمع من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين من المشهود لهم بالصدق، والمبادئ الكلية للشريعة هي: حفظ النفس، حفظ العقل، حفظ المال، حفظ العرض، حفظ الدين. وقامت اللجنة التأسيسة المنوط إليها وضع دستور مصر الجديد بمخاطبة هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف وعرفت مفهوم مبادئ الشريعة، وتم إضافتها بمادة في آخر نصوص مسودة الدستور الجديد. أما أحكام الشريعة فهي أوسع وأشمل؛ لأنها تشمل القرآن والسنة والإجماع والقياس والمصالح المرسلة وأقوال الفقهاء واجتهاداتهم، ومن ثم يدخل الخلاف الفقهي في الموضوع ما بين آراء الفقهاء وأصحاب المذاهب الأربعة، وتصبح المسألة خلافية لتعلق الموضوع بظروف اجتماعية والاجتهاد وغيرها. Comment *