بقلم أ.د. فؤاد النادي "مبادئ الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسى للتشريع" ملاحظات على المادة نصت هذه المادة على أن الإسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية ثم قررت أن "مبادئ الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسى للتشريع" ويعود هذا النص تاريخيا الى الاستفتاء الذى اقترحه الرئيس الراحل "محمد أنور السادات" فى 30 ابريل 1980 والذى تم الاستفتاء عليه فى مايو من ذات العام والذى ادخل بمقتضاه بعض التعديلات الدستورية منها النص السابق الإشارة اليه بلفظه السابق . وكان النص الوارد فى دساتير مصر السابقة (1923 ,1930، 1956، 1971، 1964 )قبل التعديل المشار اليه يقتصر على أن "الإسلام دين الدولة " دون التص على اعتبار "مبادئ الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسى للتشريع"، وإن كان دستور1971 نص على اعتبار "مبادئ الشريعة الاسلامية مصدر رئيسى للتشريع " فجاء التعديل الذى تم فى مايو 1980 مضيفا "الالف واللام" للفظ مصدر وللفظ رئيسى. النتائج المترتبة على هذا النص: وقد تبنينا مجموعة من النتائج على هذا التعديل أهمها: النتيجة الاولى: سحب الشرعية عن التشريعات القائمة ايا كان مصدرها اذا ما خالفت نصا من نصوص الشريعة ايا كان مصدر هذا النص ( قرآن- سنة- إجماع- قياس أو غير ذلك من المصادر)، ويحق لذوى الشأن الطعن بعدم دستورية القانون المبتغى تطبيقه، كما يحق للمحكمة من تلقاء نفسها إذا ما ارتأت أن القانون الواجب تطبيقه مخالف لأحكام الشريعة. النتيجة الثانية: أنه يتعين على مجلس الشعب أن يتوجه صوب الشريعة الإسلامية باعتبارها المصدر الرئيسى للتشريع فى كل الحالات التى ينهض المجلس بواجبه الرئيسى وهو سن التشريع. غير أننا ننبه إلى أن التزام المشرع بالتوجه صوب شريعة الإسلام ليستقى احكام التشريع المراد سنه ليس نابعا من نص الدستور بأن دين الدولة الإسلام، ولا من تقريره أن مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع فمثل هذا القول من شأنه التسليم بأن الذى اضفى على مبادئ الشريعة القوة الملزمة لمبادئها هو نص الدستور وهو أمر لا نسلم به وفيه إعتداء صارخ على ألوهية الله عز وجل، لأن إرادة المحكومين فى هذه الحالة هى التى تضفى على شرع الله القوة الملزمة وهذا لا يخرج عن كونه زندقة وكفرا ويتنافى مع اعتبار أى دولة إسلامية فالذى يضفى على قواعد الشريعة حتمية تطبيقها وأساس إلزامها هو الله عز وجل وهذا يسوغ لنا القول بسقوط أى نص فى الدستور يتنافى مع قواعد الشريعة الإسلامية وذلك بإعتبار هذه القواعد فوق دستورية وذلك لأن البناء القانونى لأى دولة إسلامية ابتداء من الدستور وحتى ادنى قواعد التشريعات الفرعية يتحتم أن تتفق مع أخكام الشريعة الإسلامية ومن ثم فإن قواعد الشريعة الإسلامية يجب أن تكون النطاق والإطار الذى تخضع له سائر النظم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية هنا فقط تتحقق حاكمية الشريعة وسيادتها على كل الأنظمة ولا تكون كذلك إلا إذا سقطت كل القوانين الوضعية المخالفة لشرع الله عز وجل. النتيجة الثالثة: إن تقريرنا بسقوط كل القوانين المخالفة لشرع الله وضرورة توجه المشرع إلى منابع الشريعة الصافية فى سن التشريع فى أى منحى من مناحى الحياة يستوجب قبل ذلك أن يتكفل علماء الشريعة ببيان أحكام الله عز وجل فى كل مناحى الحياة وذلك لقطع السبيل على الذين يرمون الشريعة الإسلامية – عن جهل بأحكامها وعدم الإلمام بأصولها وقواعدها –بأنها لا تتلاءم مع التطور وأن الأخذ بها يعد تخلفا ورجوعا الى الوراء. ومن ثم فإن مطالبتنا بسقوط التشريعات القائمة والهياكل القانونية المستندة إليها التى تخالف أحكام الشريعة الإسلامية يستوجب قبل ذلك كله قيام علماء الشريعة ورجال القانون ممن وقفوا على أحكام الشريعة الإسلامية وخبروا أصول صناعتها وكيفية استنباط الإحكام من مصادرها ببيان حكم الله فى المعاملات الجارية بين الناس وما أوجدته مستحدثات الحياة الجارية بينهم. والقول بغير ذلك من شأنه أن يؤدى إلى نتائج خاطئة قد تؤثر تأثيرا خطيرا فى فهم الناس للإسلام كما تؤدى إلى تطبيقات خاطئة للإسلام تنسب إليه فى النهاية. النتيجة الرابعة: أن القول بتقنين الشريعة ليس من شأنه أن يحول دون الاستعانة بتجارب الأمم الأخرى التى لا تتعارض مع أهداف الإسلام وأصوله، فكثير من التشريعات القائمة أوجدتها سنن التطور ومستجدات الحياة ومتطلباتها والاخذ ببعضها فى المجتمع الإسلامى لا يتعارض مع قواعد الشريعة الإسلامية وأصول بنائها ومن ثم فإن الأخذ بهذه القوانين المستمدة من تجارب الأمم الأخرى غيرالإسلامية لا يعارضه الإسلام بل قد يستند إلى مصادر الإسلام ذاته. وقد تفاءل الشراح بهذا التعديل على أساس أن اعتبار دين الدولة الإسلام، ومبادئ الشريعة المصدر الرئيسى للتشريع قد قطع السبيل أمام المعارضين للشريعة الإسلامية، القلة منهم من المسلمين العلمانيين وبعض غير المسلمين الذين رأوا أن تطبيق الشريعة باعتبارها المصدر الرئيسى فيه إجحاف بحقوقهم وهو ما رآه أغلب العلمانيين مسلمين وغير مسلمين. وقد أسفر التطبيق العملى منذ عام 1980 تاريخ التعديل الدستورى المشار إليه حتى يومنا هذا تنحية الشريعة الإسلامية عن التطبيق، كما أسفر التطبيق عن جعل هذا النص نصا شكليا زوق به الدستور المصرى . لذلك قلنا فى كتابنا تقنين الشريعة الإسلامية بين النظرية والتطبيق عام 1986 فى نهايته بأن الأمر جلى وواضح ( جعل هذا النص نصا شكليا فى الدستور) فبعد أن قامت اللجان التى شكلها مجلس الشعب من إعداد مشروع مجموعة مستقاة من التقنيات من الشريعة الإسلامية فى ظل المادة الثانية بعد تعديلها دفنت هذه المشروعات دون سبب معقول وقلنا آنذاك أننا لا ندرى مع غيرنا والمقصود هنا هو المرحوم الشيخ /صلاح أبو إسماعيل كما ورد فى كتاب "أحكام إسلامية إدانة للقوانين الوضعية "للمرحوم المستشار محمود غراب –ما الذى حال دون مجلس الشعب وإقرار هذه المشروعات ويلم التقاعس عن تطبيق شرع الله ...وإلى متى...وإلى أى مدى...وقد ضاقت الصدور بهذا المخطط الشيطانى الذى يحول دون المضى قدما فى إخراج هذه القوانين إلى النور ..وقلنا آنذاك أننا مع القائلين بعد ذلك كله...وقبل ذلك كله أن حق القضاء قائم وثابت فى الامتناع عن تطبيق أى قانون مخالف لنص المادة الثانية المشار إليها وأن هذا الحق تلقاه القضاء من نص الدستور وقبل ذلك تلقاه من رب العالمين... ومع ذلك وضعت العراقيل أمام القضاء لتفسيرات سنوجزها بعد قليل ..بل أحيل بعض المستشارين إلى التفتيش الفنى لتنديده بالقوانين الوضعية فى أحكامه وإشارة إلى المقابل لها فى الشريعة الإسلامية وأهم العراقيل التى وضعت أمام هذا النص مما يفرغه من مضمونه ويجعله نصا شكليا زوق به دستور 1971 وهو ينقل بنصه وشحمه ولحمه الآن إلى الدستور الجديد . العراقيل التى وضعت للحيلولة دون تطبيق نص المادة الثانية من دستور 1971 : أولا: ما جرت عليه دساتير مصر إبتداءا من دستور 23 حتى دستور 1971 من تضمين هذه الدساتير نصا يقرر بأن كل ما قررته القوانين واللوائح من أحكام قبل صدور هذا الدستور يبقى صحيحا ونافذا (المادة 191 من دستور 1971 ) مما يعنى أن كافة التشريعات الموجودة فى القوانين القائمة سواء كانت متفقة مع الشريعة الإسلامية أم مخالفة لها، والاخيرة تظل سارية مبرزة لسانها مع مخالفتها الصريحة للشريعة وفى بعض الأحيان تكون مخالفة لنصوص قطعية الثبوت وقطعية الدلالة وهو ما أكدته المحكمة العليا والمحكمة الدستورية العليا بعدها فى العديد من أحكامها ولمن يريد أن يقف على ذلك أن يراجع ما سطره المستشار محمود غراب فى هذا ألشأن. ثانيا: أن اتجاه المحكمة الدستورية حينما تعرضت لمبادئ الشريعة الإسلامية كمصدر للتشريع قصرت هذه المبادئ على النصوص قطعية الدلالة قطعية الثبوت وهو ما يختزل معظم أحكام الشريعة الإسلامية لأن ذلك الاتجاه يحصر هذه المبادئ فى بضعة نصوص من القرآن الكريم وأخرى فى السنة النبوية المطهرة لا تزيد عن أصابع اليد الواحدة. ثالثا: أن المادة الأولى من القانون المدنى وهى مادة تعد شريعة عامة يلتزم بها القاضى الدستورى والقاضى فى القضائين العادى والادارى تلزم القاضى بأن يطبق أولا التشريع، فإن لم يجد فى التشريع حكما يلجأ إلى العرف فإذا لم يجد حكما يلجأ إلى الشريعة الإسلامية وترتيبا على ذلك فإن الشريعة الإسلامية كلها ومن بينها المبادئ التى جعلها الدستور المصدر الأساسى للتشريع يكون موقعها بين مصادر القانون بعد التشريع والعرف، مما يجعل الشريعة بعيدة عن التطبيق من حيث الواقع حيث يتعذر أن لا يجد القاضى حكما فى التشريع أو فى العرف حتى يلجأ إلى الشريعة الإسلامية مما يجعل النص الذى يقضى بأن مصر دينها الإسلام ومبادئ الشريعة المصدر الرئيسى للتشريع خاليا من اى مضمون فى بلد تعترف دساتيرها المتعاقبة بأن دينها الإسلام فهذا النص تجريد للأمة من دينها لأنه بمثابة تنحية لأحكام الشريعة ويعد نص المادة الثانية على هذا النحو حبرا على ورق لا قيمة له ولا معنى ليس له اى دلالة قانونية لذلك قلنا فيما كتبنا أن نص المادة الاولى من القانون المدنى يعتبر من النصوص الباطلة المخالفة لدستور 1923 الذى صدر القانون المدنى فى ظله كما أنه يتعارض مع دساتير مصر 1956، 1964، 1971، وعلى كل من يقول غير ذلك أن يقرأ كتب الفرقة الأولى فى مدخل القانون، وفى القانون الدستورى فى جميع كليات الحقوق والشريعة والقانون ليسلم بهذه الحقيقة المرة. رابعا: أن نص المادة من الدستور على النحو الموجود فى دستور 1971 والمنقول إلى مشروع الدستور الجديد المخاطب به المشرع وليس القاضى لأن القاضى حددت له المادة الأولى من القانون المدني ترتيب المصادر التى يلجأ إليها، ولا يوجد ما يلزم البرلمان –مجلس الشعب- بأن يتوجه إلى مصادر أو مبادئ الشريعة الإسلامية، وإذا تخطى البرلمان مبادئ الشريعة فإنه لا يكون قد وقع فى مخالفة دستورية بدليل أن البرلمان منذ أن أدخلت هذه المادة بين نصوص الدستور تعمد عدم المضى فى سن مجموعة مشروعات من القوانين التى استمدت من الشريعة الإسلامية فى مطلع الثمانينات ومر ذلك مرور الكرام ودون أن يشير أى من فقهاء القانون الدستورى ولو ببضعة سطور سوى قلة من الشراح وقلة من علماء الآزهر آنذاك دون أن تلتفت أغلبية الفقه إلى ذلك ولو بكلمة مواساة ثم بعد ذلك نهلل بأن الإبقاء على نص المادة الثانية كما هو مكسب كبير ..ولا حول ولا قوة إلا بالله ... خامسا : أن عبارة المصدر الرئيسى للتشريع لا تعنى مطلقا أن مبادئ الشريعة هى المصدر الوحيد للتشريع وإنما الأمر كما فسرته المحكمة العليا، ةأكدته بعد ذلك المحكمة الدستورية العليا أن عبارة المصدر الرئيسى لا تنفى وجود مصادر أخرى ثانوية أو غير رئيسية تناطح مبادئ الشريعة ويستطيع البرلمان أن يعدل عن المصدر الرئيسى إلى المصدر الثانوى أو غير الرئيسى دون حرج .. ولماذا يكون فى حرج وهو يمارس التشريع باعتباره نائبا عن الأمة وأنه صاحب السيادة فى هذا المجال وأنه لا يوجد ما يلزمه بأن يلجأ إلى المصادر الثانوية أو غير الرئيسية وإن فعل فلا يعد مخالفا للدستور وبالتالى فإن التشريع الصادر منه لا يتسم بعدم الدستورية مما يجعل نص المادة الثانية خاليا من أى مضمون ومسئولية البرلمان هنا مسئولية سياسية لا تزيد عن تأنيب الضمير. سادسا: يؤكد ما انتهينا إليه من تفسير المحكمة الدستورية لعبارة "مبادئ الشريعة الاسلامية المصدر الرئيسى للتشريع " ومن قبلها المحكمة العليا ما ذهبت إليه المحكمة العسكرية العليا فى محاكمة الشهيد سليمان خاطر قبل مقتله وأثناء محاكمته حيث دفع أمامها بعدم دستورية مواد التجريم والعقاب الواردة فى قرار الاتهام لمخالفتها لنص المادة الثانية، فردت المحكمة هذا الدفع بأن ذلك مردود علبه بأن عبارة المصدر الرئيسى فى الدستور لا يمنع لغوبا من وجود مصدر أو مصادر أخرى فرعية أو غير رئيسية. وهذه بعض الملاحظات على الإبقاء على المادة الثانية من الدستور كما هى ...أما القول بأن الأزهر الشريف سيكون المرجعية الأساسية فى تفسير مبادئ الشريعة الإسلامية فهو نوع من إلهاء المهتمين بهذه القضية.. ولا يخرج الأمر عن القيمة القانونية للنص الذى يخول للمفتى بأن يبدى رأيه فى المحكوم عليهم بالإعدام... فالمحكمة تستطيع أن تلتفت عن رأيه دون حرج... وقد فعل الأزهر خيرا حينما تنازل عن اقتراحه بأن يكون المرجعبة فى تفسبر كلمة المبادئ وترتيبا على ذلك فإننا نفترح أن يكون نص المادة كالتالى: النص المقترح: " الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية والشريعة الاسلامية هى المصدر الأساسى للتشريع وفقا لما انتهى اليه أهل السنة والجماعة "أو يكون النص كالآتى " الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية والشريعة الاسلامية هى المصدر الوحيد للقوانين جميعا "وذلك حتى لا تعتبر هذه المادة نصا شكليا يزوق به الدستور المصري ... ألا هل بلغت اللهم فاشهد. "والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون" صدق الله العظيم أ.د /فؤاد محمد النادى أستاذ القانون العام دستورى-وإدارى والمستشار القانونى لجامعة الازهر