يتأكد، من خلال متابعة ما قدمته دراما التليفزيون المصري والعربي في رمضان هذا العام، أن أفضل مسلسل مصري هو "الخواجة عبد القادر" إخراج شادي الفخراني، وأفضل مسلسل مصري عربي هو "نابليون والمحروسة" إخراج التونسي شوقي الماجري، وأفضل مسلسل عربي شارك فيه مصريون "عمر" إخراج السوري حاتم علي (الذي شارك فيه ممثلون مصريون مثل عبد العزيز مخيون)، وأفضل مسلسل عربي "الغالبون" (الجزء الثاني) إخراج السوري رضوان شاهين. والأخير (الغالبون) هو عمل فني يرتقي إلى مستوى (الفن الوثيقة)، فهو عمل يمتع كفن ناضج وراق، لكنه في نفس الوقت يمكن الرجوع إليه، كتاريخ دقيق موضوعي لكفاح الشعب اللبناني ضد الاحتلال الصهيوني، وكيف نشأت المقاومة، واشتد عودها؟. ومن أبرز مؤسسيها وأبطالها، قادتها ورموزها؟. وكيف انطلقوا بهمة فذة وهامة عظيمة، حتى استطاعت أن تكون المقاومة اللبنانية بل العربية الكبرى، في هذا العصر، أن تحرر الجنوب اللبناني، وتدحر العدو، ويهابها العدو ومن ورائه، حتى اليوم وفي كل يوم، فلا يكفوا عن أن يحيكوا المؤامرات ضدها.. لكن مقاومة الشعوب تنتصر دائماً، والإنسان لا يقهر أبداً: هذا ما يؤكده مسلسل "الغالبون" الراقي ببلاغة بصرية، وديكور دقيق، وموسيقى مصاحبة معبرة درامياً، وأداء تمثيلي متقن، مرهف، إنه عمل يستحق أن يعاد عرضه، وأن يراه ويتأمله ويتدبر معانيه كل مواطن عربي، خاصة في ظرفنا الراهن. أما مسلسل "عمر" فهو العمل الإبداعي الأنضج والأكبر إنتاجاً، في معالجة وتناول سيرة الإسلام، وكان طبيعياً أن يتداخل في حلقاته الأولى العرض للبعثة المحمدية وصدر الإسلام، مع السيرة الشخصية لعمر بن الخطاب في تلك الفترة، وقد بدا من اللحظات الأولى للمسلسل تفوق مختلف عناصره كالديكور والتصوير والموسيقى وأيضاً تفوق ممثليه خاصة غسان مسعود في أداء شخصية أبي بكر الصديق، وعبد العزيز مخيون في أداء شخصية أبي طالب، وممثلي شخصيات عمرو بن العاص وبلال ووحشي وأبو الحكم وهند والنجاشي.. وغيرهم، وهذا النجاح في الأداء وقوته هو أكثر ما يمكن أن يقنع بصواب وفائدة تمثيل شخصيات الصحابة في الأعمال الفنية، كما فعل هذا المسلسل لأول مرة، ليس بشجاعة فحسب، وإنما بهذا النجاح أولاً والقدرة على الإقناع من خلاله! كما أن مسلسل "نابليون والمحروسة" يثبت للمقارنة مع "عمر" من حيث المستوى الرفيع للرؤية أو الكتابة البصرية للمخرج، والمقدرة على إعادة خلق واقع بكامله وتفاصيله من التاريخ العربي أو المصري، وسواء في المشاهد النابضة بالحياة الإنسانية الاجتماعية للشخصيات، أو المعارك التي تتطلب مقدرة تكنيك خاصة، وفي رأينا أن الممثلين قدموا أدواراً لا تنسى في "نابليون والمحروسة"، سواء الراسخين مثل ليلى علوي وسوسن بدر وهادي الجيار، أو الشباب المتميزين بمواهبهم مثل شريف سلامة وفرح يوسف وسهر الصايغ وغيرهم. وبمناسبة التمثيل فقد قدم يحيى الفخراني في رأينا في "الخواجة عبد القادر" دور عمره الفني على كثرة ما قدم من أدوار بأداء راق وتألق الآخرون وفي مقدمتهم الممثلة العربية السورية الكبيرة سلافة معمار بحضورها الخاص، بالإضافة إلى أنه لفت الأنظار بقوة أداء إبراهيم فرج في دور الشيخ عبد القادر، والممثل السوداني عبد الخالق عمر في دور فضل الله. إن "الخواجة عبد القادر" هو أصدق وأكبر عمل درامي شاهدناه حتى الآن عن التدين الجميل السمح وروح التصوف الحقة من غير أن يكون دراما دينية وهو عمل فني ناضج على كل المستويات، عن الحب الذي لا يكون حباً حقيقياً إلا إذا كان من غير أسباب، وعن التغيير المنشود لحياة البشر الذي لا يكون تغييراً حقيقياً بغير الحب!. نعم يكفي الموسم الدرامي الرمضاني هذا العام، أن قدم هذه الأعمال الكبيرة، التي تستحق المشاهدة، بل وإعادة المشاهدة ومعاودة التأمل. ومن الطبيعي أو العادي، أن تكون هناك في أي موسم أو مهرجان فني أعمال متراوحة المستوى، ما بين النضج والضعف أو حتى الهزال، لكن ما يبقى ويمكث وينفع، هو عادة بعض الأعمال، المهم أن تكون موجودة ومتحققة.. حتى ولو كانت أربعة أعمال لا أكثر، مثل "عمر"، و"نابليون والمحروسة"، و"الخواجة عبد القادر".. التي تمثل الفن المصري والعربي.. و"الغالبون".. الذي يمثل كل الفن العربي والضمير العربي. Comment *