يبدو أن المدونات أصبحت خط المواجه الأول في معركة حرية الإبداع في تونس, بعد أن تصاعدت ما وصفه نشطاء تونسيون بحملة حكومية متصاعدة ضد حرية الرأي والإبداع. ويحاول المدونون التونسيون تغطية تحركات الشارع التونسي ضد سياسات التنمية والبطالة ومتابعة وتوثيق المحاكمات المتعلقة بقتل متظاهري الثورة وسط تخاذل أجهزة الإعلام والصحف الرسمية والمستقلة, ويتعرضون للتضييق والاعتقال وحجب مواقع مدوناتهم وقرصنة صفحاتهم الخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي. وأمس الأول, اعتقلت وزارة الداخلية التونسية المدون سفيان الشواربي أحد الداعين إلى التظاهرات ليل الأحد وسط العاصمة ضد سياسات الحكومة التنموية وتفشي البطالة، وذلك بتهمة "الاعتداء على الأخلاق الحميدة" و"شرب الخمر بمكان عمومي" بعد أن وجدته مع شاب وفتاة على شاطيء المنصورة. وربطت المحامية حادثة اعتقال الشواربي بدعوة التونسيين إلى التظاهر مساء أمس وسط العاصمة تونس ضد سياسات الحكومة، وقالت المحامية إن المدون والناشط السياسي أكد لها أنه كان نائما في الخيمة التي نصبها على الشاطئ. وبالنسبة إلى عقوبة "الاعتداء على الأخلاق الحميدة" قال المحامي محمد العبيدي لوكالة فرانس بريس أن عقوبة "شرب الخمر بمكان عمومي" القصوى تصل في القانون التونسي إلى السجن 6 أشهر نافذة. الصحفي والمدون سفيان الشواربي كان من أوائل الصحفيين ممن انتقلوا إلى قلب الأحداث بمدينة سيدي بوزيد، وقام بتسجيل ما يحصل بالصوت والصورة، والكتابة عنها في صحف عربية وتونسية، وقد تم إيقافه من قبل سلطات الأمن ومصادرة أدوات عمله، وعرف الشواربي بمعارضته لنظام زين العابدين، ودفاعه عن حرية الانترنت التي لم تكن متاحة في عهد بن علي، وبعد الإطاحة بابن علي أسس الشواربي "جمعية الوعي السياسي" غير الحكومية وهو يعمل مراسلا لموقع "معهد صحافة الحرب والسلام" ومواقع إلكترونية أخرى. وفي وسط غياب التغطيات الصحفية والإعلامية للحركات الاحتجاجية المتنامية في الشارع التونسي ولمحاكمات تتعلق برموز النظام السابق وطريقة إجراءاتها، يحاول المدونون التونسيون سد هذا النقص وتوثيق تلك الأحداث مع البقاء في حالة تفاعل مع غليان الشارع التونسي. وقد منعت الشرطة العسكرية يوم 21 مايو الماضي المدون رمزي بالطيبي 36 سنة من التصوير وصادرت كاميرته في محاكمة عسكرية يلاحق فيها الرئيس السابق زين العابدين بن علي الذي أطاحت به الثورة في 14 يناير 2011 وتختص بأحد رموز الأمن في النظام السابق في قضايا تتعلق بمقتل متظاهرين خلال الثورة في مدينتي تالة والقصرين. ويطالب بالطيبي بسحب المحاكمات المتعلقة بشهداء الثورة من القضاء العسكري، وتشكيل هيئة قضائية مستقلة متخصصة غير استثنائية تقوم بالمحاكمات والتحقيق في هذه القضايا. وقاد بالطيبي إضرابا عن الطعام في 28 مايو الماضي للدفاع عن حرية التعبير والمطالبة بعدالة انتقالية شفافة في تونس، ويدون رمزي بالطيبي في موقع "نواة" الإلكتروني الذي كان محجوبا في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي. ويهتم موقع "نواة" بحرية الإبداع والتعبير ويسلط الضوء على القمع المسلط ضدها، وقد نشرت "نواة" بالأمس عن قضية الشهيد أمين القرامي وذكرت أنها كشفت أثناء المحاكمة التي يصر الجيش التونسي أن تكون تحت قضائه كسائر المحاكمات المتعلقة بقتلى الثورة، أن هوية قناص من الذين أدى رصاصهم لاستشهاده فرد من الجيش التونسي، وندد الموقع ببقاء المسؤولين عما وصفته بمجازر الثورة من المسؤولين الأمنيين في مناصبهم وترقية بعضهم. و يطرح المجتمع المدني والعديد من الحقوقيين والناشطين تساؤل حول الدول الذي لعبته المؤسسة العسكرية في الأحداث التي شهدتها تونس خلال الثورة؟ ويعتبر بعضهم أن الجهازالعسكري والأمني كيانا واحدا. بعد 14 يناير التحق بعض المدونين بأحزاب سياسية أو بقائمة مستقلة من أجل الترشح إلى انتخابات المجلس التأسيسي، وآخرون أسسوا صحفا إلكترونية، بينما اكتفى آخرون بمواصلة التدوين. وتعرضت بعد الثورة عدة مدونات في تونس للقرصنة والإغلاق مثل مدونة "بنية تونسية" للمدونة التونسية المرشحة لجائزة نوبل "لينا بن مهني" وعلق على إغلاقها سفيان الشواربي والذي يدير "الشبكة العربية لحرية الإنترنت" بقوله "ما تعرضت له المدونة لينا بن مهني ليس سوى حلقة جديدة من مسلسل عمليات الحجب المتتالية التي تنال مدونات في غالبها لا ينشر موضوعات محرمة" ودعا الشواربي – وفقا لمدونة لا لتكميم الأفواة - كل المدونيين التوانسة للتكاتف والنضال المشترك ضد عمليات الحجب التي لا تفرق بين مدونة وأخرى. وتعتبر سياسة حجب المدونات امتدادا لما كان يفعله نظام بن علي على ذات المدونين الذين عانوا من قمعها في النظامين قبل الثورة وبعدها، وتوجز المدونة لينا ظروف التدوينات بعد الثورة مقارنة بما قبلها في حوار مع راديو كندا "حاليا يجب أن أفكر ألف مرة قبل أن أكتب، أمارس نوعا من الرقابة الذاتية، بينما كنت أكتب ما أريد في عهد بن علي علما بأن الرقابة ستحجبه". وقد قاطعت لينا الانتخابات التشريعية السابقة بسبب مشاركة أكثر من 50 حزب متكون من بقايا التجمع الدستوري حزب بن علي. ويسود قلق في أوساط المبدعين والمدونين التونسيين حول حرية التعبير في الدستور الجديد حيث حذرت أمس الكتلة المعارضة داخل المجلس التأسيسي من الضغوطات التي تمارسها حركة النهضة بهدف صياغة دستور يحد من حرية الإعلام والإبداع. شكوك حول أسباب اعتقال المدون سفيان الشواربي بعد دعوته لمظاهرات ضد الحكومة.. وحملة حقوقية ضد "تكميم الأفواه"