لا يشك أحد في أن الرئيس المنتخب محمد مرسي يتعرض لمؤامرة لإسقاطه ولإظهاره في صورة الرجل الضعيف، قد يكون المجلس العسكري هو الطرف الأول في هذه المؤامرة بداية من الإعلان الدستوري المكمل الذي أسميته في مقال سابق "الانقلاب غير الدستوري المكمل"، وقد تكون بعض مؤسسات الدولة التي ما زالت في قبضة رجال مبارك هي أيضا طرف في هذه المؤامرة. قد يكون ذلك صحيحا ولكن الصحيح أيضا أن جماعة الإخوان نفسها تلعب دورا لا يستهان به في إنجاح هذه المؤامرة. جماعة الإخوان هي الطرف الثالث وقد يكون الأخطر الذي سوف يُسرع من مؤامرة الطرفين المذكورين، وفيما يلي قرائن ذلك. مرسي يقترب من إنهاء الشهر الأول لرئاسته، وهي فترة طويلة إذا ما عرفنا أن مدة الرئاسة حتى الآن على الأقل أربع سنوات، وهي فترة طويلة أيضا بالقياس لخطة المائة يوم التي طرحها مرسي، فها قد مر ثلث هذه المدة دون أن نلحظ تقدما في أي من الملفات التي وعد بحلها، بل على العكس ما نراه هو مزيد من التباطؤ ومزيد من الفشل في إدارة تلك الملفات. هل الإخوان مسئولون عن ذلك؟ نعم الإخوان مسئولون بشكل غير مباشر، ذلك أنهم بتعاملهم مع مرسي باعتباره رئيسهم وحدهم وليس رئيسا لكل المصريين، وباعتباره أداة ليس إلا في خطة التمكين، أو أداة في خطة "فتح مصر" حسب أدبياتهم، يساهمون بدرجة كبيرة في دفعه للانشغال بقضايا غير تلك التي من المفترض أن يتفرغ لها. قبل خوضه انتخابات الإعادة وحين وجد نفسه ووجد جماعته أمام شبح تكرار سيناريو 54 في حال فوز شفيق اضطر للاتصال بالقوى المدنية لمساندته بحجة إنقاذ الثورة. بعض هذه القوى لم يبخل بدعمه مخلصا لإنقاذ الثورة فعلا، حتى أن الملايين السبعة التي حصل عليها زيادة عن الأصوات التي حصل عليها في المرحلة الأولى لم تكن غير أصوات هؤلاء الذين رغبوا بشدة في "عصر الليمون" للمساهمة في توصيل مرسي لقصر الاتحادية. في هذه الأثناء اضطر مرسي لمنح هؤلاء بعض الوعود أولها أن يقوم فور تنصيبه رئيسا بتعيين نائبين (البعض تحدث عن حمدين صباحي وعبد المنعم أبو الفتوح) وثانيها أن يقوم بتشكيل حكومة توافقية يرأسها وهذا المهم شخصية عامة توافقية (البعض تحدث عن الدكتور البرادعي والدكتور حسام عيسى) فماذا فعل مرسي خلال شهر رئاسته من ذلك؟ لا شيء. جماعة الإخوان المشغولة بخطة التمكين ضغطت على مرسي لإصدار قرار هو الأسوأ لأي رئيس لافتتاح مدته الرئاسية، وأقصد به قرار إعادة مجلس الشعب، وهو القرار المخالف لحكم قضائي من أكبر محكمة في مصر. كان يمكن أن ينتهي الأمر عن ذلك خصوصا وأن كثير من الناس رأوا في القرار تحديا للمجلس العسكري ومحاولة لاقتناص سلطة التشريع من المجلس العسكري غير المنتخب، ولكن صمت مرسي فيما بعد وإعلانه رسميا احترام أحكام القضاء بعد الحكم الثاني للمحكمة ألعب الفأر في عب الجميع، خصوصا بعد اكتشافنا أن القرار لم يكن إلا حجة لانعقاد قصير لمجلس الشعب لإحالة مشروع تحصين الجمعية التأسيسية لرئيس الجمهورية للتصديق عليه. كانت لعبة سياسية خائبة إذن لإنقاذ الجمعية التأسيسية التي يهيمن عليها الإخوان، ولم يكن غرض القرار سحب سلطة التشريع من العسكري. يبدو إذن أننا وحدنا المشغولون بالسلطة غير الشرعية للمجلس العسكري، وإلا ما الذي يبرر انسحاب الإخوان من ميدان التحرير بعد فوز مرسي، وإلا ما الذي يبرر تصديق مرسي نفسه على قوانين محالة إليه من المجلس العسكري؟ ما دفع الدكتور علاء الأسواني أكثر المؤيدين لمرسي إلى التساؤل "ألا يعطي مرسي بتصديقه على تلك القوانين شرعية ما للمجلس العسكري على التشريع؟". ماذا يفعل مرسي في قصر الاتحادية إذن؟ انشغل مرسي عن تنفيذ وعوده التي لا تحتاج لأكثر من يومين على الأكثر بمشاكل الإخوان وبمصالح الجماعة والحزب، ليس هذا فحسب بل إن الجماعة فيما يبدو تضغط عليه لاستبعاد أسماء بعينها، هي تلك الأسماء التي لن يمكن السيطرة عليها، التي لن يمكن للجماعة توظيفها لصالحها. أغلب الأسماء التي تم تداولها ومن مصادر مقربة من مرسي لا ترقى لمستوى الطموحات، كما أنها ليست شخصيات عامة كالبرادعي وحسام عيسى وعبد الجليل مصطفى. ليس هذا فحسب بل إن الإخوان كالدبة التي تقتل صاحبها دأبت عبر رموزها للتحدث طوال الوقت باسم الرئيس، تصريحات من غزلان وصالح وغيرهما كما لو أن مرسي ما زال رئيسا للحزب وليس رئيسا لمصر، بل إنه حين قرر التخلص من هذا العبء قرر تعيين متحدث رسمي باسم الرئاسة من بينهم. بل إن أعضاء الإخوان بدأوا في ممارسات أضرت بمرسي وبجماعتهم أيضا، فنشطت اللجان الالكترونية للهجوم على أي شخص يقوم بانتقاد الرئيس، بل ووصف أي معارض بأنه فلول، بل واعتدوا على أحد رموز الحركة الوطنية وهو حمدي الفخراني، فضلا عن نشاط تلك اللجان في سب حمدين صباحي والهجوم غير المبرر على البرادعي، فضلا عن الهجوم غير المهذب على أي شخص عادي على صفحات الفيس بوك. مرسي نفسه يبدو أنه لم يصدق بعد أنه أصبح رئيسا لمصر وليس رئيسا لحزب سياسي، لم يصدق أنه يجلس في قصر الاتحادية وليس في مقر الجماعة في المقطم، وإلا ما معنى إيفاد مندوب رسمي من رئاسة الجمهورية لحضور عزاء السيدة حميدة قطب رحمة الله عليها الشقيقة الصغرى للشهيد سيد قطب! والغريب هو تبرير ذلك بكون الراحلة أديبة (!) فهل أوفد سيادته مندوبا رسميا لحضور جنازة الكاتب الكبير محمد البساطي أو الكاتبة الكبيرة حسن شاه أم أن أي منهما لم يحظ بهذا الشرف لأنه كان من أدباء الكفار لا أدباء الإخوان؟ وأخيرا و قبل أن تنشط لجان الإخوان لمهاجمتي أقسم بالواحد الأحد أن الغرض من هذا المقال ليس الهجوم على الإخوان وإن كان هذا حق دستوري لي وإنما الغرض منه إنقاذ مرسي من الطرف الثالث الذي قد ينوب عن الأطراف كلها في إسقاطه بأسرع مما تتخيلون. اللهم قد أبلغت اللهم فأشهد. Comment *