نشرت صحيفة "جلوب اند ميل" حواراً مع الرئيس الإسرائيلي شمعون بيرس، جاء فيه : في حياته السياسية التي امتدت لثمانية عقود ، كان الرئيس الاسرائيلي شيمون بيريس مشاركا تقريبا في كل تطور هام حدث في تاريخ بلاده – بدءا من ميلادها العنيف كدولة، مرورا بالحروب الكثيرة التى خاضتها، الى جهودها لصنع السلام وتطورها العلمي . في كل مرحلة زمنية ، على ما يبدو ، لعب دورا مختلفا، بدءا من كونه الذراع الايمن لرئيس الوزراء الاسرائيلي المؤسس، ديفيد بن جوريون ، إلى دوره كوزير للدفاع ، ووزير للخارجية ورئيس للوزراء والان هو الرئيس . ولكنه اليوم ناشط حائز على جائزة نوبل للسلام ، ولكن النسخة السابقة من السيد بيرس كانت بالتأكيد نسخة متشددة، مثل عندما بدأ البرنامج النووي لأسرائيل في الخمسينات و الستينات . والذي لم يمنعه من أن يوجه نقدا لاذعا لايران لتطوير اسلحة نووية، الا انه لا يقدم أي اعتذار عن برنامج اسرائيل النووي، وهو البرنامج الذى أنتج عددا من الاسلحة النووية . وقد علق السيد بيرس ( 88 عاما ) على تلك المفارقة قائلاً :انه لا يرى أى نفاق في هذا. وأضاف متحدثا من مكتبه في مقر الرئاسة في القدس , " نحن البلد الوحيد المهددة بالتدمير، ونحن البلد التي لم تهدد ابدا أحدا بالتدمير " . ومن المعروف أن البرنامج النووي الاسرائيلى، بدأ بمساعدة من فرنسا ، ولكنه محاط بالغموض . عدد قليل من الناس يمكن أن يقولوا بيقين أن إسرائيل لديها فعلا أسلحة نووية. كل ما يمكن قوله هو أن المنشآت النووية في البلاد في بلدة ديمونة، التى تقع فى صحراء النقب جنوب اسرائيل ، لديها القدرة على إنتاج أسلحة نووية . ولكن ليس هناك بالضرورة مخزون من هذه الاسلحة. ربما هم موجودون في اثنين أو ثلاثة أجزاء على استعداد ليتم تجميعهم في أي لحظة. لكن لا يمكن لأحد أن يكون متأكدا ، والسيد بيرس يستمتع بحالة الغموض وعدم اليقين هذه، ولهذا أشاد بفضل هذه الحالة من عدم اليقين في إنقاذ إسرائيل في ما يمكن أن يكون نقطة تحول تاريخية بالنسبة لهذا البلد، ففى عام 1973 ، في ما أصبح يعرف باسم حرب يوم الغفران ، عندما هاجم الرئيس المصري أنور السادات , بمشاركة حافظ الاسد فى سوريا في الشمال ، القوات الإسرائيلية التي كانت تحتل شبه جزيرة سيناء المصرية منذ عام 1967. قال السيد بيريز أن ما كان يستحق الاهتمام هو لم يكن ما هاجمته مصر , انما كان ما لم تهاجمه وهو : إسرائيل نفسها، حيث أن السادات أعتقد انه اذا ضرب على المدن أو المنشات الصناعية الاسرائيلية ، فان اسرائيل ربما تستخدم أنواع أخرى من الأسلحة ، وهذا ما وضع الشك في ذهنه , لذلك حاول الرئيس السادات خلق ضغط من اجل الانسحاب من سيناء , ولكنه لم يحاول تدمير اسرائيل " . وقال السيد بيريس أن " هذه كانت نقطة تحول . لأنه حتى مدينة ديمونة , العرب كانوا على يقين من أنهم يستطيعوا تدميرنا ". وهو يشرح ما قاله المؤرخ بني موريس : " طالما أن العرب يعتقدون أن بإمكانهم القضاء علينا ، فانهم يرفضون صنع السلام. انهم ليسوا على استعداد. خلال هذه الفترة ، أنا كنت صقرا حادا . لكن بمجرد أنهم أظهروا استعدادا لصنع السلام ، الصورة تغيرت " . ويتذكر بيرس الآن أنه بعد عدة سنوات من حرب يوم الغفران ، وبعد أن تم توقيع معاهدة سلام مع مصر وعودة سيناء إلى مصر ، تمت زيارته من قبل عمرو موسى ، وزير الخارجية المصري حين ذاك . وقال السيد بيرس " هو جاء لي وقال لى : شيمون ، نحن صديقان ، لماذا لا تأخذني إلى ديمونة وتسمح لي أن ألقى نظرة على المفاعل النووي الخاص بكم ؟ " , انا قلت له : " أنت مجنون , أتريدنى أن أخذك إلى ديمونة ، وربما أنت ترى أنه لا يوجد شيء هناك ، فتتوقف عن القلق ؟ , هذا من شأنه أن يكون نهاية حياتى المهنية ". قال السيد بيرس هذا الاسبوع أن " القلق هو الهدف " ، واضاف " نحن لا نريد مهاجمة أحد ، ولكننا لا نريد أن نتعرض للهجوم أيضا" , " لذلك اذا كان هذا الشك يمثل بمثابة رادع ، فلماذا لا ؟ " . حيث كان هناك بالتأكيد الكثير من الشك في عقول قادة إسرائيل الاوائل فى ال 25 عاما الاولى من حيث امكانية أن بلدهم الصغيرة ستبقى على قيد الحياة . و قال السيد بيرس معلقاً على هذا " نحن كنا 650 ألف يهودي فى مقابل 40 مليون عربي ، هم كان لديهم أسلحة ونحن لم يكن لدينا شيء " . تم فرض حظر دولي على توريد الأسلحة سواء إلى إسرائيل أو الدول العربية من قبل الولاياتالمتحدة وبريطانيا وكندا , وهم الثلاثة بلدان الذين كان لديهم اكبر مخزون من الاسلحة من الحرب العالمية الثانية التى كانت قد أنتهت لتوها . لكن روسيا ، وحلفائها ، تجاهلوا الحظر وقاموا بتوريد أسلحة لعملائهم في مصر وسوريا . تم تكليف السيد بيرس من قبل السيد بن جوريون لأيجاد بعض الأسلحة. وعندما علم أن كندا ستكون على استعداد لبيع بعض الأسلحة لأسرائيل ، أسلحة لم يشملها الحظر ، وطلب منهم إذا كان يستطيع شراء مدفعية ( 25- pounders ) , وهو النوع الذي يستخدم على نطاق واسع للمدفعية القابلة للحمل ، وبعض المدافع الرشاشة . وقال بيرس أن " لكن الحكومة الكندية قد وافقت على المدفعية ، ورفضت المدافع الرشاشة " . وأوضح السيد بيريز أن كندا رأت أن (25 - pounders ) كأسلحة دفاعية , بينما رأت المدافع الرشاشة بأنها " أسلحة هجومية" التى ، وفقا للحظر ، لن يقوموا ببيعها . ومع حلول الثمانينات ، كانت الحمامة التى داخل السيد بيرس قد ظهرت تماما ، ولكن فقط في مطلع التسعينيات أثمرت جهوده عن نجاح. هو ومعاونوه عندما بدأوا في اتفاق أوسلو ، وهى النتيجة لمحادثات سرية في النرويج مع ممثلين فلسطينيين . في حين أن هذا الاتفاق , الذي اعترفت فيه إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية ببعضهم البعض , لم يسفر عن معاهدة ، الا ان السيد بيريز يعتقد أن روح هذا الاتفاق تستمر والحل القائم على دولتين الذى صوره الاتفاق لا يزال يبقى السبيل الوحيد لتحقيق سلام حقيقي . لقد أصبح شائعا في إسرائيل السخرية من أو إدانة الرئيس الفلسطيني محمود عباس بأعتباره غير فعال أو مخادع وليس صادقا بسبب جهوده لكسب اعتراف في الأممالمتحدة ورفضه التفاوض حتى توقف اسرائيل بناء مستوطناتها. لكن السيد بيريس أستمر بوصف السيد عباس بانه "شريك هام للسلام ". وقد قال الرئيس بيرس ، وهو ينظر فى مكتبه لجائزة نوبل التى حصل عليها لهذا الاتفاق , " أنت تعرف , أتفاقات أوسلو , التى تم توقيعها في حديقة البيت الأبيض , تم توقيعها من قبل الرئيس عباس وأنا , لذلك نحن عرفنا بعضنا البعض منذ فترة طويلة ." ورفض الرئيس بيرس أن يشير باللوم الى أي من الطرفين لعدم وجود أي مفاوضات خلال السنوات العديدة الماضية . وقال " أن الامر استغرق منا ( الإسرائيليين ) وقتا طويلا جدا للتوصل الى الاتفاق الذي يقوم على أساس حل الدولتين . واضاف أنه "كان هناك انقسام في صفوف الفلسطينيين أيضا ، بين حماس وفتح " ، في اشارة الى حركة المقاومة الاسلامية التي تسيطر على غزة والحركة الاكثر علمانية للسيد عباس التي تحكم مراكز فلسطينية في الضفة الغربية . حل واحد ، يعتقد كثيرون أنه الاصح ، وهو مبادرة السلام العربية التي اقترحتها المملكة العربية السعودية في ربيع عام 2002، عندما كان السيد بيرس وزيرا للخارجية في حكومة ائتلافية بين حزبى الليكود و العمل بقيادة ارييل شارون. عرضت هذه المبادرة ، وهي الأولى من نوعها ، على إسرائيل السلام مع كل الدول العربية في مقابل انسحاب إسرائيل إلى حدود 1967 وقبولها لقرار الاممالمتحدة الذي ينص على تسوية عادلة لقضية اللاجئين الفلسطينيين . وقال عنها بيرس أنه " من حيث المبدأ ، وافقت اسرائيل ، ولكن كانت هناك بعض الشروط التي لا يمكن أن تقبلها إسرائيل . على سبيل المثال ، ان اسرائيل يجب عليها إعادة جميع اللاجئين " ، فى اشارة الى مئات الآلاف من الفلسطينيين الذين غادروا في عام 1948 من المجتمعات التي هي الآن داخل إسرائيل . قدم العرب المبادرة كمبادرة إما أن يتم قبولها أو رفضها . وأوضح السيد بيرس أن مثل هذا البند "سيجعل اسرائيل لم تعد دولة يهودية " . وقال أن العرب "جعلوا المبادرة فى هيئة عرض اما ان يتم قبوله أو تركه , واسرائيل اختارت أن تتركه " . وبعد ثمانية عشر عاما في وقت لاحق ، هو لا يزال يعتقد أن ذلك اليوم هو قادم . وقال " أنا لم أغير رأيي " , وأصر على أنه " ليس حتى صعود الاسلاميين في أعقاب الانتفاضات في العالم العربي سوف يمنع ذلك من الحدوث، ما يحدث في العالم العربي هو أن هناك جيل من الشباب الذي يريد أن يكون لديه شرق أوسط جديد حتى يتمكنوا من المشاركة في عالم جديد " ، وأضاف " هؤلاء الشباب هم الذين قاموا بالربيع العربي أو الثورة العربية. لكن تم سرقتهم من قبل الجيل القديم ". وقال بيرس " لكن الجيل القديم ، سواء أسلاميين أو علمانيين ، ليس لديه الحل " , وأشار الى أن " المشكلة في الشرق الأوسط ليست السياسات ، ولكن هى الفقر" . وقال السيد بيرس " أنا أقول لك بكل ثقة أن جيل الشباب سوف يواصل الثورة , الامر سوف يستغرق فقط مزيدا من الوقت ." بيرس : عمرو موسى طلب زيارة مفاعل ديمونة فاتهمته بالجنون