ذكرت صحيفة “بوسطن جلوب” الأمريكية أن أحد الآمال الكبيرة للثوار، الذين أطاحوا بالديكتاتور المصري حسني مبارك منذ أكثر من عام، كان أن نهاية نظام الرجل الواحد فى البلاد ستسفر عن مجموعة متنوعة من الأصوات الديمقراطية. حيث يتحدث الثوار الإسلاميين والليبراليين العلمانيين عن أفكار حديثة للتعددية والتسامح وحقوق الأقليات. وكان من المفترض أن يغلق ميدان التحرير صفحة نصف قرن أو أكثر من حكم الحزب الواحد، ويفتح الباب أمام شيء جديد ليس فقط لمصر، ولكن بالنسبة للعالم العربي كله وهو: تنوع حقيقي في الرأي حول كيف ينبغى لأمة أن تحكم نفسها. ونقلت الصحيفة عن معاذ عبد الكريم، الشاب المصري، في فبراير 2011 خلال الأسبوع الذي استقال فيه مبارك قوله: “إننا نختلف حول كثير من الأمور، ولكن هذه هي النقطة”، وأضاف “نحن نأتي من خلفيات متعددة ويمكننا أن نعمل معا لتفكيك النظام القديم وصنع مصر الجديدة “. لكن بعد مرور سنة، لا يزال الوضع بعيدا عن الوضوح حول الشكل الذى ستبدو عليه مصر الجديدة. فالبلد فى انتظار وضع دستور جديد، وعلى الرغم من انعقاد البرلمان المنتخب بشكل حر وتنافسى للمرة الأولى في التاريخ المصري المعاصر، إلا أنه لا يزال يخضع لنظام عسكري سري. وأوضحت الصحيفة الأمريكية أنه مثل كل الفترات الانتقالية، كان النضال ضد الاستبداد المصري فوضويا ومعقدا. لكن بالنسبة لهؤلاء الذين كانوا يأملون أن تظهر مصر وكأنها منارة للتسامح، أو على الأقل متنوعة ومتعددة السياسات في العالم العربي، فما حدث كان خيبة أمل كبيرة واعتبرت أنه “بوسعنا القول أن أحد أول ضحايا الصراع كانت روح التعددية”. ونقلت عن عبد الكريم في مقابلة بعد عام من اللقاء الأول: “أنا لا أثق في الجيش ولا أثق فى الإخوان”، في العام الماضي، ساعد عبد الكريم في تأسيس حزب التيار المصرى، وعلى الرغم من مبادئه إلا أنه وبعد أكثر من عام على الثورة، ألقى عبد الكريم بمثالية التعددية خلف ظهره، وبدأ يحث على طرد دوائر سياسية كبرى يختلف معها في الرأي من الحياة العامة مثل: أنصار النظام السابق، والعديد من الإسلاميين والليبراليين المنتمين للفكر والاتجاه القديم وأنصار الجيش. وقال إن “ذلك ضرورياإذا كنا بالفعل ذاهبون نحو التغيير.” وأشارت “بوسطن جلوب” إلى أن عبد الكريم ليس الشخص الوحيد الذي ترك مثالية التعددية وراء ظهره. فأى دراسة استقصائية لللاعبين الرئيسيين في السياسة المصرية ستسفر عن لائحة من الأشخاص والجماعات الذين عملوا على إيقاف وإقصاء معارضيهم أكثر من محاولتهم إشراكهم. فجماعة الإخوان، أقدم جماعة معارضة فى مصر، تفعل ما يحلو لها دون أن تعطى اهتماما أو وزنا لمنافسيها، وتحتكر قوة إجرائية كبيرة في المجلس التشريعي وتعقد سلسلة من الصفقات الحصرية مع الجنرالات الحاكمين. أما الليبراليون والعلمانيون، من جانبهم، فقد أشاروا إلى أن هناك انقلابا صريحا من قبل ضباط علمانيين سيكون أفضل من نظام ديمقراطي تعددي يؤدى فى نهاية المطاف إلى تمكين المتطرفين الذين يختلفون معهم فى الرأى . إلا أن معظم الناس ما زالوا يقولون إنهم يريدون لمصر أن تكون موقع ميلاد لنوع جديد من الثقافة السياسية العربية التى فيها يتم احترام الاختلافات وضمان حقوق الأقليات وحماية المعارضة. ومع ذلك، يشير سلوكهم إلى أن مصر قد تواجه مشكلة في الهروب من أنماط أكثر قمعا مما شهدته خلال ماضيها. ففي البلاد التي منعت طويلا أي عمل سياس ذو مغزى، أنجبت الثورة- التى لا قائد لها، لحظة وجيزة وذهبية من التعددية السياسية. فالنشطاء من مختلف الانتماءات اتفقوا على أن يختلفوا، وكان من المعتقد أن يقود ذلك مصر من إلى الديمقراطية. خلال الشهر الأول بعد رحيل مبارك في فبراير 2011، تعهد قادة الإخوان بكبح جماح سعيهم للحصول على سلطة سياسية، وشدد الاشتراكيون والليبراليون على إجراء انتخابات نزيهة. وضمت الثورة ممثلين لكل فصيل من المجتمع، وتطلعت إلى عدم استبعاد أي شخص. ومنذ عام تقريبا، صرح الزعيم القوى لجماعة الإخوان، خيرت الشاطر، في مقابلة بأن “أولويتنا الأولى هي بدء إعادة بناء مصر، والتعاون مع جميع فئات الشعب المصرى: مسلمين ومسيحيين، رجالا ونساء، وجميع الأحزاب السياسية”، وأضاف أن “أول شيء هو البدء فى حياة سياسية نحو الطريق الديمقراطى الصحيح “. ومع ذلك، وفي غضون شهر بدأ هذا الالتزام يتمزق. وبدأت الفصائل المتنافسة في التشكيك سريعا في دوافع ووطنية منافسيها. وكان الأكثر إثارة للدهشة، والأكثر خطورة، هو اتجاه مجموعات مهمة للسعي من أجل إسكات صوت أو تهميش وحرمان منافسيهم من حقوقهم. قام الجيش برعاية الاستفتاء الدستوري فى مارس 2011، والذي كان من المفترض أن يحدد طريقة لنقل السلطة إلى حكومة مدنية منتخبة، ولكنه اعتمد على مواد غير مفهومة بشكل جيد من قبل الناخبين المصريين. وانحاز الإسلاميون إلى جانب الجيش، مما ساعد فى كسب نسبة77 % من الأصوات فى الاستفتاء، لصالح التعديلات، وتركت الأحزاب الليبرالية العلمانية للشعور بالخداع وأنه تم التغلب عليهم. اتضح أن الفائز الحقيقي كان الجنرالات الحاكمين، الذين أخذوا الفوز باعتباره تأكيدا على تفوقهم على جميع الفصائل السياسية. وبدأ الجيش فورا في إعادة كتابة قواعد عملية الانتقال. ومع وجود الجيش الآن كسلطة بلا منازع فى البلاد، دخلت بعض أبرز الأحزاب السياسية الليبرالية فى مفاوضات مع الجنرالات خلال فصل الصيف لتأمين واحدا من أهدافهم الأساسية- وهو دولة علمانية- بطريقة غير ليبرالية تماما عن طريق التوصل إلى اتفاق مع الجيش من شأنه أن يستبق أي دستور مستقبلي، وردت جماعة الإخوان بوصف الليبراليين باعتبارهم خونة، وانتهت لهجتهم التصالحية. وداخل الجماعة، قاد خيرت الشاطر عملية تطهير شرسة من الأعضاء الذين سعوا إلى شفافية وديمقراطية داخل الجماعة، وأوضحت الصحيفة أن الشاطر هو الشخص الأوفر حظا حاليا ليكون رئيس الوزراء القادم لمصر. فى الوقت نفسه، يستخدم جنرالات الجيش، الذين هم في موقع المسؤولية، وسائل الإعلام لتشويه صورة الناشطين في مجال الديمقراطية والعلمانيين والمتظاهرين في الشوارع بتصويرهم على أنهم عملاء لجهات أجنبية مدفوع لهم من أجل تدمير المجتمع المصري لصالح إسرائيل والولايات المتحدة. وقالت الصحيفة إن البرلمان منذ بداية انعقاده، ظهرت الانشقاقات بين الفريقين في “عرض قذر”، فعلى سبيل المثال سعى الجيش لاتخاذ إجراءات قانونية ضد البرلماني الليبرالي زياد العليمى، لأنه انتقد الحاكم العسكري. ورفع أنصار الإسلاميين وأنصار الجيش أيضا دعاوى ضد سياسيين ليبراليين ونشطاء فى مجال حقوق الإنسان، في حين أن الحكومة التي عينها المجلس العسكري شنت من جانبها حملة إعلامية وقانونية ضد جماعات المجتمع المدني. السؤال المحوري لمستقبل مصر هو ما إذا كانت هذه التكتيكات غير المتسامحة تعني أن قادة البلاد المقبلين سيحكمون بنفس القمعية التى كانت في الماضي. باحثون فى عمليات الانتقال السياسي يحذرون من أنه بالنسبة للدول التى تحاول التخلص من أنظمة أستبدادية، الأمر يمكن أن يستغرق سنوات أو عقود لتقييم النتائج. فلا يزال هناك بعض السمات المميزة لعمليات انتقالية ناجحة يبدو أن العملية الانتقالية فى مصر تفتقدها. فالدول تتطور بشكل أفضل إذا كان لديها تراث قائم بالفعل من المعارضة السياسية أو التعددية أو مؤسسات قوية مستقلة عن القيادة السياسية، ومصر ليس لديها أى شئ من ذلك. ونقلت “بوسطن جلوب” عن حبيب نصار، وهو محامي يدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المركز الدولي للعدالة الانتقالية في نيويورك، إن “الفترات الانتقالية دائما فوضوية، ولاسيما المرحلة الانتقالية المصرية”، وأضاف: “لأكون صادقا، أنا لست متأكدا من أنني أرى أي آفاق تحسن على المدى القصير. فما يحدث هو انتقال من الديكتاتورية إلى حكم الأغلبية في بلد لم تشهد ديمقراطية حقيقية من قبل”. وأوضحت الصحيفة أن العالم العربي يراقب عن كثب ليرى ماذا سيحدث خلال الأشهر القليلة القادمة، عندما تكتب مصر دستورا جديدا وتنتخب رئيسا في اقتراع تنافسي حقيقى ويتخلى الجيش عن السلطة، رسميا على الأقل. حتى في أسوأ السيناريوهات، فستكون الحكومة المصرية القادمة أكثر تمثيلا من حكومات دولة مبارك البوليسية. لكن، رغم ذلك، تطور الحوار السياسي على مدى العام الماضي إلى شيء يبدو وكأنه شجار أكثر منه تفاوض. إذا استمر هذا، فستكون عملية صياغة الدستور عملية قبيحة بدلا من أن تكون ملهمة. وأوضحت الصحيفة أن شكل النظام الجديد سينبثق من صراع بين الإسلاميين والليبراليين العلمانيين والمؤسسة العسكرية، و جميعهم، كما يبدو، لا يزالون رهائن لثقافة النظام الذي عملوا معا جاهدين للإطاحة به.