في البداية صفق الجميع لمن أخضع أمريكا وأطلق عبارات المديح والاستحسان والإعجاب لمن رددوا “مصر لن تركع” وفي النهاية انهال الجميع بالسباب على القضاء المصري فكيف يتأتى ذلك؟ كان صاحب الإنجاز في تحويل المسئولين الأمريكيين إلى المحاكمة هو المجلس العسكري بذراعه الحكومي فايز أبو النجا والأب الروحي لحكومة مبارك الحالية كمال الجنزوري بالإضافة إلى الذراع الديني للمجلس العسكري الشيخ محمد حسان صاحب مبادرة “إنقاذ مصر بالفجل” والذي نال قدرًا مماثلًا من التهليل والتكبير عندما أطلق مبادرته. إذن كان المجلس العسكري هو المحرك من خلال أذرعه المختلفة لهذه القضية وهو أيضًا من أُطلقت له الألعاب النارية لحفظه كرامة البلاد وإخضاع الولاياتالمتحدة. أما النهاية التي جاءت على طرفي نقيض مع البداية السعيدة للمسرحية حيث كانت نهاية مؤسفة لدرجة تحمل على تغيير لون الستار إلى الأسود بدلًا من الأحمر عندما تنحت هيئة المحكمة عن تولي القضية ورُفع حظر السفر عن المتهمين الأجانب مع أن القضاء لم يكن إلا وسيلة للفصل في النزاع بين المجلس وحكومته من جهة والمتهمين من جهةٍ أخرى. ولكن ردة فعل الجميع في أوساط الجماهير والإعلاميين كان صدمة لكل عاقل حيث تركزت الحديث عن القضاء المصري وسلبياته ورضوخه للحاكم وقبوله التدخل في شئونه كأن من كتب أو تحدث عن ذلك لا يعرف ما يعتري استقلالية القضاء المصري من عوار وحُملت جميع ديون المجلس العسكري فيما يتعلق بهذه القضية على أكتاف قضاة مصر مع أن السيناريو الأقرب للصحة يشير إلى أن القضية ملفقة من الأساس ولا تحتوي على أي تهمة تُذكر. يُرجح ما سبق أن هيئة المحكمة كان قرارًا جريئًا يستحق الثناء لا التقريع والانتقادات اللاذعة حيث لم تظهر الأسباب الحقيقية لتنحيها ولن تظهر إلا بعد أن يسقط يسقط حكم العسكر. لذا أعتقد أن تنحي هيئة المحكمة عن النظر في القضية فتحًا كبيرًا وانتصارًا عظيمًا سوف يخرج بالقضاء المصري من مهزلة اللعبة السياسية الحالية التي يشوبها الكثير من العمل القذر. ورغم الوضوح الشديد الذي يتسم به المشهد الحالي الذي يقتضي أن المسرحية قد انتهت والستار قد أُسدل بالفعل، لا زال بعض الممثلون متقمصون لأدوراهم إلى حدٍ شغلهم عن قراءة كلمة النهاية. فلا زال مصطفى بكري يؤدي بانفعال شديد ويلوم المجلس العسكري ويعبر عما حدث له من تلقي لطمة شديدة عندما سمع برفع حظر السفر عن المتهمين الأجانب وراح شوبير يمارس رياضة التحول 180 درجة منتقدًا القرار بشدة. وظهر آخرون منهم من قلبه وجعه على حد قوله ومن يتمتم بكلمات تشير إلى موقفه الحرج أمام معارضيه في الرأي. هذا ولم يكن المشهد ليكتمل دون ظهور الإخوان في الخلفية ظهور الإخوان دون مناسبة على الإطلاق لتكذيب مزاعم لم تظهر على الإطلاق على السطح بأن لهم دخل في رفع حظر السفر حيث لم يتهمهم أحد ولم يوجه لهم أحد أيه انتقادات تشير إلى الشك في تورطهم في قرار رفع حظر السفر. وإن كنت أظن أن الجهود التي بُذلت من جانب الإخوان في إصدار هذا البيان كان من الأجدر بها أن تُوجه إلى نفي أي علاقة لهم بتصريحات الفنانة القديرة غادة عبد الرزاق التي اعترفت فيها بأنها مؤيدة وداعمة للإخوان منذ زمن بعيد. إلى هنا أود أن تتذكروا معي السبب الرئيس في تفجير هذه القضية وفقًا للرواية الرسمية. أعتقد أن العنوان الرئيس كان في البداية هو كرامة مصر، وهو ما يدفعني إلى أن أتساءل، “أين هي الكرامة المصرية؟” لماذا انقلبت الدنيا ولن تستقم حتى الآن عند إثارة قضية التمويل الأجنبي بغير علم الحكومة وموافقتها وانتفضت المخابرات العامة والعسكرية والأمن الوطني لتقديم تقارير تؤكد أن المنظمات الأجنبية والمصرية في البلاد تتلقى تمويلًا اجنبيًا غير خاضع لرقابة الدولة. إذن فأين كانت هذه الكرامة منذ بدء مسلسل نزيف دماء الجنود المصريين على الحدود سواءً قُتلوا على الحدود أو بسبب أفعال أقدموا عليها للدفاع عن كرامة مصر. هذا المسلسل الذي بدأنا مشاهدته بحلقة الشهيد سليمان خاطر رحمه الله ولا زلنا نشاهد حلقات منه كان آخرها استشهاد ثمانية من خيرة شباب جيش مصر على الحدود والذين لم يرد المجلس العسكري على مقتلهم ولو بطلقة صوت ولم نتلق اعتذارًا إلا بعد ثلاثة أشهر. أين هي كرامة مصر والآباء والأمهات المصريون المتزوجون من أجانب يُحرمون بالقانون من رؤية أبناءهم أو الحصول على حق حضانتهم؟ أين هي هذه الكرامة المزعومة وأم الشهيد تضرب بالشلوت في قسم الشرطة؟ وأهالي الشهداء والمصابين يضربون ويهانون ويتجرعون جميع أالوان الذل والهوان التي كان آخرها وصف رئيس الوزراء المبجل لمن وقف من هؤلاء في طابور طويل أمام وزارة المالية بأنهم ليسوا أهالي شهداء ولا مصابي ثورة، بل لصوص يريدون أي شيء على حد تعبيره؟ أين هي كرامة مصر وشباب الثورة يُركعون بالسلاح على الأرض من بني وطنهم في الجيش المصري وأمام السفارة الإسرائيلية؟ أعتقد أن الإجابة على كل هذه الأسئلة موجودة في جعبة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، فهو الجهة الوحيدة التي تتحمل مسئولية هذه الكرامة وهي الجهة صاحبة الخبرة الأطول في الحفاظ على كرامة مصر. والمجلس أيضًا صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في مسألة الكرامة هذه وهو وحده الذي يعرف ما الذي يمسها وما يصونها. إنه يقود البلاد إلى وجهة لا يعرفها غيره وكأنه مصر كلها رافعًا لافتة مكتوب عليها بخط واضح “كرامتي وأنا حر فيها”. وأخيرًا نتساءل عن مصدر الأخبار التي ترددت عن أن السماح للمتهمين في قضية التمويل الأجنبي مقابل مبالغ مختلفة تناقلتها مصادر متنوعة من 10 إلى 50 مليار دولارًا. إذا اعتبرنا أنه أخبار لا أساس لها من الصحة فهي كارثة تشير إلى استمرار مسيرة الغباء السياسي لحكام مصر العسكريين لأنها محاولة مكشوفة للتغطية على كارثة مروعة. أما إذا صدقت هذه الأخبار فهي كارثة أكبر عنوانها الرئيس “كرامة مصر وسيادتها ب 10 مليار دولارًا” وهنا لابد لنا أن نقول “تأمر بإيه يا فندم انتهاك سيادة، إهدار كرامة، كله بتمنه المهم تدفع”