هي حرب باردة أشعلها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بإجراءات اقتصادية أثارت غضب العديد من الدول الأوروبية والغربية ووحدت منافسيه ضده، الأمر الذي دفع العديد من تلك الدول إلى التوعد بالرد عليه بشكل صارم، لكن الرد الصيني جاء سريعًا ليرد الصفعة التجارية إلى أمريكا، ويعلن بداية نهج تصعيدي صيني في مواجهة أمريكا، قد لا يقتصر على المسائل التجارية فقط بل يمتد إلى صدام سياسي أيضًا. صفعة جديدة أعلنت وزارة المالية الصينية، أمس الأحد، فرض بكين رسومًا جمركية على عدد من واردات المنتجات من الولاياتالمتحدة، وقالت الوزارة في بيان لها: "لحماية مصالحنا، ولتعويض الخسائر الناجمة عن الإجراءات الأمريكية، ستتخلى الصين، بدءًا من اليوم الاثنين، عن التزاماتها تجاه الرسوم المخفضة على 128 منتجًا، تندرج ضمن 7 فئات مستوردة من الولاياتالمتحدة"، وأشار البيان، إلى أن "الرسوم ستبلغ 15% على 120 منتجًا، و25% على 8 منتجات، بما فيها لحم الخنزير". الجدير بالذكر أن أكبر الواردات الأمريكية إلى الصين تتمثل في الطائرات والمعدات المرتبطة بها، وفول الصويا والسيارات، وبلغت قيمة الفاتورة الإجمالية لهذه الواردات العام الماضي نحو 40 مليار دولار. الرد الصيني الأخير شكّل صفعة جديدة للولايات المتحدةالأمريكية، لكنها لم تكن الأولى التي توجهها بكينلأمريكا، حيث سبقتها بأيام ضربة موجعة عندما بدأت الصين تداول عقود النفط الخام المقومة بالعملة الصينية "اليوان" في بورصة شنغهاي الدولية للطاقة، وذلك في خطوة تنذر بتحولات كبيرة في تجارة النفط العالمية، من شأنها زيادة الضغوط على الدولار الأمريكي بأسواق النفط، والتقليص من هيمنته على الاحتياطات النقدية العالمية. الندية.. عنوان العلاقات الصفعات الاقتصادية المتكررة الموجهة إلى واشنطن من جانب بكين، أعطت مؤشرات بأن التنين الصيني بصدد انتهاج سياسة الندية والتحدي مع العم سام، فسياسة البلطجة والعداء الأمريكي دون رد حاسم قد ولت، وتعتبر الصين الدولة الأولى التي تتجرأ وترد بشكل عملي وقاس على الحرب التجارية التي أطلق الرئيس الأمريكي ترامب، رصاصتها الأولى في مارس الماضي، عندما أصدر قرارًا يقضي بفرض رسوم استيراد جمركية قيمتها 25% على الصلب و10% على الألمنيوم، فضلًا عن إعلان عزمه على فرض رسوم جمركية على منتجات أخرى تصدرها الصين إلى الولاياتالمتحدة وتصل قيمتها إلى 60 مليار دولار سنويًا. القرار الأمريكي حينها أثار موجة من الانتقادات من قبل الاتحاد الأوروبي وكندا والصين بسبب احتمال نشوب حرب تجارية، وأكد وزير الخارجية الصيني وانغ يي، أن الحرب التجارية لن تكون حلًا موفقًا للمشكلة أبدًا، وأضاف أن من يختار الحرب التجارية كمن يستخدم وصفة خاطئة، يضر بالآخرين ولا ينفع نفسه، وحذر رئيس الدبلوماسية الصينية حينها من أنه في حال اندلاع حرب تجارية فإن الصين سترد ردًا عادلًا ولازمًا. تحذيرات صينية هذه الصفعات الموجعة سبقتها سياسة دبلوماسية انتهجتها الصين مع أمريكا، لكن الأخيرة اختارت اللعب بأوراق القوة، ظنًا منها أن بكين ستتراجع سريعًا على غرار العديد من الدول الأوروبية، فالقرار الصيني الأخير جاء بعد تحذيرات عده أطلقها بعض القادة والمسؤولين الصينيينلأمريكا، فقد أبلغ رئيس الوزراء الصيني، لي كه تشيانغ، مشرعين أمريكيين زاروا بكين خلال الأسابيع الأخيرة الماضية، أن الصين تسعى لإجراء حوار مع الولاياتالمتحدة حول التجارة، لكنها مستعدة لحرب تجارية، وأضاف "لي" خلال لقاء مع أعضاء من مجلس الشيوخ الأمريكي، أنه يأمل في أن تسلك الولاياتالمتحدة مسلكًا عقلانيًا في التجارة والعمل مع الصين صوب إيجاد حل مشترك. من جانبه قال السفير الصينيبأمريكا كوي تيانكاي، في تصريحات لصحيفة "تشاينا ديلي" قبل أقل من اسبوع، إن الحكومة الصينية سوف تقاتل وترد على أمريكا، "وإذا كان هناك من يريد اللعب بخشونة فسوف نلعب بخشونة أيضًا ونرى من سيستمر حتى النهاية". في ذات الإطار، ذكرت صحيفة "تشاينا ديلى" الرسمية الصينية فى مقالة افتتاحية، الخميس الماضي، أن الصين قد تستهدف مجموعة كبيرة من الشركات الأمريكية تشمل قطاعات الزراعة والطيران والسيارات وأشباه الموصلات وحتى الخدمات، إذا تصاعدت النزاعات التجارية، مُحذرة أمريكا من فتح "صندوق الشرور" وإطلاق موجة من ممارسات الحماية التجارية في أنحاء العالم، في وقت لمحت فيه بكين إلى سلع أمريكية يمكن أن تستهدفها في إطار نزاع تجارى تشتد حدته بين البلدين. بوادر صدام سياسي العديد من المراقبين رأوا في سياسة الندية والتحدي التي تنتهجها الصين مع أمريكا، مقدمة لحرب باردة بين الطرفين قد تتخطى حدودها مسألة الحرب التجارية بين أكبر اقتصادين في العالم، لتصل إلى الحرب السياسية الباردة بينهما، خاصة في ظل السياسة العدائية التي تنتهجها إدارة ترامب، تجاه المعسكر الروسي الصيني. استند المراقبون في فرضية اندلاع صدام سياسي في المستقبل القريب بين التنين الصيني والعم سام، إلى زيارة الرئيس الكوري الشمالي كيم جونج أون، العدو اللدود لواشنطن إلى بكين، وهي الزيارة التي تعتبر أول رحلة خارجية لزعيم كوريا الشمالية منذ أن تولى السلطة في 2011، وتأتي في وقت تتحضر فيه الولاياتالمتحدةالأمريكية لاجتماع قمة مثير للجدل مع الزعيم الكوري، وقد علق البيت الأبيض على هذه الزيارة على لسان المتحدثة باسمه، سارة ساندرز، بالقول إن "الولاياتالمتحدة تواصل الحفاظ على اتصالاتها الوثيقة مع حلفائنا في كوريا الجنوبية واليابان، كما أنها تتابع عن كثب هذه الأحداث المتعلقة بزيارة كيم جونج أون للصين". في المقابل، فأمريكا تُجيد اللعب على نقاط ضعف الصين، والتي يأتي في مقدمتها تايوان، حيث أثار "قانون السفر إلى تايوان" الذي أقرته واشنطن في 16 مارس الماضي، والذي يسمح للمسؤولين الأمريكيين بالسفر إلى تايوان للقاء نظرائهم التايوانيين، رغم اعترافها بمبدأ "صين واحدة" منذ عام 1979، ويسمح أيضًا لممثلي إدارة تايوان بزيارة الولاياتالمتحدةالأمريكية لعقد لقاءات مع المسؤولين الأمريكيين، غضب الصين التي هددت قبل أيام ب"معركة دموية لاستعادة الأراضي الصينية"، ووصفت وزارة الدفاع الصينية، في منتصف مارس الماضي، "قانون السفر إلى تايوان" الذي أقرته واشنطن، بأنه "تدخل في شؤوننا الداخلية". في ذات الإطار أشارت صحيفة "آسيا تايمز"، إلى أنه من المحتمل أن يقوم الجيش الصيني بهجوم مباغت على الجزيرة التايوانية، ولفت رئيس مكتب الأمن القومي في تايوان، بنج شينج، إلى أن السنوات الخمس المقبلة ستشهد أكبر تهديد للجزيرة منذ أزمة مضيق تايوان عام 1996، مضيفًا: الصين تعد للانتقام بالقوة بمجرد أن تطأ أقدام المسؤولين الأمريكيين أرض تايوان، مشيرًا إلى أن الرئيس الصيني تعهد مؤخرًا بإعادة توحيد كل الأراضي الصينية، في إشارة إلى ضم تايوان ومناطق أخرى، وذلك خلال فترته الرئاسية التي عدلها مؤخرًا لتكون مدى الحياة.