بعيدًا عن التصريحات التي تتحدث عن علاقات دبلوماسية ناجحة، وتبادل الزيارات والابتسامات في المحافل الدولية، لا شك أن العلاقات الأمريكيةالصينية تشهد توترًا وحربًا باردة غير مسبوقة، تسعى خلالها واشنطن إلى استغلال أي نقطة ضعف صينية أو نزاع لتقوم بتوظيفه وتهويله ليكون السلاح الذي تضرب به رأس التنين الصيني، وتنهي به نفوذه الاقتصادي والسياسي الذي توسع خلال الفترة الأخيرة. تبادل الزيارات بدأ الأمين العام للحزب الديمقراطي التقدمي التايواني جوزيف وو، زيارة للولايات المتحدةالأمريكية اليوم الاثنين، مؤكدًا أهمية العلاقات مع حليف رئيسي لتايوان وأحد مصادر أسلحتها، وفي الوقت ذاته كان مسؤولون أمريكيون يتبادلون الزيارات في تايوان، حيث التقى نائب وزير الخارجية الأمريكي السابق بيل بيرنز، ورئيس المعهد الأمريكي في تايوان راي بورجارد، مع مسؤولي الحزب الديمقراطي التقدمي اليوم الاثنين أيضًا، وقال بيان للمعهد الأمريكي: بيرنز وبورجارد سينقلان دعم الولاياتالمتحدة لاستمرار ازدهار ونمو تايوان، بالإضافة إلى اهتمامنا الدائم بالسلام والاستقرار عبر المضيق. فوز زعيمة المعارضة التايوانية تأتي زيارة الأمين العام للحزب الديمقراطي التقدمي التايواني جوزيف وو، بعد الفوز الساحق الذي حققه الحزب في الانتخابات التي جرت في مطلع الأسبوع الجاري، حيث حققت تساي إنج-وين وحزبها الديمقراطي التقدمي فوزًا كبيرًا في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية السبت الماضي، لتكون أول امرأة تفوز بالرئاسة التايوانية، وتزيح بذلك حزب الكومنتانج، الذى اتبع خلال فترة حكمة سياسة التقارب مع بكين برعاية الرئيس ما يينغ جيو. استقلال تايوان.. والمخاوف الصينية تتزامن الزيارة أيضًا مع توتر العلاقات بين تايوانوالصين، حيث إن فوز الحزب الديمقراطي التقدمي الداعم لاستقلال تايوان، أثار مخاوف عديدة لدى الأخيرة، وأعطى مؤشرات إلى احتمال تأثير هذا الفوز على استقرار الصين التي تطالب بالسيادة على تايوان، وتعتبرها ولاية متمردة لابد أن تعود إلى أحضان الوطن الأم يومًا ما، مما دفع الصين إلى تحذير تايوان ودعوتها إلى ضرورة التخلي عن «هذيانها» بشأن الاستقلال. وجهت وزارة الخارجية الصينية على لسان المتحدث باسمها «هونج لي» تحذيرًا للمجتمع الدولي، قائلة: بلاده تأمل أن يحترم المجتمع الدولي مبدأ «الصين الواحدة»، ويعارض استقلال تايوان بكل الأشكال ويساند التطور السلمى للعلاقات عبر المضيق، من خلال أخذ إجراءات ملموسة، مشيرًا إلى أن سيادة الصين ووحدة أراضيها لا تحتمل القسمة. توقيت الزيارات يعزز الهواجس الصينية تبادل الزيارات بين تايوانوأمريكا في هذا التوقيت بالأخص، أمر من شأنه أن يثير قلق الصين، ومن المؤكد أنها تتابعه عن كثب، حيث تشعر بكين بأن واشنطن تريد أن تضغط عليها لتحجيم نفوذها السياسي والاقتصادي، خاصة بعد تزايده في الفترة الأخيرة عقب تحالفها مع روسيا وإمداد الأخيرة لها بالأسلحة المتطورة، مما تبعه توسيع نفوذها السياسي خاصة بشأن الأزمة السورية وإدارة ظهرها لأمريكا، والتقارب أكثر مع روسيا، كما جاء إنشاء بكين لجزر اصطناعية في بحر الصين الجنوبي المتنازع عليه، ليزيد من تصدع العلاقات بين الطرفين، ناهيك عن الخلافات الحادة في وجهات النظر بين بكينوواشنطن بشأن قضايا تتعلق بالتغير المناخي والتجارة الخارجية وحقوق الإنسان وحرية الإنترنت في الصين، مما أفضى إلى حرب باردة بين البلدين. كل ما سبق، أثار نزعة حب السيطرة والشغف بالزعامة لدى أمريكا فدفعها إلى التفكير في محاولة لضرب استقرار الصين، فلم تجد أفضل من دعم حركة استقلال تايوان المتمثلة في الحزب الديموقراطي التقدمي، والذي يُعد التهديد الأكبر لبكين، إضافة إلى إمداد واشنطنلتايوان بالأسلحة النوعية المتطورة، ليس حبًّا في تايبيه التايوانية، لكن كيدًا في بكينالصينية. أمريكا تدعم تايوان.. عسكريًّا وسياسيًّا الخلافات الصينيةالأمريكية جعلت الأخيرة تسعى لدعم تايوان عسكريًّا، بعد إيقاف هذا الدعم لمدة 4 سنوات، وهي على علم مسبق بأن ذلك سيثير حفيظة التنين الصيني، وبالفعل حصلت تايوان في ديسمبر الماضي على تفويض من الإدارة الأمريكية بمبيعات أسلحة بقيمة 1.83 مليار دولار، من بينها فرقاطتين مزودتين بصواريخ موجهة وصواريخ مضادة للدبابات وآليات برمائية، إضافة إلى صواريخ أرض جو ومعدات عسكرية إخرى، مما جعل تايبيه تعبِّر عن امتنانها للأمريكيين لتلبيتهم حاجاتها الدفاعية. في الوقت ذاته أثارت هذه الصفقة ردود فعل كثيرة في بكين، استدعت على إثرها القائم بالأعمال الأمريكي لديها للاحتجاج على قرار واشنطن، وقالت وزارة الخارجية في بكين حينها: نائب وزير الخارجية الصيني زينغ زيغوانغ قدم احتجاجًا رسميًّا إلى كاي لي القائمة بأعمال السفارة الأمريكية، وجاء في بيان أصدرته الوزارة أن نائب الوزير قال للقائمة بالأعمال الأمريكية: إن تايوان جزء لا يتجزأ من الأراضي الصينية، وبكين تعارض بشدة صفقة التسليح الأمريكية، وأضاف المسؤول الصيني أن الصفقة تضر بشدة سيادة الصين ومصالحها الأمنية، وبلاده تنوي معاقبة الشركات الأمريكية الضالعة في الصفقة. لم يتوقف الدعم الأمريكي لتايوان عند الجانب العسكري فقط، بل امتد ليشمل الجانب السياسي أيضًا، خاصة ذلك الذي يثير غضب وقلق التنين الأحمر، حيث ظهر جليًّا دعم أمريكا للحزب المؤيد للاستقلال عقب فوز الأخير في الانتخابات، فسارعت الولاياتالمتحدة للترحيب بفوز زعيمة الحزب الديموقراطي، قائلة: نتطلع للعمل مع زعيمة المعارضة تساي إينج وين، وزعماء كل الأحزاب في تايوان، لإحراز تقدم فيما يتعلق بمصالحنا المشتركة وتقوية العلاقة غير الرسمية بين الولاياتالمتحدة وشعب تايوان. هل تفوت الصين الفرصة على واشنطن؟ الخطط التآمرية والألاعيب الأمريكية أصبحت مكشوفة لكل دول العالم، وباتت السياسة التي تتبعها إدارة الرئيس الأمريكية باراك أوباما لا جديد فيها، حيث كانت الصين على دراية بمحاولات واشنطن استخدام تايوان كسلاح لضرب مصالح واستقرار بكين، وهو ما عملت الأخيرة على إفشاله من خلال إنهاء عقود طويلة من القطيعة بينها وبين تايبيه، عبر اجتماع في سنغافورة نوفمبر الماضي، أي قبل أسابيع من إجراء انتخابات تايوان، وعُقد الاجتماع بين الرئيسين الصيني شي جينغ بينغ، ونظيره التايواني ما يينغ جيو، ومد كل منهما يده ليصافح الآخر لأول مرة منذ انفصال تايوان عن الصين قبل 60 عامًا في لحظة تاريخية أحبطت آمال واشنطن.