تنقل المصارف المنتشرة بالقرى والمدن، شتى أنواع الأمراض والأوبئة بين الأهالي، إذ لا تخلو مخلفاتها من نفايات المستشفيات وفضلات المصانع، والحيوانات النافقة؛ ما يجلب القوارض والزواحف والروائح الكريهة، ومع غياب التطهير الدوري لها وانسداد مخراتها تتحول إلى بؤر مرضية قاتلة. في القرى تتزاحم المصارف التي تتوسط الكتل السكنية بمخلفات الصرف الزراعي والصناعي والصحي، إذ تلقي سيارات الكسح التابعة للوحدات المحلية مخلفات الصرف الصحي الناجم عن المنازل في المصارف نتيجة غياب شبكات الصرف الصحي المغطى بمعظم القرى، ونتيجة لوجود الزراعات المطلة على تلك المصارف يلقي المزارعين مخلفات الإنتاج الزراعي داخل المصارف، وكذا الحال بالنسبة للشركات والمصانع. يقول الخبير البيئي محمد أنور إن أطراف مشكلة تلويث المصارف تتلخص في المواطن والحكومة، فالمواطن بسلوكه غير الواعي والمنضبط يلقي بمخلفات الصرف المنزلي والزراعي ولا يعلم أن تلك المخلفات تعود إليه بالأمراض وتلوث التربة، أما الحكومة طرف فاعل في التلوث لعدم قيامها بواجبها في تطهير المصارف، وتوفير بدائل لإلقاء الصرف الصناعي والزراعي، وكذا مخلفات المنازل، إضافة إلى دورها في توعية الأهالي. رئيس قطاع الفروع الإقليمية بوزارة البيئة السابق دكتور جمال الصعيدى قال إن توسط المصارف الكتل السكنية يمثل خطرًا على حياة الناس، خاصة بسبب المخلفات الكيميائية والعضوية الناجمة عن المخلفات الصلبة والسائلة للمصانع؛ موضحًا أن 70 مليون طن هي مقدار توليد النفايات الصلبة سنويًا، ما يستلزم إجبار الشركات الصناعية بمعالجة النفايات السائلة قبل صرفها على المجارى المائية، ودعم تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار وإدارة وتشغيل مشروعات الخدمات بالمدن والقرى. وأضاف ل«البديل» أن تلك المصارف تمثل تهديدًا للرقعة الزراعية فالمياه التي تأتي من المصارف ويستخدمها المزارعين في ري أراضيهم؛ تتسبب في تدهور التربة، وتشكل خطرًا كبيرًا على المحاصيل الزراعية والبيئة بوجه عام، موضحًا أن حجم مياه الصرف الصحي المستخدم في الزراعة سنويًا يقدر بنحو 6 مليار متر مكعب، وبالتالي تتفاقم النفقات السنوية المطلوبة لتطهير المصارف بمختلف أنواعها، وتتفاقم مشكلة التلوث الناجمة عن المصارف الإقليمية بقرى المحافظات. وحول خطورة المصارف البيئية وتأثيرها على المواطنين قال مدير المركز القومي للسموم بكلية طب القصر العيني دكتور هشام عطية إن أمراض ضمور العضلات وهشاشة العظام وشلل الأطراف والغيبوبة الكبدية والتهابات الكلى نتائج مترتبة على مخلفات المصانع الكيميائية التي تفرز مادة الرصاص، وأن السبيل الوحيد لتلاشي تلك الأمراض يتمثل في نقل كل المصانع والمسابك خارج الكتل السكنية، كما يستلزم الأمر ضرورة المعالجة الصحيحة، ومن لا يلتزم بذلك يتم إغلاق مصنعه طبقا لقانون البيئة لعام 1994. وقال وكيل وزارة الزراعة السابق دكتور حسن الفولي ل«البديل» إن مياه الصرف التي تتم معالجتها غير صالحة للزراعة، وأن مصرف المحيط بالمنيا مخصص لتجميع الصرف المغطى من الأراضي الزراعية؛ للحفاظ على جودة الأراضي، معتبرًا إلقاء مخلفات الصرف الصناعي والصحي أمرًا خطيرًا؛ لكون المصرف ينتهي عند مجرى النيل، ويصب جميع المخلفات به؛ ولأن مياه النيل المصدر الرئيسي لري الأراضي الزراعية، سواء بطرق مباشرة أو من خلال روافد النهر المتمثلة في المصارف والترع، فإن ذلك مؤشر ودليل على تلوث الأراضي الزراعية. وحذر أستاذ تلوث المياه بالمركز القومي للبحوث دكتور أنور الديب من استخدام مياه المصارف في ري الزراعات؛ لما تحمله من مخلفات عضوية وكيميائية وزراعية، مثل المبيدات والأدوية ومركبات غير عضوية مثل المعادن الثقيلة كالرصاص والحديد والكروم والنيكل، وذلك بخلاف المخلفات الآدمية وما بها من ملايين الميكروبات والبكتيريا والطفيليات المعدية مثل الأميبا والدوسنتاريا والفيروسات السامة والقاتلة، وكل هذا يتسلل من خلال مياه الصرف إلى النبات ومنه إلى الإنسان ويتسبب فى انتشار الأمراض الخطيرة كالفشل الكلوي وتليف الكبد والفيروسات الكبدية والأورام السرطانية المختلفة، والنزلات المعوية للأطفال والجفاف للأطفال والكبار، ويؤدي للإصابة بشلل الأطفال والحمى الصفراء والجرب والملاريا. وكشف مستند حصل عليه «البديل» من رئيس حماية النيل بالمنيا أن مصرف المحيط الممتد بطول مراكز المنيا وسمالوط وأبو قرقاص وملوي وديرمواس، يصب 9 آلاف متر مكعب يوميًا من مياهه الملوثة في النيل، وقال رئيس حماية النيل بالمحافظة مهندس حمدي محمد إن المصرف محمل بنفايات ومخلفات الصرف الصناعي الناجمة عن مصرف سكر أبو قرقاص ويصبها في النيل مباشرة مع بقية المخلفات، ما يعد كارثة كبرى تصيب نهر النيل. وكانت تقارير صحية كشفت عن زيادة نسب الحديد والمنجنيز ووجود رواسب صفراء وعكار زائد عن المعدلات الطبيعية بالمصرف، وأنه سبب تلوث مياه النيل، المصدر الرئيسي للشرب وري الزراعات، كما كشفت عدة تقارير أخرى تلوث مياه الشرب بسبب مصرف المحيط، وذلك في أماكن تواجد المصرف. التحركات الشعبية سبقت تحرك المسؤولين لكنها لم تجدِ نفعًا، فجمعية التوحيد لحماية البيئة بإطسا المنيا قطعت شوطًا كبيرًا على مدار 6 سنوات في سبيل إيجاد حلول لمشكلة المصرف، قدمت خلالها العديد من المقترحات، وكثيرًا من التقارير الموثقة والمعتمدة تتضمن مدى خطورة المصرف وما يسببه من أضرار للبشر والنبات والمياه ونهر النيل، وقال الدكتور عثمان علي من أبناء إطسا إن أكثر من 400 حالة بقريته مصابة بأمراض الفشل الكلوي والتهاب الكبد الوبائي، كما أن الزراعات الواقعة قرب المصرف غالبا ما تلاحقها الحشرات الضارة، مضيفا أنهم يترددون من حين لآخر على مكاتب المسؤولين والجهات المعنية لعرض المشكلة، ولكن كل جهودهم بلا جدوى.