انتشرت عملية تجريف وقطع الأشجار ذات القيمة التاريخية والتصنيعية والطبية داخل قرى ونجوع مصر؛ ليهدد الانقراض سلالاتها، وقد حلت محلها المباني السكنية، وأشجار الزينة، والنباتات والمحاصيل الربحية. فأشجار الجميز ذات الأصول الممتدة إلي العصور القديمة يتم القضاء عليها، وذلك لعدة أسباب، أبرزها جهل الأهالي بقيمة تلك الأشجار، ورغبتهم في توفير مساحات فضاء من الأراضي لبنائها أو زراعتها بمحاصيل سريعة الفائدة، وأيضًا بهدف الاستفادة من أخشابها عن طريق بيعها، كما تتجاهل الوحدات المحلية قيمتها، لتدهسها بسبب العمليات الإنشائية ومشروعات التشجير والبنية التحتية. بالبلدي «جميز» تنتشر أشجار «الجميز» عادة على الطرق المطلة على المسطحات والمجاري المائية كالترع والمصارف ونهر النيل، واهتم المزارعون والفلاحون بزراعتها لكونها أشجار مثمرة، فالجميز من أنواع فاكهة التين، بلا بذور، يتميز بمذاقه الحلو، كما أن تلك الأشجار الضخمة والمترامية تعمل على تنقية الجو من الأتربة، ومن أجود أنواع الأخشاب. مدرس كلية الزراعة بجامعة المنيا الدكتور محمود منصور قال ل"البديل" إن الجميز شجرة ضخمة دائمة الخضرة، يبلغ ارتفاعها 18 مترًا، ويزيد قطرها على المترين، تتميز بكثافة فروعها وكثرة أوراقها، ويصل طول الورقة 10 سم، وعرضها 5 سم، تثمر بعد 5 سنوات من نموها، موطنها الأصلي مصر، ونقلت إلى الشام وفلسطين وشرق إفريقيا وشبه الجزيرة العربية، وقد أطلق عليها عدة أسماء أبرزها شجر الراقاع. وقاية وعلاج تعددت الفوائد الطبية والغذائية لثمر الجميز، فقد أكدت نتائج أبحاث المؤتمر الدولي للأمراض الجلدية فوائد لبن الجميز في علاج مرض الصدفية وبعض الأمراض الجلدية الأخرى، باستخدامه كدهان موضعي، لاحتوائه على مضادات حيوية قادرة على إبادة الجراثيم ومواد أخرى تعمل على التئام الجروح، كما أن ثمر الجميز ملين ومنبه جيد للمعدة والأمعاء ومطهر للنزلات المعوية وطارد للغازات، ويساعد على علاج التهابات اللثة. كما تستعمل ثمار الجميز الطازجة لعلاج النزلات المعوية وانتفاخ البطن والإمساك، ويتناول المريض كوبًا من عصير الثمار صباحًا على الريق، وتمضغ ثمار الجميز لأطول فترة ممكنة في الفم، ويستعمل عصيرها كمضمضة لعلاج التهابات وترهلات اللثة، أما لعلاج مرض الصدفية والقوباء ولتطهير الجروح والقروح وسرعة التئامها، فتستعمل شرائح ثمار الجميز الناضجة على هيئة ضمادات فوق مكان الإصابة، وأيضًا لبن الجميز على شكل دهان موضعي. ويحتوي الجميز على سكريات الفاكهة بشكل رئيسي وفلافونيات، من أهمها الفيكوسين والبيرغابتين. عند علماء العرب قال ابن سينا إن الجميز في لبنه قوة ملينة محللة للدم جدًّا، ولبن هذه الشجرة ملزقة وملحمة للجراحات العسيرة، وكذلك يحلل الأورام العسرة. نافع من الاقشعرار وكذلك نافع للسع الحشرات شرابًا وطلاء، أما ابن بيطار فقال: «يستخرج في أيام الربيع من هذه الشجرة لبن قبل أن تثمر، ويجفف ويقرص ويخزن في إناء من خزف، ويستخدم كملين ولازق للجروح ومحلل للأورام العسرة التحليل. وقد يشرب ويتمسح به لنهش الهوام ووجع الطحال ووجع المعدة والاقشعرار. إذا طبخت ثمره نفع لمن كان محرورًا، ونافع من السعال المزمن, ورقه إذا سحق وشرب منه على الريق نفع في الإسهال الذي عجز عنه المعالجون»، أما داود الأنطاكي فقال: "ينفع من أوجاع الصدر والسعال ويصلح الكلى ويذهب الوسواس، يقطع الإسهال ويسقط الجنين ويدر الطمث وورقه يقطع الإسهال, يمنع القروح الساعية والأكلة, رماد حطبه يمنع القروح ذرورًا, إذا رضت أوراقه وأطرافه الفضة وثمرته الناضجة وطبخ الكل حتى ينهري وصفي وأضيف له السكر وأخذ لعوقًا كان جيدًا، لا مثل له لعلاج السعال المزمن وعسر النفس والربو ويصفي الصوت". توابيت الفراعنة «جميز» وبحسب مراجع وأبحاث عدة، فالجميز شجرة ذات أصول تاريخية، اعتمد عليها الفراعنة قديمًا في عمل التابوت، وهو ما دلت عليه النقوش والرسومات الباقية على جدران المقابر والمعابد، وأشهرها تابوت الملكة إوزوريس، وأكدت ذلك النقوش المرسومة على جدران مقبرة الأميرة «تيتي»، كما وجدت ثمار الجميز الجافة في العديد من المقابر الفرعونية وداخل عدة سلال، بالإضافة إلى وجود أوراق الجميز في توابيت الموتى. ونقشت رسومات أشجار الجميز على جدران العديد من مقابر بني حسن الأسرة الثانية عشرة، وقد استعملت العصارة اللبنية ضمن الوصفات العلاجية لبعض الأمراض الجلدية وخاصة مرض الصدفية ولعلاج لسعات العقارب وعضات الثعابين، كما جاء الجميز ضمن الوصفات الفرعونية كمسهل وملين للمعدة والأمعاء وعلاج لمرض الإسقربوط. بها استظلت العائلة المقدسة يقول الباحث فايز أبو ميري إن العائلة المقدسة استظلت تحت 3 شجرات جميز في رحلتها إلى مصر، مستندًا في بحثه على ما أكده المؤرخ عارف العارف في كتابه (غزة والمسيح عام 1943)، حيث توجد الشجرة الأولي في مدينة أريحا بجوار الكنيسة الروسية، ويقدر عمرها بأكثر من ألفي عام، ولا تزال موجودة حتى الآن، مبرهنًا صحة حديثه بأن ذكر الشجرة ورد في إنجيل لوقا في الإصحاحين الثامن والتاسع عشر. ويضف أبو ميري أن الشجرة الثانية موجودة الآن بكنيسة مريم في مصر، حيث يرتادها السياح من مختلف بقاع الأرض، بينما الشجرة الثالثة المسماة "جميزة صالحة" فقد كانت موجودة قبل ثلاثين عامًا في موقع آثار الكنيسة البيزنطية شرق مدينة جباليا بقطاع غزة. لهذه الأسباب نزيل الجميز وعن سبب إزالة أشجار الجميز قال عدد من مزارعي وفلاحي المنيا إن الجميز تشغل حيزًا كبيرًا، سواء أكانت داخل أراضٍ زراعية أو بناء، وبالتالي فإن العائد من وراء إزالتها أكبر من فوائد إبقائها، فإزالتها تسهم في استغلال مساحتها لزراعة أشجار ذات عائد اقتصادي أكبر وأسرع كأشجار الموز والزيتون والمانجو. برلماني: لا للإزالة عضو مجلس النواب عن محافظة الإسماعيلية النائب أشرف عمارة كان قد تدخل لمنع إزالة الأشجار التاريخية والنادرة؛ بسبب عمليات تطوير وتوسعة شارع محمد علي، أحد أهم شوارع الإسماعيلية، واختص النائب شجرة "التين البنغالي" –الجميز- التي يمتد عمرها لأكثر من 150 عامًا؛ لكونها شاهدًا على تاريخ الإسماعيلية منذ نشأة قناة السويس.