في موقف محرج للدبلوماسية الأردنية من حيث المكان والتوقيت، أصدر مكتب رئيس حكومة الاحتلال الصهيوني، بنيامين نتنياهو، مؤخرًا بيانًا قال فيه إن السفارة الإسرائيلية في عمان ستعود إلى عملها المعتاد على الفور. الإحراج أن عودة عمل السفارة الصهيونية لم يرقَ إلى سقف المطالب الأردنية التي كانت تقول بأنها لن تسمح بإعادة فتح السفارة الإسرائيلية في عمان ما لم يتم اتخاذ إجراءات قانونية بحق المتهم بقتل مواطنين أردنيين، حينها طالبت السلطات الأردنية بالتحقيق مع حارس الأمن الإسرائيلي حول الحادث، لكن إسرائيل رفضت تسليمه، وتماطل في التحقيق معه. عودة السفارة الإسرائيلية للعمل في الأردن لم تكلف تل أبيب سوى اعتذار، فبعد مذكرة اعتذار رسمية من خارجية الاحتلال للأردن بشأن حادثة السفارة الإسرائيلية وتعهد بتعويض ذوي القتلى، قبلت الحكومة الأردنية استئناف النشاط الدبلوماسي الصهيوني على أرضها، حيث أعلنت الحكومة الأردنية عن تلقيها اعتذارًا رسميًّا من الكيان الصهيوني، عبرت فيه عن أسفها عن حادث مقتل أردنيين في شقة بالقرب من السفارة الإسرائيلية بعمان في يوليو العام الماضي، وحادثة مقتل القاضي الأردني رائد زعيتر عام 2014. الجدير بالذكر أن زعيتر فلسطيني ويحمل الجنسية الأردنية، وأعدمه جنود الاحتلال بدم بارد على معبر الكرامة؛ بزعم محاولته خطف سلاح جندي، في حين أكد شهود عيان أن القاضي البالغ من العمر 38 عامًا قتل عقب مشادة مع الجنود بسبب التدخين. وبالنسبة لقاتل الأردنيين في حادثة السفارة بعمان، زيف مويال، والتحقيق معه، فقد كشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية أن الحكومة الإسرائيلية قررت نقل التحقيق في حادثة السفارة الإسرائيلية في الأردن إلى الشرطة الإسرائيلية، وقالت الصحيفة إن أحد الأهداف من وراء هذا الإجراء إحباط إمكانية تقديم دعوى ضد حارس السفارة الإسرائيلية في محكمة بالخارج، وإحباط محاولة استصدار مذكّرة اعتقال دولية بحقه، الأمر الذي يشير إلى أنه ليس واردًا لدى السلطات الإسرائيلية إدانة مويال بجريمة القتل، ولا يبدو واردًا أيضًا التفات القضاء الصهيوني إلى دعوات الملك الأردني، عبد الله الثاني لنتنياهو، والتي طالبه فيها بعدم التعامل مع القضية بشعبوية ومحاكمة الحارس القاتل، فبحسب تقرير إسرائيلية، لا يزال ملف التحقيق "عالقًا" في أروقة الشرطة. وكان مويال قد أطلق النار في السفارة الإسرائيلية في عمّان؛ مما أدى إلى قتل أردنيَّيْن، وهما عامل النجارة محمد الجواودة، والدكتور بشار حمارنة، وبعد الجريمة تم نقل المجرم مويال إلى الأراضي الفلسطينية المحتلّة، تحت مرأى ومسمع الحكومة الأردنية، حينها شهدت المملكة الهاشمية غضبًا شعبيًّا عارمًا بعد السماح للحارس الصهيوني بمغادرة الأردن، وما زاد من غضبهم هو استقبال نتنياهو لمويال استقبال الأبطال. في ذلك الوقت ترددت أنباء بأن عودة المجرم مويال إلى إسرائيل تمت بصفقة مع الأردن، فمقابل عودته تزيل إسرائيل البوابات الإلكترونية التي كانت قد وضعتها على بوابات القدس،إلا أن إسرائيل والأردن نفتا أن التحركين المرتبطين كانا جزءًا من صفقة معينة. وتجدر الإشارة هنا إلى أن تقارير إعلامية إسرائيلية كانت نقلت، أواسط شهر سبتمبر الماضي، أن "عمّان ستقبل بنتائج التحقيق الإسرائيلي في القضية أيًّا كانت، سواء تمت تبرئة الحارس أو إدانته، ولكنها تشترط عودة طاقم السفارة الإسرائيلية لعمان لاستنفاد التحقيق وكافة الإجراءات القضائية". وحول التعويض الإسرائيلي لذوي القتلى الأردنيين، قال وزير الدولة لشؤون الإعلام الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية، محمد المومني، إن الحكومة تواصلت مع أهالي الشهداء الثلاثة الذين أبدوا موافقتهم على قبول الأسف والتعويض. المحرج من حيث التوقيت أن الأردن أعاد فتح السفارة الإسرائيلية، في الوقت الذي تنادي فيه أطراف فلسطينية وعربية وإسلامية، بقطع العلاقات مع العدو الإسرائيلي، خاصة بعد القرار الأخير للرئيس الأمريكي، دونالد ترامب الذي اعترف فيه بأن القدسالمحتلة عاصمة إسرائيل الأبدية. والمحرج من حيث المكان أن الأردن كدولة حدودية مع إسرائيل هي المتضرر الأول من القرار الأمريكي للقدس، فللأردن الوصاية على الأماكن المقدسة في القدس، حيث تأكد ذلك في الاتفاقية التي تم التوقيع عليها بين رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، وملك الأردن عبد الله الثاني عام 2013 والمعروفة باسم اتفاقية "حماية الأماكن المقدسة في القدس"، إذ جاء فيها أن الوصاية على هذه الأماكن آلت إلى الملك عبد الله الثاني، لكن في الآونة الأخيرة تسعى إسرائيل لتجريد الأردن من هذه الوصاية، حيث ارتفعت حدة الأصوات الإسرائيلية المطالبة باستبدال وصاية سعودية على المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس مكان الوصاية الهاشمية، وسط حراك سعودي على الأرض، كشف عنه صحفيون مقدسيون، من خلال رصدهم نشاطًا واضحًا للمملكة العربية السعودية في شراء عقارات، والتغلغل في القدس القديمة، من خلال صرف الأموال. وفي تصريح لزعيم المعارضة الإسرائيلية إسحاق هيرتسوغ، في وقت سابق من هذا الشهر، لصحيفة إيلاف السعودية، طالب بمنح السعودية مكانة خاصة للأماكن المقدسة في القدس. من جهته قال الخبير في الشؤون الإسرائيلية، أيمن الحنيطي، إن "الوصاية الهاشمية على المقدسات تعدّ من أكبر التحديات التي تقف في وجه اليمين الإسرائيلي، وتم طرح التخلص من هذه الوصاية منذ حكومة نتنياهو الثالثة، لتقدم مشاريع قوانين تحت عنوان فرض السيادة الإسرائيلية على الأقصى والتخلص من السيادة الهاشمية". ويبدو أن الأمور تسير في اتجاه تجريد الأردن من الوصاية على المقدسات في القدس، حيث صوّت الليكود بالفعل على ضم الضفة والقدس لإسرائيل، وفرض السيادة الإسرائيلية على القدس، وفي حال تمرير مشروع الليكود إلى الكنيست للموافقة عليه، سيقضي بفرض السيادة الإسرائيلية على القدس وغيرها، الأمر الذي سيجرد الأردن من الوصاية. ويرى مراقبون أنه من غير المقبول أن يصوّر الأردن خلافه مع العدو الإسرائيلي بأنه يقتصر فقط على حادثة السفارة الإسرائيلية بعمان، خاصة في هذا التوقيت الذي تسعى فيه تل أبيب للاستيلاء على القدس، فأي تَعاطٍ عربي مع العدو الإسرائيلي في هذه الفترة تحديدًا لا يمكن تفسيره إلا بأنه اعتراف ضمني بأن القدسالمحتلة هي عاصمة أبدية للكيان الصهيوني، الأمر الذي من شأنه أن يمهد لما يسمى بصفقة القرن.