يتضح من مقارنة اللغة الدبلوماسية المستخدمة بين جيران نهر النيل وخصوم سد النهضة، من حيث القوة والثبات، أن الكفة تميل لصالح إثيوبيا والسودان على حساب مصر، فالأولى تعمق علاقاتها مع كل الدول البعيدة والقريبة التي تخدم مشروعها على النيل، كما أنها ماضية وبثبات في استكمال بناء سد النهضة، دون الالتفات للمحاذير والمخاوف والاقتراحات المصرية. وتأكدت هذه اللغة مع تصريحات وزير خارجية إثيوبيا، ورقيني قبيو، الذي قال إن زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي، هايلة مريم ديسالين، المرتقبة للقاهرة يوم الخميس المقبل لن تناقش سد النهضة. حيث يحمل تصريح قبيو في طياته رسائل مباشرة إلى القاهرة، فوفقًا لتصريحاته فإن إثيوبيا لن تسمح بمناقشة ملف سد النهضة في مصر، كما أن صيغة الطرح الإثيوبي تشير إلى أن ملف السد محسوم إثيوبيًّا وغير قابل للتفاوض، وليست هذه المرة الأولى التي تتجاهل فيها إثيوبيا صيغ التفاوض مع مصر، حيث تتعاطى أديس أبابا مع الدراسات الفنية للمكاتب الاستشارية التي تطالب القاهرة باعتماد نتائجها في بناء السد من عدمه وكأنها غير موجودة، وهو الأمر الذي دفع الجانب المصري لإعلان فشل المفاوضات، لكن إثيوبيا حتى الآن استكملت بناء 64% من سد النهضة. تصريحات قبيو بأن سد النهضة شأن إثيوبيا والسودان فيه غمز للقاهرة، خاصة أنه أطلقها من السودان قبل يومين، خاصة أنها تأتي في ظل أنباء تسربت عن رغبة مصرية في استبعاد السودان من المفاوضات حول السد، وهو الأمر الذي نفته الخارجية المصرية جملة وتفصيلًا. كما أن زيارة وزير خارجية إثيوبيا للسودان توضح بأن هناك ترسيمًا فعليًّا بدأ يتشكل لجبهات الصراع حول السد الإثيوبي، فالزيارة عززت التقارب الإثيوبي السوداني حول سد النهضة، وتم فيها مناقشة الهواجس الأمنية والعسكرية المشتركة لكل من الخرطوموأديس أبابا، وبات من الواضح أن جبهة سودانية إثيوبية قد يضاف لها تركيا وقطر قد تشكلت قبالة جبهة مصرية بتحالفات متواضعة مع إريتريا وغامضة مع الإمارات، خاصة وأنه عقب لقاء وزير خارجية إثيوبيا بالرئيس السوداني، عمر البشير، وتسليمه رسالة من رئيس وزراء إثيوبيا، أجرى لقاءات مشتركة مع نظيره السوداني، إبراهيم غندور، وأكدا الاتفاق على استراتيجية موحدة لمواجهة تحولات المنطقة. وخلال الزيارة أوضح غندور أن هناك خطرًا محتملاً على أمن السودان شرقي البلاد، مؤكدًا أن بلاده لا تتهم دولاً بعينها بأنها تقف وراء هذا التهديد، لكن المفارقة هنا أن السودان كانت قد اتهمت بالفعل مصر رسميًّا بتهديدها عسكريًّا، حيث وجه إبراهيم محمود، مساعد الرئيس السوداني، الأسبوع الماضي، اتهامات لكل من مصر وإريتريا بتوجيه تهديد عسكري محتمل للسودان. اللغة التصعيدية للسودان بدت واضحة من خلال تصريحات غندور، والتي أشار فيها إلى أن القوات المسلحة السودانية "حركت جزءًا من قواتها في تلك المنطقة تحسبًا لأي مما يمكن أن ينتج سلبًا على أمن وسلامة البلاد"، كما كان رئيس أركان الجيش السوداني قد زار إثيوبيا، 8 يناير الجاري، وشدد خلال زيارته على أن ما يضر السودان سيضر إثيوبيا، وهي صيغة تحمل بعدًا تحالفيًّا بين السودان وإثيوبيا. في مقابل اللهجة التصعيدية للخرطوم والتحركات الاستراتيجية لإثيوبيا في المنطقة، نجد لهجة مصر أقل حدة، حيث قال الرئيس عبد الفتاح السيسي: أقول للأشقاء في الخرطوم وإثيوبيا إن مصر لا تتآمر ولا تتدخل في شؤون أحد، ونحن حريصون على علاقتنا الطيبة، ويكفي ما شهدته المنطقة خلال الأعوام الماضية. ويرى مراقبون أن تصريحات الرئيس انخفضت كثيرًا إذا ما قورنت بتصريحات سابقة له في نوفمبر الماضي، أكد فيها أنه لا يوجد أحد يستطيع المساس بمياه مصر، مشددًا على أنها "مسألة حياة أو موت".